معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 21 آذار/ مارس 2022
فيجاي براشاد*
بدأت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مارس/ آذار 2015- إلى جانب أعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي- قصف اليمن. لقد دخلت هذه الدول في صراع مستمر منذ عام على الأقل مع تصاعد الحرب الأهلية بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحركة أنصار الله للشيعة الزيديين وتنظيم القاعدة.
أراد مجلس التعاون الخليجي بقيادة النظام الملكي السعودي منع أي مشروع سياسي شيعي، سواء كان متحالفاً مع إيران أم لا، من الاستيلاء على السلطة على طول حدود المملكة العربية السعودية. وبهذا، يمكن وصف الهجوم على اليمن بأنه هجوم من قبل الملوك السنّة ضد إمكانية ما يخشون أن يكون مشروعاً سياسياً شيعياً في شبه الجزيرة العربية.
وقد استمرت هذه الحرب بدعم كامل للسعوديين والإماراتيين من قبل الدول الغربية، التي باعتهم أسلحة بملايين الدولارات لاستخدامها ضد الشعب اليمني الفقير. وتخوض المملكة العربية السعودية، أغنى الدول العربية، حرباً منذ ست سنوات ونصف بدون الكثير من المكاسب ضد اليمن، أفقر الدول العربية. وفي الوقت نفسه، خسرت اليمن التي يبلغ عدد سكانها 30 مليونا أكثر من 250 ألف إنسان جراء هذا الصراع، نصفهم بسبب عنف الحرب والنصف الآخر بسبب عنف المجاعة والمرض، بما فيه الكوليرا. ولم تتحقق أي من الأهداف العسكرية أو السياسية للسعوديين والإماراتيين خلال هذه الحرب (انسحبت الإمارات العربية المتحدة في 2020)؛ فيما كانت نتيجتها الوحيدة هي الخراب للشعب اليمني.
بذلت القوات العسكرية لأنصار الله منذ فبراير/ شباط 2021 مجهوداً للسيطرة على مدينة مأرب المركزية، التي ليست فقط بؤرة مشروع تكرير النفط المتواضع في اليمن، لكنها أيضاً واحدة من الأجزاء القليلة من البلاد التي مازال يسيطر عليها الرئيس هادي، أما المحافظات الأخرى مثل الجنوب فهي بيد تنظيم القاعدة، فيما تسيطر الفصائل المنشقة عن الجيش على الساحل الغربي. لقد فتح الهجوم على مأرب فكيّ الموت على نطاق أوسع، وخلق في أعقابه طوفاناً من اللاجئين. إذا سقطت مأرب في يد أنصار الله، وهو أمر مرجح، ستفشل مهمة الأمم المتحدة في الحفاظ على هادي كرئيس للبلاد. وسيتحرك أنصار الله بعد ذلك لإعادة دمج البلاد من خلال الدفع ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي مازال مسيطراً على محافظة أبين.
ويتم الآن تحدي القاعدة في شبه الجزيرة العربية من قبل الدولة الإسلامية التي تشكلت حديثاً في اليمن. فيما تأتي الضربات الأمريكية الدقيقة ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية جنباً إلى جنب مع اعتماد التحالف السعودي عليها لمحاربة أنصار الله على الأرض، بما في ذلك من خلال استخدام الاغتيالات لترهيب المدنيين ودعاة السلام.
أطلع المتحدث باسم “اليونيسف” جيمس إلدر في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الصحافة في جنيف بعد عودته من اليمن على أن “الصراع في اليمن وصل للتو إلى مستوى مخز آخر: فقد قُتل أو شوّه 10000 طفل منذ بدء القتال في مارس 2015، ما يعادل أربعة أطفال في كل يوم”. تقرير إلدر صادم. من بين 15 مليون شخص (50% من سكان اليمن) لا يستطيعون الوصول إلى المرافق الأساسية، هناك 8.5 ملايين من الأطفال. فيما قالت المديرة التنفيذية لليونسيف، هنريتا فور، للجمعية العامة للأمم المتحدة في أغسطس: “أن تكون طفلا في اليمن فذلك بمثابة كابوس”، وأضافت: “في اليمن، يموت طفل كل 10 دقائق من أسباب يمكن تفاديها، من بينها سوء التغذية والأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات”.
هذا يا أصدقاء هو ثمن الحرب، الحرب بلاء شنيع في نتائجها. نادراً ما يمكن للمرء أن يلجأ إلى التاريخ وأن يشير بإبهامه إلى حرب كانت تستحق هذا الثمن. حتى لو أمكن وضع قائمة بمثل هذه الحروب فلن يتم إدراج اليمن فيها، ولا العديد من الدول التي نزفت بسبب فشل خيال الشعوب الأخرى.
لقد فقد ملايين الأشخاص حياتهم ودمرت حياة عشرات الملايين أخرى. إن التحديق الفارغ للشخص الذي رأى الموت والبؤس المستمر هو ما يتبقى عندما تتوقف القنابل عن السقوط بجانب التحديق الفارغ للشخص الجائع الذي تكافح بلاده للتعامل مع الحروب الأخرى الصامتة لكن المميتة، من العقوبات الاقتصادية والنزاعات التجارية. القليل من الخير يأتي من هذا العداء للأشخاص الذين هم ضحاياه. قد تحرك الدول القوية قطع الشطرنج لصالحها، وقد يفتح تجار الأسلحة حسابات بنكية جديدة للحفاظ على أموالهم – وهكذا تسير الأمور.
إن الحرب في اليمن ليست مدفوعة فقط بالسياسات الداخلية للبلاد؛ بل إنها إلى حد كبير نتاج عن التنافس الإقليمي الرهيب بين المملكة العربية السعودية وإيران. ظاهرياً يبدو أن هذا التنافس يرجع إلى الاختلافات الطائفية بين المملكة العربية السعودية السنية وإيران الشيعية، في حين أنه ينبع في الواقع من شيء أعمق: المملكة العربية السعودية الإسلامية الملكية لا يمكن أن تتسامح مع حكومة إسلامية جمهورية في جوارها. لم يكن لدى المملكة العربية السعودية مشكلة عندما كانت إيران تحت حكم الشاه البهلوي (1925-1979)، لقد نما العداء لها فقط بعد الثورة الإيرانية عام 1979، عندما أصبح من الواضح أن جمهورية إسلامية يمكن أن تكون ممكنة في شبه الجزيرة العربية (كان هذا تكراراً للحرب المستوحاة من السعودية وبريطانيا بين عامي 1962 و1970 ضد جمهورية اليمن الشمالي).
لذلك فإن لقاء مسؤولين رفيعي المستوى من كل من إيران والسعودية لأول مرة في بغداد في نيسان/أبريل من هذا العام، ثم مرة أخرى في أيلول/سبتمبر لتهيئة أرضية لتهدئة التوترات، يُعد تطوراً محموداً. وأثارت النقاشات بالفعل قضايا التنافس الإقليمي في العراق ولبنان وسوريا واليمن – كل الدول المنكوبة بالمشاكل بين السعودية وإيران. إذا أمكن التوصل إلى صفقة كبيرة بين الرياض وطهران فقد يؤدي ذلك إلى تقليل تصعيد العديد من حروب في المنطقة.
قاد الضباط عبد الله السلال، انقلاباً عسكرياً وطنيًا عام 1962 أطاح بآخر حاكم للمملكة المتوكلية اليمنية. سارعت العديد من الشخصيات البارزة إلى تولي دفة الحكومة الجديدة، بما في ذلك المحامي اللامع والشاعر عبد الله البردوني. عمل البردوني في خدمة البث الإذاعي بالعاصمة صنعاء منذ عام 1962 حتى وفاته عام 1999، ارتقى خلالها بالخطاب الثقافي لبلاده؛ له مجموعة من الدواوين الشعرية، منها مدينة الغد 1968، والسفر إلى الأيام الخضر 1979، وتشكل قصيدة “من منفى إلى منفى” واحدة من قصائده الكلاسيكية:
بلادي من يدي طاغ إلى أطغى إلى أجفى
ومن سجن إلى سجن ومن منفى إلى منفى
ومن مستعمرٍ بادٍ إلى مستعمر أخفى
ومن وحش إلى وحشين وهي الناقة العجفا
بلادي في كهوف الموت لا تفنى ولا تشفى
تنقر في القبور الخرس عن ميلادها الأصفى
وعن وعد ربيعيّ وراء عيونها أغفى
عن الحلم الذي يأتي عن الطيف الذي استخفى
فتمضي من دجى ضاف إلى أدجى إلى أضفى
بلادي في ديار الغير أو في دارها لهفى
وحتى في أراضيها تقاسي غربة المنفى
إن بلد البردوني يحزن ليس فقط على التدمير الحاصل داخل حدوده، بل أيضاً على “وعد الربيع” لتاريخه الضائع. كان اليمن ذات يوم، شأنه شأن أفغانستان والسودان والعديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، مركزاً لليسار الممكن، وموطناً لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من 1967 إلى 1990 في جنوب البلاد. خرجت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من صراع مناهض للاستعمار ضد البريطانيين بقيادة النقابات العمالية (مؤتمر نقابات عدن وزعيمها ذو الشخصية الجذابة عبد الله الأصناغ) والتشكيلات الماركسية (جبهة التحرير الوطني)، التي اندمجت – بعد صراعات داخلية – في الحزب الاشتراكي اليمني عام 1978 بقيادة الرئيس عبد الفتاح إسماعيل.
حاولت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إجراء إصلاحات للأراضي وتعزيز الإنتاج الزراعي، وأنشأت نظاماً تعليمياً وطنياً (عزز تعليم المرأة)، وأنشأت نظاماً طبياً قوياً (بما في ذلك المراكز الصحية في الريف، كما أقرت قانون الأسرة لعام 1974 الذي وضع تحرير المرأة في مقدمة جدول أعمالها. تم تدمير كل هذا عندما تمت الإطاحة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كجزء من توحيد اليمن عام 1990. تلك الذاكرة الاشتراكية لا تزال هشة في أركان الدولة التي مزقتها القنابل.
*نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2021