أنت أيضاً ضحية حرب مثلنا (عدد 10. 2022)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 20 نيسان/ أبريل 2022

فيجاي براشاد*

دانييلا إيدبرج (المكسيك)، النزهة الذرية، 2007.

التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 27 فبراير/ شباط برئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري جيراسيموف، وبوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وقال بوتين إن “كبار المسؤولين في الدول الرئيسية للناتو  [منظمة حلف شمال الأطلسي] قد أدلوا بتصريحات عدوانية ضد بلادنا”؛ ولذلك طلب  من كبار مسؤوليه “نقل قوات الردع التابعة للجيش الروسي إلى حالة خاصة من المهمات القتالية”.

 إن الجملة الأخيرة المغلفة بلغة بيروقراطية تعني أن الترسانة النووية الروسية ستنتقل إلى حالة تأهب قصوى. ويبدو أن القوات الروسية في غضون ذلك قد استولت على محطة زابوريزهزيا للطاقة النووية في أوكرانيا، وهي أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا. وكانت التقارير المبكرة عن اشتعال النيران في محطة توليد الكهرباء كاذبة، ومع ذلك فقد كانت فكرة سماع وقوع قتال في الموقع كافية لتقشعرّ الأبدان. 

تعود ملكية غالبية الأسلحة النووية في العالم، والبالغ عددها 12700، إلى الولايات المتحدة وروسيا، وتوجد البقية في سبع دول أخرى. وفي الوقت نفسه، إن حوالي 2000 من هذه الرؤوس الحربية – التي تمتلكها الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا – في حالة تأهب قصوى دائمة، ما يعني أنها جاهزة للاستخدام في أي لحظة.

 لقد قامت الولايات المتحدة بوضع أسلحة نووية ليس فقط على أراضيها، ولكن في جميع أنحاء العالم، بما يشمل أوروبا؛ إذ إن ما يقرب من 100 من قنابل الجاذبية النووية B61 موجودة في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا – وجميعها دول أعضاء في الناتو. 

انسحبت الولايات المتحدة في العام 2018-2019 بشكل أحادي من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF) لعام 1987، وهي اتفاقية للحد من الأسلحة مع روسيا التي حذت حذوها على الفور. يعني التخلي عن المعاهدة أن كل دولة يمكنها الآن نشر صواريخ تطلق من الأرض بمدى يصل إلى 5500 كيلومتر، ما يضعف بشكل خطير الهيكل الأمني في أوروبا وما حولها. ومما لا شك فيه أن الانسحاب من هذه المعاهدة هو جزء من سبب اعتقاد الروس أن الولايات المتحدة تسعى إلى الاقتراب من حدودهم من أجل نشر مثل هذه الصواريخ، وتقليل المدة الزمنية لضرب المدن الروسية. وتقوم الولايات المتحدة علاوة على ذلك ببناء نظام صاروخي جديد بقيمة 100 مليار دولار يدعى (الرادع الإستراتيجي الأرضي GBSD)، يمكنه أن يقطع مسافة 10000 كيلومتر، وأن يحمل أسلحة نووية، ضارباً أي مكان على هذا الكوكب في دقائق.

إليوت ماكدويل (الولايات المتحدة الأمريكية)، توني في يوكا فلاتس، 1982.

جاءت هذه التطورات الخطيرة (الانسحاب من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى، وتطوير نظام الرادع الإستراتيجي الأرضي، والغزو الروسي لأوكرانيا) بعد تصويت العالم بـ “نعم” على معاهدة حظر الأسلحة النووية (2017) التي دخلت حيز التنفيذ في 22 يناير 2021. لقد صوت عدد كبير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (122 دولة) لصالح هذه المعاهدة، وصوت عضو واحد فقط (هولندا) ضدها، فيما امتنعت 69 دولة عن التصويت، بما فيها الدول التسع التي تمتلك أسلحة نووية وجميع أعضاء الناتو (باستثناء هولندا). يُعد العمل العسكري الروسي في أوكرانيا بمثابة تذكير، وهذا على أقل تقدير، بضرورة فرض حظر عالمي على الأسلحة النووية، ولماذا يجب على كل دولة الالتزام بنزع سلاحها والتخلص من ترسانتها من الأسلحة النووية. 

هناك طريقة عملية للمضي قدماً بالرغبة العالمية في إلغاء الأسلحة النووية: توسيع المناطق الخالية من الأسلحة النووية (NWFZ).

ماريا بريماتشينكو (أوكرانيا)، فلتسقط تلك الحرب النووية!، 1978

قاد ممثل المكسيك لدى الأمم المتحدة ألفونسو غارسيا روبلز المعركة لتطوير منطقة خالية من الأسلحة النووية في الأمريكتين منذ أوائل الستينيات. وقال غارسيا روبلز في الأمم المتحدة عام 1974 إنه إذا تم إنشاء هذه المناطق الإقليمية وتوسيعها فإن “المنطقة التي تُحظر منها الأسلحة النووية [ستصل] إلى نقطة تصبح فيها أراضي الدول التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل الرهيبة تلك شيئاً مثل الجزر الملوثة الخاضعة للحجر الصحي”. لقد تحدث غارسيا روبلز بهيبة، نظراً لدور المكسيك القيادي في تمرير معاهدة تلاتيلولكو عام 1967، التي أنشأت أول منطقة خالية من الأسلحة النووية، وضمت 33 دولة من أصل 35 دولة في نصف الكرة الأرضية الأمريكي؛ حيث بقيت كندا والولايات المتحدة فقط خارج المنطقة.

تم إنشاء أربع مناطق أخرى خالية من الأسلحة النووية منذ معاهدة تلاتيلولكو: في جنوب المحيط الهادئ (معاهدة راروتونغا، 1985) وفي جنوب شرق آسيا (معاهدة بانكوك، 1995) وفي القارة الإفريقية (معاهدة بليندابا، 1996) وفي وسط آسيا (معاهدة سيميبالاتينسك، 2006). وتضم هذه المناطق الخمس 133 دولة، أي ما نسبته 60% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وكافة الدول الإفريقية. تسمح الاتفاقيات القانونية الرئيسية التي تتعلق بالأسلحة النووية، مثل معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT، 1968)، بإنشاء هذه المناطق الخالية من الأسلحة النووية؛ فمثلا تنص المادة السابعة في معاهدة NPT على أنه: “لا شيء في هذه المعاهدة يؤثر على حق أي مجموعة من الدول في إبرام معاهدات إقليمية من أجل ضمان الغياب التام للأسلحة النووية في أراضيها”. ومن الجدير ذكره أن الجمعية العامة للأمم المتحدة  تدعو بانتظام إلى إنشاء مناطق إضافية خالية من الأسلحة النووية.

بافيل بيبرستين (روسيا)، بيكيني 47، 2001.

لم تنضم أي من الدول التي تمتلك أسلحة نووية إلى هذه المعاهدات، ولا يعود هذا لقلة الاهتمام، ففي العام 1966 أخبر رئيس الوزراء السوفيتي أليكسي كوسيجين لجنة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة بأن هذه الحكومة مستعدة لإدراج بند في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية يحظر “استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية الأطراف في المعاهدة، والتي لا تمتلك أسلحة نووية في أراضيها”. وفي العام التالي قال السفير السوفيتي لدى لجنة نزع السلاح أليكسي روشين إن حكومته تأمل اعتبار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية “خطوة أولى نحو وقف سباق التسلح النووي، ونحو القضاء على الأسلحة النووية”.

جاءت هذه المواقف  لدى كوسيجين وروشين عقب الخطة التي اقترحها وزير الخارجية البولندي آدم راباكي على الأمم المتحدة في 2 أكتوبر/ تشرين أول 1957، لإنشاء منطقة وسط أوروبا خالية من الأسلحة النووية. واقترحت الخطة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في بولندا وألمانيا على أمل أن تمتد إلى تشيكوسلوفاكيا. وتم دعم الخطة من قبل الاتحاد السوفيتي، إلى جانب جميع دول حلف وارسو (ألبانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر وبلغاريا ورومانيا  وجمهورية ألمانيا الديمقراطية).

في المقابل، جاء الاعتراض على خطة راباكي من حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة على وجه الخصوص، حيث قرر التحالف العسكري مواصلة بناء أسلحته النووية في اجتماع باريس لمجلس الناتو في ديسمبر/ كانون أول 1957، بحجة أن الاتحاد السوفيتي سوف يتمتع بميزة على الدول الأوروبية التي تعتمد على “أسلحة ما قبل العصر الذري”. وناقشت وزارة الخارجية البولندية قرار الناتو بعد أسبوعين من ذلك، وصاغت رداً معقولاً تجاه وضع مسودة ثانية لخطة راباكي. وتضمنت العناصر الأربعة الجديدة للخطة ما يلي:

1. ضمان عدم تعرض المنطقة الخالية من الأسلحة النووية لهجوم بالأسلحة النووية.

2.  الاستعداد لخفض واتزان القوات المسلحة التقليدية.

3. وضع خطة مراقبة في المنطقة لكافة أنواع الأسلحة.

4. تطوير الشكل القانوني لمعاهدة منطقة خالية من الأسلحة النووية.

لم يأخذ الناتو أياً من هذه المقترحات على محمل الجد، وماتت خطة راباكي موتاً هادئاً وتم نسيانها إلى حد كبير. اليوم لا يوجد نقاش حول منطقة خالية من الأسلحة النووية في أي جزء من أوروبا على الرغم من أنها أرض الصفر لأي صراع نووي.

فايزة بات (باكستان)، أغرب عن أحلامي 1، 2008.

إن هناك الكثير من الاقتراحات الخاصة بمناطق خالية من الأسلحة النووية لأجزاء أخرى من العالم. كانت إيران واحدة من أنصار إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وتم طرح هذا لأول مرة في الأمم المتحدة عام 1974، وتم اقتراحه في الجمعية العامة للأمم المتحدة من قبل مصر وإيران كل عام خلال الفترة من 1980 إلى 2018، ويتم اعتماده كل عام دون تصويت. لكن هذا الاقتراح بقي معطلاً لأن إسرائيل ترفض قبوله.

وفي سبتمبر/ أيلول 1972، اقترح ممثل باكستان في مؤتمر الأمم المتحدة للطاقة الذرية منير أحمد خان إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب آسيا، لكن تم التخلي عن الفكرة عندما اختبرت الهند الأسلحة النووية في مايو 1974. وتثير الدول في العديد من المناطق قضية منطقة خالية من الأسلحة النووية في القطب الشمالي أو المحيط الهادي، لكن لم يتم تمرير  أي منها. إن الخصوم الرئيسيين لهذه المقترحات هم الدول التي تمتلك أسلحة نووية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

أكيكو تاكاكورا (اليابان)، امرأة يقودها عطش لا يطاق حاولت التقاط قطرات المطر السوداء في فمها، ج. 1974.

إن القتال الدائر في أوكرانيا داخل وحول محطات الطاقة النووية والتعليقات الفضفاضة التي أدلى بها رجال ذوو نفوذ حول الأسلحة النووية تذكرنا بالمخاطر الكبيرة التي نواجهها. عندما كنت طفلاً، احتفلت المدارس الهندية بيوم هيروشيما في السادس من أغسطس/ آب بقدرٍ من الإجلال. تلقت مَدرستنا محاضرة عن الوحشية ثم ذهبنا إلى فصولنا وقمنا إما بعمل رسم أو كتابة قصة عما تعلمناه. وكان الهدف من التمرين وضع بصمة كراهية كبيرة للحرب في عقولنا الشابة. يذهلني أننا – كحضارة إنسانية – نسينا هيروشيما وناغازاكي والأسلحة الرهيبة التي ألقتها الولايات المتحدة على شعبيهما عام 1945.

لقد أمضيت سنوات في قراءة كلمات الهيباكوشا، والناجين من تلك الهجمات، وإعادة قراءة صحافة ويلفريد بورشيت، وجون هيرسي وتشارلز لوب، وكتابات كينزابورو وكوبو آبي وماسوجي إيبوس وميشيهيكو هاتشيا وسانكيتشي توج وشينوي شودا وتاميكي هارا ويوكو أوتا ويوشى هوتا وآخرين. يسلط هؤلاء الكتاب الضوء على رعب الحرب وفقدان الذاكرة الذي يلحق بالعالم من قبل أولئك الذين يريدون الاستمرار في جرنا إلى صراع بعد آخر.

وقد صادفت في هذه القراءة تبادلًا بين جونتر أندرس، الفيلسوف الماركسي الألماني، وكلود إيثرلي، أحد الطيارين الأمريكيين الذين طاروا كجزء من السرب الذي قصف هيروشيما، حيث كتب أندرس إلى إيثرلي عام 1959، مبتدئاً المراسلات التي أدت إلى إيثرلي المكسور يكتب طالباً الصفح من شعب هيروشيما. لامستني إجابة ثلاثين امرأة شابة من من الهيباكوشا لإثيرلي بشكل عميق، وأتمنى أن تلامسكم أنتم أيضاً:

لقد تعلمنا أن نشعر تجاهك بشعور من جرب الأمر

معتقدات أنك أنت أيضا ضحية حرب

مثلنا.

يبدو الأمر كما لو أن نساء الهيباكوشا كن يوجهن المشاعر التي أوجدت اليوم العالمي للمرأة العاملة منذ أكثر من مائة عام، وهو اليوم الذي كان عام 1917 حافزاً للثورة في روسيا القيصرية. كتبت كلارا زيتكين، إحدى مؤسسات ذلك اليوم، عن الحرب وانقساماتها: “يجب ألا تكون دماء القتلى والجرحى سيلاً لتقسيم ما يوحدنا في المحنة الحالية والأمل في المستقبل”.

* نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 10 مارس/ آذار 2022.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة