أزمة الحبوب بين ارتفاع الإنتاج واعتماد الولايات المتحدة عليه في إنتاج الوقود

مشاركة المقال

مدار: 29 نيسان/ أبريل 2022

سجلت أسعار الغذاء العالمية ارتفاعا كبيرا، في ما اعتبر معدل الزيادة الشهري الأسرع منذ 14 عاما في ظل التأثيرات التي واكبت الأزمة الأوكرانية-الروسية؛ وهو وضع من المرجح أن يلحق الأضرار الكبرى بالبلدان الفقيرة حول العالم.

كل هذا في ظل المؤشرات التي أماطت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة اللثام عنها في الأسابيع الماضية، متحدثة عن أن مؤشر الأسعار في الوقت الحالي سجل ارتفاعا هو ثالث أعلى مستوى قياسي له على التوالي، إذ قفز بنسبة 34% عن الفترة نفسها من العام الماضي، وهو الارتفاع الذي قالت عنه المنظمة إنه “قفزة عملاقة”.

وقالت بيث بيشدول، نائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة: “إن الصراع الدائر في أوكرانيا يزيد من المخاوف بشأن تأثيره على الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم”، مضيفة: “نشهد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في جميع المجالات”.

كما حذر البنك الدولي من أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يتسبب في أضرار دائمة للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، ويمكن أن يسهم في دفع ملايين الناس إلى الفقر.

ارتفاع أسعار المواد الغذائية رغم الإنتاج المتزايد

تسارعت في الآونة الأخيرة بشكل تصاعدي أسعار المواد الغذائية، لاسيما في ظل أحدث البيانات التي تلقي الضوء على معاناة العديد من الشعوب في طريقها إلى تأمين احتياجاتها اليومية.

وفي الواقع أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ليس ظاهرة حديثة، فمنذ تفشي الجائحة عام 2020 وصل مؤشر أسعار الحبوب العالمي، وهو أهم مؤشر لأسعار المواد الغذائية، مرارا وتكرارا إلى مستويات عالية جديدة، كما أنه في الفترة من بداية 2020 إلى مارس/ آذار 2022 ارتفع مؤشر أسعار الحبوب العالمي بأكثر من 65%، وهو أعلى مستوى يسجله على الإطلاق.

هذا وأعلن برنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة مؤخرا أن البشرية يمكن أن تواجه “أكبر أزمة غذائية منذ الحرب العالمية الثانية”. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن ما يصل إلى 1.7 مليار شخص معرضون لخطر اضطرابات الغذاء والطاقة والنظم المالية التي تؤدي إلى تفاقم الفقر والجوع.

وفي ظل كل هذه التحذيرات، شهدت السنوات الأخيرة زيادة في إنتاج الحبوب في العالم عاما بعد عام، بحيث تشير التقديرات إلى أن الإنتاج العالمي من الحبوب في عام 2021/2022 سيقارب 2.8 مليار طن، والكمية العالمية من الحبوب المتاحة للفرد حوالي 355 كيلوغراما، هذا دون الحديث عن اللحوم والخضروات والفواكه وغيرها من المواد الغذائية، ما يشير إلى أنه لا يوجد نقص في الطعام، ولكن أين ذهب الطعام؟.

لقد زاد الإنتاج العالمي للحبوب على أساس سنوي، كما سجلت البلدان المنتجة للحبوب حصادا وفيرا بشكل عام، ففي عام 2021/2022، بلغ إجمالي إنتاج الحبوب في الولايات المتحدة 570 مليون طن، وبلغ إجمالي الإنتاج في أستراليا حوالي 54.9 مليون طن، بزيادة قدرها 9.4% على أساس سنوي.

اعتماد الولايات المتحدة على الحبوب في إنتاج الوقود

في السنوات الأخيرة، زاد إنتاج الغذاء العالمي بشكل تصاعدي، بحيث انتقل في الفترة من 2018 إلى 2022 إجمالي إنتاج العالم من الحبوب من 2.65 مليار طن إلى 2.71 مليار طن إلى 2.78 مليار طن إلى 2.80 مليار طن على التوالي.

لكن هذا الإنتاج في ما يخص الحبوب لم يبق حبيس توفير ما يكفي من الغذاء، بل تحول عدد كبير من هذا الإنتاج إلى إنتاج الوقود ومشتقاته، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب بشكل متزايد.

من خلال الأرقام المتوفرة حول إنتاج الغذاء، وبالأخص الحبوب، التي تشير إلى أنه لا يوجد نقص في الغذاء في العالم، فلماذا تستمر أسعار المواد الغذائية في الوصول إلى مستويات عالية جديدة؟.

 في خضم الأزمة الأوكرانية الحالية، خصصت مختلف وسائل الإعلام جزءا مهما من نشراتها وأخبارها للحديث عن الزيادات في الأسعار، وبالأخص في الحبوب، التي أُثرت بالسلب على عديد البلدان الفقيرة التي حسب منظمة الأغذية والزراعة قد يعيش سكانها فقرا شديدا، لكن ما أغفلته هذه التغطيات الإعلامية هو أن الولايات المتحدة تستحوذ على نسبة مهمة من إنتاج الحبوب، لكن أولويتها ليست في توفير الغذاء للشعوب الجائعة.

ولعل آخر قرار للرئيس الأمريكي خير دليل على مدى استهتار ولامبالاة الولايات المتحدة بالتحذيرات حول المجاعة، إذ أعلن من خلاله، في 12 أبريل/ نيسان الحالي، عن إجراءات طارئة لزيادة مبيعات الوقود الحيوي للحد من ارتفاع أسعار البنزين.

وجاء في قرار الرئيس الأمريكي بايدن أن وكالة حماية البيئة تخطط لإصدار إعفاء طارئ للسماح ببيع الوقود الحيوي E15، الذي يعتمد على استخدام المزيد من الإيثانول المتأتي من المحاصيل المحلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

مع العلم أنه في إطار الإنتاج الضيق للوقود تستهلك الولايات المتحدة أكثر بمرتين ونصف مما تنتجه سنويا أستراليا.

ويشمل الوقود الحيوي بشكل أساسي الإيثانول الحيوي والديزل الحيوي، بحيث يتم إنتاجه في الوقت الحالي بشكل أساسي من الحبوب، ويمكن أن يحل جزئيا حسب خطط الولايات المتحدة محل البنزين والديزل المنتجين من البترول. وتأتي الزيادة في الطلب على الوقود الحيوي كبديل نظرا للارتفاع الأخير في الأسعار العالمية للنفط.

هذا وتعتبر الولايات المتحدة أكبر منتج للإيثانول في العالم، وسيزداد إنتاجها من هذه المادة نظرا للخطط الحالية للبيت الأبيض. ووفقا للمعطيات التي تتناول هذا النوع من الإنتاج فإن طنا واحدا من الوقود الحيوي من الإيثانول يتطلب حوالي 3 أطنان من الحبوب. وستزداد هذه الأعباء مع استهلاك الولايات المتحدة الحالي الذي يقدر بحوالي 135 مليون طن من الحبوب.

بالإضافة إلى الإثانول هناك وقود حيوي أمريكي آخر يعتمد الصيغة نفسها، وهو وقود الديزل الحيوي، الذي بلغ إنتاجه أكثر من 11 مليون طن عام 2021، ويستهلك أيضا الكثير من الطعام. ووفقا لبيانات من المجلس الدولي للحبوب فإن عام 2021/22 شهد استخدام ما يقرب من 170 مليون طن من الحبوب في الولايات المتحدة لإنتاج الوقود الحيوي، وهو ما يمثل 47.4% من إجمالي استهلاك الحبوب في الولايات المتحدة، في حين أن ما يستخدم للغذاء يمثل فقط 32.9 مليون طن من الحبوب، أو 9.2% من إجمالي الاستهلاك.

وهناك دول أخرى تسير على نفس مسار الولايات المتحدة، وهي البرازيل التي تنتج 23.4 مليون طن من البيوإيثانول، وتستعمل في ذلك حوالي 70 مليون طن من الحبوب كل عام؛ في حين أنتج الاتحاد الأوروبي 17 مليون طن من وقود الديزل الحيوي عام 2021 مستخدما في ذلك حوالي 50 مليون طن من الحبوب.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة