معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 14 شتنبر/ أيلول 2022
فيجاي براشاد*
حذّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مارس/آذار 2022 من “إعصار الجوع” بفعل الحرب في أوكرانيا؛ إذ قال إن خمسة وأربعين دولة نامية معظمها في القارة الأفريقية “تستورد ما لا يقل عن ثلث قمحها من أوكرانيا أو روسيا، إلى جانب أنّ 18 دولة منها تستورد على الأقل 50%”.
تصدّر روسيا وأوكرانيا 33% من مخزون الشعير العالمي، و29% من مخزون القمح، و17 % من مخزون الذرة، وما يقرب 80% من الإمداد العالمي لزيت عباد الشمس. وفي الوقت نفسه يعاني المزارعون من خارج روسيا وأوكرانيا الذين يحاولون تعويض نقص الصادرات من ارتفاع أسعار الوقود بفعل الحرب؛ إذ تؤثر أسعار الوقود على تكلفة الأسمدة الكيميائية وقدرة المزارعين على زراعة محاصيلهم.
وقد ذكر ماكسيمو توريرو كولين، كبير الاقتصاديين لدى منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، أن “واحدة من كل خمس سعرات حرارية يأكلها الناس عبرت واحداً على الأقل من الحدود الدولية، وذلك بزيادة تفوق 50% منذ 40 عاماً”. بالتأكيد أنّ هذا الاضطراب في تجارة الأغذية العالمية سيخلق مشكلة تتعلق بالأغذية وتناول الطعام، تحديداً في أوساط أفقر الناس على الكوكب.
لا تمتلك البلدان الفقيرة العديد من الأدوات لوقف موجة الجوع، والسبب يعود لقواعد منظمة التجارة العالمية (WTO)، التي تفضل نظم الإعانة للدول الأكثر ثراءً، لكنها تعاقب الدول الفقيرة إذا ما استخدمت إجراءات الدولة لصالح مزارعيها والجياع.
قدم تقرير صدر مؤخراً عن منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية دليلاً على مزايا الدعم التي تستفيد منها الدول الأكثر ثراءً. إذ ستسعى دول مجموعة الـ 33 إلى توسيع استخدام “بند السلام” في المؤتمر الوزاري الثاني عشر في منتصف يونيو (الذي تم تأسيسه عام 2013) للسماح للدول الأفقر بحماية سبل عيش مزارعيها من خلال شراء الدولة للغذاء وتعزيز نظم توزيع الغذاء العامة.
يعاني أولئك الذين يزرعون غذاءنا من الجوع، ومع ذلك فمن المدهش أن ثمة القليل من الحديث عن فقر وجوع المزارعين والفلاحين والعمال الزراعيين أنفسهم؛ إذ يعيش أكثر من 3.4 مليارات شخص- أي حوالي نصف سكان العالم – في المناطق الريفية؛ ومنهم 80% من فقراء العالم. وتشكل الزراعة بالنسبة لمعظم فقراء الريف المصدر الرئيسي للدخل، وبذلك فهي توفر مليارات الوظائف. كما تتم إعادة إنتاج الفقر الريفي ليس لأن الناس لا يعملون بجهد، وإنما بسبب تجريد العمال الريفيين من ملكية الأرض، وسحب دعم الدولة عن صغار المزارعين والفلاحين.
يولي معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي (جنوب أفريقيا) اهتماماً وثيقا بمحنة عمال المزارع في المنطقة كجزء من مشروعنا الشامل لرصد “إعصار الجوع”. أحدث ملفاتنا، وعنوانه هذه الأرض أرض أجدادنا، هو دراسة دقيقة حول عمال المزارع من وجهة نظرهم الخاصة؛ إذ سافرت الباحثة فيليس إيفون من كوازولو ناتال إلى مقاطعات الكاب الغربية والشمالية لإجراء مقابلات مع عمال المزارع ومنظماتهم للتعرف على إخفاقات إصلاح الأراضي في جنوب أفريقيا وتأثيراتها على حياتهم. هذا الملف من قلائل الملفات التي تبدأ بضمير المتكلم، ويعكس الطبيعة الحساسة للسياسة المحيطة بقضية الأرض في جنوب أفريقيا. كنت قد سألت إيفون بينما كنّا مؤخراً في جوهانسبرغ معاً: “م الذي تعنيه الأرض بالنسبة لك؟” فأجابت:
“لقد ترعرعت في مزرعة في بيدفورد في مقاطعة الكاب الشرقية. منحتني نشأتي بعضاً من أفضل الدروس في حياتي. كان أحد الدروس من مجتمع عمال وسكان المزارع؛ إذ علموني قيمة أن أكون في مجتمع مع أشخاص آخرين، علموني أيضاً ما تعنيه رعاية الأرض وزراعتها وكيف أشكّل معناي الخاص لماهية الأرض بالنسبة لي. لقد أثرت هذه الدروس في معتقداتي الشخصية حول طبيعة الأرض. يستحق جميع الناس العيش من الأرض. ليست الأرض مهمة لأننا نستطيع الإنتاج منها فقط؛ إنها تشكل جزءاً من تاريخ الشعوب والإنسانية والموروث الثقافي”.
أدت عملية الاستعمار من قبل المستوطنين الهولنديين (البوير) والبريطانيين إلى تجريد ملكية الأراضي من المزارعين الأفارقة وتحويلهم إمّا إلى عمال بدون أرض أو مستأجرين لأيدي عاملة غير مدفوعة الأجر، أو عاطلين عن العمل في المناطق الريفية. وتم تدعيم هذا الإجراء بفعل قانون أراضي السكان الأصليين (رقم 27 لسنة 1913)، الذي مازال إرثه محسوساً حتى اليوم. لقد استجاب الملحن روبن كالوزا البالغ من العمر حينها سبعة عشر عاماً (1895-1969) للقانون من خلال أغنية Umteto we Land Act (“قانون الأرض”) التي أصبحت أحد الأناشيد الأولى لدى حركة التحرير في البلاد.
الحق الذي ناضل من أجله رفاقنا
صرختنا من أجل الوطن
هي أن يكون لنا وطن
إننا نبكي من أجل المشردين
أبناء آبائنا
الذين لا مكان يأويهم
في أرض أجدادهم
تعهد ميثاق الحرية (1955) الصادر عن المجلس الوطني الأفريقي (ANC) وحلفاؤه، لفائدة أولئك الذين ناضلوا ضد نظام الأبارتهايد، الذي انتهى رسميا عام 1994، بأن “الأرض يجب تقاسمها بين أولئك الذين يفلحونها”. تم التنويه إلى هذا الوعد مرة أخرى في دستور جنوب أفريقيا لعام 1996، الفصل الثاني، القسم 25.5، إلا أنه يستبعد الإشارة الصحيحة إلى عمال المزارع.
في الحقيقة، دافع النظام الجديد ما بعد نظام الأبارتهايد منذ الدستور المؤقت لعام 1993 عن حقوق أصحاب المزارع من خلال “بند الملكية” في الفصل 2، القسم 28؛ إذ أدت الاختلافات داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى التخلي عن برنامج إعادة الإعمار والتنمية (RDP) الأكثر تقدمية لصالح إستراتيجية النمو والعمالة وإعادة التوزيع النيو ليبرالية (GEAR)- التي فرضت نفسها في إطار برنامج التكيف الهيكلي؛ والمقصد منه هو أنه لم تكن هناك ببساطة إرادة سياسية كافية وأموال للدولة مخصصة لبرامج استعادة الأراضي وإصلاح حيازة الأراضي وإعادة توزيع الأراضي. وكما يشير ملفنا، وحتى يومنا هذا، فإن وعود ميثاق الحرية “لم تتحقق بعد”.
بدلاً من انتزاع الأراضي من الطبقة البيضاء المالكة للأراضي في المقام الأول للتعويض عن المظالم التاريخية، تعمل الدولة على تعويض مالكي الأراضي، وتعمل وفقاً لمبدأ “المشتري الراغب، والبائع الراغب”. وقد أدى الروتين البيروقراطي والافتقار إلى الأموال إلى تخريب أي مشروع حقيقي لإصلاح الأراضي. فوفقاً لما أشار إليه إيرفن جيم، الأمين العام لأكبر نقابة عمالية في البلاد، وهي الاتحاد الوطني لعمال المعادن في جنوب أفريقيا (NUMSA)، في محاضرة روث الأولى لعام 2014، فإن الذكرى المئوية لقانون الأراضي سنة 1913 لم يتم الاحتفال بها من قبل الحكومة، بل من خلال إضراب المتمردين من عمال المزارع عامي 2012 و2013. وقال جيم: “مازال الإضراب حاضراً في ذاكرتنا”. “وهو يواصل تسليط الضوء على الحقيقة التاريخية الاستعمارية القائلة إن الأرض والإنتاج الذي يأتي منها لا يتم تقاسمه بشكل منصف بين أولئك الذين يفلحون الأرض”. لقد انتهى الأمر ببعض البرامج بفعل التوجه النيو ليبرالي لمسألة الأرض التي تم وضعها للرد وإعادة التوزيع إلى إفادة كبار مالكي الأراضي على حساب مزارعي الكفاف وعمال المزارع مدى الحياة.
إنّ مشروع الإصلاح الزراعي الحقيقي في جنوب أفريقيا لن يلبي نداءات العدالة من الأرض فحسب، وإنما سيوفر أيضاً طريقةً للتعامل مع أزمة الجوع في الريف. يختتم ملفنا بقائمة من ست نقاط بالمطالب التي تم تطويرها من الحوارات التي جرت مع عمال المزارع ومنظماتهم:
1.يتوجب على حكومة جنوب أفريقيا استشارة عمال وسكان المزارع لإدراج مساهماتهم في تطوير برنامج إصلاح الأراضي الذي يلبي احتياجات أراضيهم.
2. ينبغي منح الأولوية لمطالب العمالة المستأجرة بملكية الأراضي بهدف تجنب إصلاح الأراضي الذي يثري النخبة السوداء فقط.
3. يتعين على وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي والتنمية الريفية تسهيل عملية تخصيص أصحاب المزارع البيضاء لبعض أراضيهم الزراعية للموظفين مدى الحياة وأحفاد العائلات الذين عملوا في المزارع لأجيالٍ عدة.
4. يجب على الحكومة شراء المزارع لعمال المزارع ومساعدتهم برأس المال لتكاليف البدء ومعدات الزراعة والمهارات الزراعية.
5.يجب أن يأخذ إصلاح الأراضي في جنوب أفريقيا في عين الاعتبار العوامل الاجتماعية التي تساهم في انعدام الأمن الغذائي والاعتراف بفرص تصحيحه من خلال إعادة توزيع الأراضي.
6. يجب أن تعالج عملية إصلاح الأراضي تهميش النساء العاملات في الصناعة الزراعية وعدم امتلاك المزارعات للأرض لضمان التكافؤ بين الجنسين في كلا المجالين.
Loo ngumhlabawookhokhobethu! هذه أرض أجدادنا!
هذا هو الشعار الذي يحمله ملفنا. حان الوقت لمن يعملون في الأرض أن يمتلكوها.
* نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 9 يونيو/ حزيران 2022.