يدافع العمال الهنود عن فولاذهم بحياتهم: (عدد 34. 2022)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 25 غشت/ آب 2022

فيجاي براشاد*

يرجع تاريخ العصر الطويل والبعيد الذي يعود لما قبل التاريخ إلى الفترة التي سبقت بداية العصر المشترك، والذي يمكن تقسيمه تقليدياً إلى ثلاث فترات: العصر الحجري والعصر البرونزي والعصر الحديدي. بعد ذلك، وبالضبط في العصر المكتوب، لم نعد نعتمد في تحديد الفترات على المعادن. لقد ساهمت العديد من المعادن التي استخرجناها بواسطة تقنيات إنتاج وأنماط عمل جديدة في تعزيز القدرة على توليد فوائض كبيرة، وهذا ما بدا بارزاً في عصر الصناعة ولكن ليس، على سبيل المثال، عصر الفولاذ (أو الصُلب)، حيث كان ذاك هو المعدن الأساسي في هذه الفترة.

أثناء مراقبة الشاعر الروسي ألكسي غاستيف للأفران والصخور والمطارق والآلات كتب قصيدة عام 1914 بعنوان “نحن ننبثق من الفولاذ”:

من خلال التحديق بهم، أجد نفسي مستقيما.

يصب في عروقي دم حديدي جديد

وأشرع في النمو.

أنا صارت لدي أكتاف من الفولاذ وأيدٍ قوية بلا حدود.

أنا مندمج مع الصرح الحديدي.

بكتفي، أدفع العوارض الخشبية إلى السطح.

قدماي مثبتتان على الأرض، لكن رأسي أعلى من المبنى.

وبينما ماأزال مصدوما من مجهوداتي اللاإنسانية،

أنا بالفعل أصرخ:

كلمة، أيها الرفاق، كلمة!

الصدى الحديدي استجاب لكلامي، المبنى بأكمله

يرتجف بفارغ الصبر.

أستمر في الصعود؛ أنا الآن على مستوى الأنابيب.

ولا توجد قصة هنا ولا كلام.

لا يوجد سوى الصراخ:

سننتصر!.

تسبب فيروس تراجع التصنيع الذي أصاب أمريكا الشمالية وأوروبا في السبعينيات في خلق حقل من الأدبيات العلمية حول مجتمع ما بعد العمل وما بعد الصناعة، وقد أدت هذه الكتابات إلى افتراض غريب قائم على أن الاقتصاد الرقمي سيصبح هو المحرك الأساسي لتراكم رأس المال، لكن صاحب ذلك إبداء اهتمام هامشي بحقيقة أنه حتى الاقتصاد الرقمي بحاجة إلى بنية تحتية، بما في ذلك الأقمار الصناعية والكابلات البحرية وكذلك محطات توليد الكهرباء وأدوات الربط بالطرق السريعة الرقمية. يرتكز هذا الاقتصاد الرقمي على مجموعة من المعادن، من بينها النحاس والليثيوم، ومع ذلك مازال الفولاذ القديم المقسى في المصانع الكبرى هو أساس مجتمعاتنا. هذا الفولاذ – الأقوى بألف مرة من الحديد – أصبح موجوداً في كل مكان في عالمنا مثله مثل البلاستيك.

Visual Capitalist، تصور للإنتاج العالمي للصلب على مدار 50 عاما، 2021.

تضاعف إنتاج الصلب على مدار الخمسين سنة الماضية بحوالي ثلاث مرات، بحيث يتركز المنتجون الرئيسيون في كل من الصين وأوروبا والهند واليابان وروسيا والولايات المتحدة. وطيلة فترة الجائحة، انخفض إنتاج الفولاذ بنسبة 1% فقط، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الطلب الداخلي في دول مثل الصين والهند أبقى الأفران مشتعلة، ففي وقت انخفض إنتاج الصيب في الصين بشكل معتدل بسبب مخاوف بشأن زيادة الإنتاج، زادت مصانع الفولاذ الهندية من قدراتها الإنتاجية على مدار الجائحة.

وتتميز المصانع الهندية بأن العديد منها موجود في القطاع العام، وتم بناؤها بأموال الدولة وتديرها كيانات حكومية أو شبه حكومية. ومن بين هذه المصانع نجد شركة راشتريا إيسبات نيجام المحدودة (RINL)، وهي عبارة عن مجمع للصلب في فيساكابتانام في ولاية أندرا براديش جنوب شرق الهند. خرج هذا المجمع المعروف أيضا بـ”فيساخا للفولاذ” من كفاح جماهيري قاده شعب أندرا براديش عام 1966، واستمر في ذلك حتى أضاءت الأفران في 1992. وتم إنشاء مجمع المصنع في وقت كانت الدولة الهندية – تحت ضغط من الطبقة الحاكمة في الهند وصندوق النقد الدولي – في طريق جعل الاقتصاد ليبرالياً، بما في ذلك من خلال خصخصة أصول الدولة. ورغم كل ذلك فقد وُلد المصنع في عالم ليبرالي، مع حرص الحكومة على إسقاط كل المحاولات من أجل بيعه لرأس المال الخاص، في ظل موجة من الخصخصة تعتبر أقرب ما يكون إلى القرصنة.

وتعتبر القصة الملهمة لشركة فيساخا للفولاذ موضوع ملفنا رقم 55 (غشت/ أيلول 2022)، باعتباره مصنع الصلب الشعبي ومحوراً من محاور مقامة الخصخصة في فيساكابتانام. يتناول الملف كفاح سكان ولاية أندرا براديش لإجبار الحكومة على بناء مصنع للصلب، أو مثلما سماه أول رئيس وزراء للهند جواهر لال نهرو “معبد الهند الحديثة”.

 هتف الشباب والطلاب فيساخا أوكو وأندرولا هاكو: “فيساخا للصلب هو حق شعب أندرا”. وعام 1966، وُوجه نضال السكان بعنف رهيب من الدولة، أسفر عن مقتل اثنين وثلاثين شخصا واعتقال وتعذيب طال عددا هائلا من السكان. لكن وبعد أن خلصت الحكومة إلى عدم قدرتها على سحق الحركة – التي شكلها الشيوعيون – وفهم حتمية المزيد من الصلب للهند من أجل تجاوز مشاكل الجوع والأمية، وافقت على بناء المصنع من خلال إنفاق 17 مليار روبية حتى منتصف الثمانينيات للبدء في تشييد المصنع.

منذ ظهور مصنع فيساخا للصلب ومع هيمنة دين الخصخصة، سعت الحكومة الهندية في عدة مناسبات إلى إفشال قدرتها على البقاء في القطاع العام من خلال منع مصنع الفولاذ من الاستحواذ على المناجم الخاصة وبناء ميناء للاستخدام الذاتي قريب في غانغافرام، وبناء قدرة كافية في ورشة صهر الصلب (لمعالجة الحديد الخام إلى صلب)، والحصول على تمويل حكومي كاف وفي الوقت المناسب. بدلا من ذلك، حاولت الحكومة تمكين شركة خاصة من إنشاء مشغل لصهر الصلب يستخدم الحديد المصهور من أفران الصهر الخاصة بشركة فيساخا للصلب لإنتاج الفولاذ المعالج الذي يمكن بيعه في السوق بهوامش ربح عالية – وهي خطوة أسقطها العمال. لم تظهر الحكومة في أي وقت من الأوقات التزامها لا بإنتاج الصلب ولا بتحسين الظروف المعيشية لعمال مصانع الصلب وعائلاتهم.

من ناحية أخرى، كانت للعمال أفكارهم الخاصة بقيادة مركز نقابات العمال الهندية (CITU) والنقابات الأخرى، بحيث ناضل العمال لإعادة هيكلة القروض الحكومية وتحويلها إلى ملكية حكومية وتخصيص منجم خام الحديد للمصنع وزيادة قدرة ورشة صهر الصلب. كما يشير ملفنا، فإن عمال الصلب “ملتزمون بشدة بنمو الشركة كمصنع فعال تقنيا وقابل للحياة من الناحية المالية، سواء من خلال النضال لتوسيع المصنع أو الحصول على مناجم خاصة بالمصنع أو حل مواطن الخلل والمشكلات الفنية. كلما ظهرت مشكلة فنية في المصنع، سواء كان ذلك مع أفران فحم الكوك أو محطات توليد الطاقة أو محل صهر الصلب أو غير ذلك، أجرى العمال والنقابات العمالية دراسة وتحليل شاملتين بلا كلل للتوصل إلى حلول مناسبة وتنفيذها. ما لدينا هنا هو حكومة حريصة على تفكيك فيساخا للصلب، وعمال ملتزمون بالإنتاج في “مصنع الفولاذ الشعبي”.

بدلاً من إنشاء ميناء غانغافرام في القطاع العام كما كان متصوراً في البداية، منحت الحكومة الميناء لمجموعة آداني – التي تربط مالكها علاقات وطيدة مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي – والتي تفرض رسوماً خيالية على فيساخا للصلب. من المهم ملاحظة أن هذا الميناء تم بناؤه على أرض كانت في الأصل تابعة لمصنع الصلب. علاوة على ذلك، وفي وقت تدفع فيساخا للصلب ضرائب على الممتلكات في المدينة، فإن ميناء آداني الخاص معفى من دفع الضرائب. وفوق كل هذا حاولت حكومة مودي تسليم أرض فيساخا للصلب إلى شركة بوسكو الكورية الجنوبية العملاقة للصلب، وذلك لإنشاء مصانع صهر خاصة بها لإنتاج منتجات فولاذية خاصة للسيارات باستخدام الفولاذ من مصنع فيساخا. في مثال نموذجي للخصخصة المقنعة أو المتسترة، يشرح ملفنا أنه “طُلب من شركة فيساخا للصلب التعامل مع أكثر أنواع العمل تعقيدا وخطورة وفوضى – شراء الخام وتشغيل أفران فحم الكوك ومحطات الأكسجين والأفران المختلفة – في حين أن شركة بوسكو تستفيد من الجزء الأكثر ربحا في سلسلة القيمة”.

انطلاقا من النضال التاريخي الذي تم على أساسه تشييد المصنع، بدأ العمال حركة لإنقاذ فيساخا ستيل. إن موجة المد والجزر لهذه الحركة – التي تلقت دعما رئيسيا من نضال المزارعين والعاملين النقابيين في رعاية الأطفال الريفيين وشعب أندرا براديش – بقيت وفية لحاجات الحكومة، لاسيما أنه وفي وقت كانت الحكومة مترددة أثناء الوباء، كان عمال الصلب هم الذين يديرون مصانع الأكسجين الخاصة بهم بشكل مستمر لإنتاج أكسجين طبي للمستشفيات.

لم يُكتب الكثير عن مثل هذا الكفاح بقيادة عمال الصلب الشجعان الذين غالباً ما يتم نسيانهم، أو إذا تم تذكرهم يكون ذلك من خلال الإساءة إليهم؛ إنهم يقفون بجانب الأفران، يدحرجون الفولاذ ويخففونه ويعملون على بناء قنوات أفضل للمزارعين وبناء عوارض للمدارس والمستشفيات وبناء البنية التحتية حتى تتمكن مجتمعاتهم من تجاوز معضلات الإنسانية. تم إنشاء ملفنا من خلال تفاعلاتنا مع عمال الصلب ونقابتهم، أولئك الذين أخبرونا كيف يرون ماضيهم وكيف يفهمون نضالهم؛ كما شاركوا معنا صورهم (بالإضافة إلى الصور التي التقطها كونشيم راجيش من صحيفة براجاساكتي في أندرا براديش)، والتي استخدمها قسم الفن لدينا في عمل الملصقات التي ترد في الملف (بعضها مشترك في هذه النشرة الإخبارية).

يغني العمال في مظاهراتهم ويرددون القصائد التي تحمل مطالب بالاستعداد للمعركة.. “قبل أن تختفي الأرض تحت أقدامنا، وقبل أن ينزلق الفولاذ من بين أيدينا”؛ وإذا حاولت خصخصة المصنع، فإنهم يغنون “ستتحول مدينة فيساخا إلى فرن فولاذي، شمال أندرا إلى ساحة معركة … سندافع عن فولاذنا بحياتنا”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة

آراء

[رأي]. غربيو الشرق.. مستشرقون عرب

مدار: 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 إبراهيم قاسم (الأردن)*  يظهر اليوم، هنا تحديداً في شرقنا العربي، من لا يملكون من تراثنا الزاخر شيئا، يظهرون بتحليل