معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 14 حزيران/ يونيو 2021
فيجاي براشاد
تهاجم آلة الحرب الإسرائيلية الهائلة الأراضي الفلسطينية المحتلة، في تجاهل تام للقانون الدولي. وبما أن الأراضي الفلسطينية هي أراض محتلة، لا تسمح الأمم المتحدة للمحتل-إسرائيل- بتغيير طابع الأرض القابعة تحت الاحتلال. لكن هذا لم يردع إسرائيل، فقد أسفرت محاولتها لطرد العائلات في حي الشيخ جرّاح بالقدس عن دخول قوات حرس الحدود الإسرائيلية إلى داخل المسجد الأقصى، تبعته موجات من القصف الجوي أسفرت عن حصيلة يومية من الشهداء والإصابات لن تُعرف إلى حين استقرار الرماد.
والأهم من ذلك لم يستسلم الفلسطينيون لهذا الانتهاك للقانون الدولي؛ لقد قاوموا في القدس وفي الضفة الغربية، في غزة وفي عمق الأراضي المحتلة. تظاهر الآلاف على الحدود الأردنية الفلسطينية والحدود اللبنانية الفلسطينية، غير آبهين بالتهديد الإسرائيلي بإطلاق النار عليهم. وأطلقت فصائل مختلفة في غزة صواريخ للضغط على إسرائيل من أجل وقف العنف في القدس. تبعت إطلاق الصواريخ من غزة استفزازات عنيفة وغير مشروعة من قبل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. لم تكن هذه الصواريخ المحرك الأول في أحداث مايو/أيار 2021.
لقد قصفت إسرائيل على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية غزة، تحديداً في الأعوام 2006، 2008، 2009، 2010، 2011، 2014 و2019. وبصرف النظر عن هذا العنف القاسي، لم تضطهد إسرائيل عبر سياسة الخنق غزة فحسب، وإنما اضطهدت عموم الأرض الفلسطينية المحتلة. وتسعى سياسة العنف البارد إلى إضعاف معنويات الفلسطينيين حتى يغادروا الأراضي الفلسطينية المحتلة. إذا كانت إسرائيل ترفض حل الدولة الواحدة (دولة ديمقراطية للفلسطينيين واليهود) وحل ّالدولتين (إسرائيل وفلسطين)، وتسعى بدلاً من ذلك إلى حل الدول الثلاث (وهو إرسال الفلسطينيين إلى مصر والأردن ولبنان)، فإن هذا ما يعرف بـ “تطهير عرقي”.
كان قصف العام 2021 قاسياً بشكل خاص، فالأهداف شملت مباني تؤوي مقرات الصحافة، بالإضافة إلى مخيمات اللاجئين. وقد خلّفت غارة جويّة في 15 مايو/ أيار على مخيم الشاطئ (غزة) عشرات الشهداء، وفقدت عائلة أبو حطب عشرة أفراد منها، ثمانية منهم أطفال. هذا النوع من العنف الغاشم يسم مشروع دولة الفصل العنصري الإسرائيلي لإبادة الفلسطينيين؛ والذي دعاه روجرز ووترز “الازدراء البدائي”.
بالنظر إلى الانتهاكات الواضحة للقانون الدولي والعنف غير المتكافئ للقصف الإسرائيلي، كان من المتوقع على نطاق واسع أن يدعو مجلس الأمن إلى وقف إطلاق النار. لكنّ حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلمت أعضاء المجلس الآخرين أنها لن تصوت على أي قرار من هذا النوع. وقد منعت الولايات المتحدة بمفردها إصدار بيان للمجلس حول الوضع المتفاقم؛ كما عارضت في البداية عقد جلسة مفتوحة يوم الجمعة- وفقا لمقترح النرويج وتونس والصين- والتي عقدت أخيراً يوم الأحد. لهذه الأسباب، شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الولايات المتحدة وأربعٍا وعشرين دولة أخرى على وقوفها إلى جانب إسرائيل. من بين هذه الدول، البرازيل التي دعم رئيسها جايير بولسينارو حق إسرائيل في استخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين.
هذا التصريح من بولسينارو جاء بعد أيام قليلة من العملية الأمنية ضد أهالي مدينة جاكاريزينيو في ريو دي جانيرو، التي تسببت في مجزرة راح ضحيتها 25 شخصاً. إنّ الفجوة بين جاكاريزينيو وغزة ليست سوى بالحجم، فالوحشية متطابقة.
عقد معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية في 15 مايو/أيار مع منصة لا للحرب الباردة جلسة نقاش حول “الصين والولايات المتحدة الأمريكية ومسعى البرازيل إلى سياسة خارجية مستقلة”.. تحدثت فيها الرئيسة السابقة ديلما روسيف حول الكيفية التي قاد بها حزب العمال خلال ولايتها الرئاسية (2011-2016) – وخلال إدارة الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا (2003-2011) – عملية إنشاء مؤسسات متعددة الأقطاب من قبيل مجموعة دول العشرين (G20) الموسعة سنة 2008 ومشروع بريكس سنة 2009. بالتأكيد هذه النُظم ليست مثالية، إلّا أن الغرض منها كان تشكيل منصات غير خاضعة تماماً للولايات المتحدة، لكن لم تكن أي منها قادرة على الارتقاء إلى مستوى إمكاناتها؛ “فالعلاقات غير المتكافئة” كما ذكرت روسيف “لا تماثل التعددية القطبية”.
وتواصل القوى الغربية أخذ زمام القيادة في مجموعة دول العشرين ومجموعة البريكس ضعفت بفعل التحول اليميني في البرازيل والهند. فبحسب روسيف تعاني دول البرازيل والهند ضمن مجموعة البريكس من مشاكل بفعل سياسة بولسينارو، وأوضحت في ما يخص الحاجة الإستراتيجية للعودة إلى مشروع التعددية القطبية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي: “يجب أن يكون انتعاشنا سياسيا بالضرورة”.
يتعين على البرازيل باعتبارها أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية أن تلعب دوراً رئيسياً في تشكيل المؤسسات متعددة الأقطاب وفتح المجال للقانون الدولي لرفض التقلبات الإمبريالية للولايات المتحدة وحلفائها. ولكي تضطلع البرازيل بهذا الدور يتوجب تعزيز الكتلة السياسية التي تقف في وجه بولسينارو واليمين، والعمل على تحويلها إلى ائتلاف انتخابي فائز للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2022. فقط إذا عاد اليسار إلى السلطة في قصر بلانالتو سيتسنى للبرازيل أن تلعب مرة أخرى دوراً في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب.
يبحث ملفنا لشهر مايو/أيار بعنوان ” التحديات التي تواجه اليسار البرازيلي”، الصادر عن معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي بعمق في هذا الموضوع. وقد قابل فريق ساو باولو خمسة قادة من أوساط اليسار البرازيلي من أجل فهم أوضح المشكلات والإمكانات لليسار البرازيلي، وهم: غليسي هوفمان، رئيسة حزب العمال، كيلي مافورت من المجلس الوطني لحركة العمال بدون أرض، إليدا إلينا، نائبة رئيس الاتحاد الوطني للطلاب وعضو في انتفاضة الشباب الشعبية، (Levante Popular da Juventude) جانديرا أويهارا، من المجلس التنفيذي الوطني لمركز العمال الموحدين، جوليانو ميديروس، الرئيس الوطني لحزب الاشتراكية والحرية (PSOL)، وفاليريو أركاري، عضو المجلس الوطني لحزب الاشتراكية والحرية.
يتتبع الملف عبر هذه الحوارات مع هؤلاء القادة المسار الذي اتبعه اليسار البرازيلي، ويعاين الأدوات المستخدمة لتعزيز وحدة الأقسام المنظمة من اليسار والأشخاص الذين يقفون خلف هذه الأقسام؛ كما يكشف أيضاً الجدل الدائر حول ما إذا كان يجب بناء جبهة عريضة واسعة النطاق ضد بولسينارو أو جبهة يسارية بنطاق أضيق، فضلاً عن تأثير العفو الأخير عن لولا من تهم الفساد الزائفة وأهليته المتجددة للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
تبين استطلاعات الرأي الصادرة مؤخراً أنّ لولا متقدم على بولسينارو في الجولة الأولى بنسبة 41% إلى 23%. ويهزم لولا معارضيه في سيناريو الجولة الثانية (55 % مقابل 32% لـ بولسينارو على سبيل المثال). وتقول القيادية في حركة العمال بدون أرض MST كيلي مافورت: “يمارس عامل لولا تأثيراً هائلاً على اليسار البرازيلي.. إن إلحاح الوضع الحالي يدعوه إلى الاستمرار في أن يكون رائداً في حل مشاكل البرازيل، ويساعده أيضاً في حث الناشطين على الاضطلاع بأعمال البناء القاعدي وتوسيع العمل التضامني ومواجهة [الفاشية البولسونارية] التي تتغلغل في الطبقة العاملة”.
يقتضي اجتثاث البولسونارية أن تقوم البرازيل بتسوية الحسابات مع سلوك بولسينارو الإجرامي خلال الوباء، وقد سبق أن شرعت في توجيه تهم تفيد بارتكابه جرائم ضد الإنسانية في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وباتت الدلائل واضحةً على سياسات بولسينارو في مجال الإبادة الجماعية في يونيو 2020 من قِبَل الزعيم راؤني ميتوكتيري من شعب الكايابو، الذي قال: “يريد الرئيس بولسينارو استغلال الفيروس.. هو يقول إنّ الهنود يتحتم عليهم الموت”.
وترددت أصداء النقطة التي أشارت إليها مافورت بشأن الحاجة إلى بناء قواعد الطبقات الرئيسة من قبل آخرين تمت محاورتهم من أجل الملف، حيث أكدوا أن الفوز بالانتخابات مسألة جوهرية؛ لكن من أجل ضمان مشروع جديد للبرازيل وليس فقط الفوز بالرئاسة من الضروري بناء قوة الطبقة العاملة والفلاحين. سيتخلل ملامح هذا المشروع الجديد برنامج سيناريو ما بعد الوباء في البرازيل، وأهمية وجود سياسة خارجية دولية مستقلة للبلاد.
استغلت الولايات المتحدة منذ العام الماضي مكانتها السياسية البارزة للتأثير على عدة ممالك عربية (المغرب والإمارات العربية المتحدة) للاعتراف بإسرائيل، وهو ما يعني تنحية التطلعات المشروعة للفلسطينيين جانباً. إن عملية تقويض الحقوق الفلسطينية هذه ستستمر إذا ما تركت الولايات المتحدة بلا منازع على المسرح العالمي. إن التعددية القطبية الحقيقية ستمنع الولايات المتحدة من استخدام قوتها ضد الفلسطينيين واليمنيين والصحراويين وغيرهم. تشكل هزيمة الطبقات الحاكمة في بلدان مثل البرازيل والهند ـ التي تخضع لمصالح الولايات المتحدة ـ ضرورة أساسية لتعزيز مصالح شعوب العالم من فلسطين إلى كولومبيا.
شاهد الشاعر العراقي سنان أنطون عام 2014 خلال آخر مرة قصفت فيها إسرائيل غزة بهذا المستوى من الضراوة الشديدة العائلات وهي تفرّ من بيوتها التي قصفت إلى المدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة، والتي جرى قصفها أيضاً. ومن خلال حوار بين طفل وجده (سيدو) كانا يتحدثان حول يافا (وهي الآن خاضعة للاحتلال الإسرائيلي) ويتساءلان عن حق الفلسطينيين في العودة، الذي كفله القرار 194 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 1948.
هل نحن عائدون الى يافا، سيدو؟
لا يمكننا
لماذا؟
نحن موتى
هل نحن في الجنة إذاً، سيدو.
نحن في فلسطين حبيبي
وفلسطين جنة وجحيم في ذات الآن.
ماذا سنفعل الآن؟
سننتظر
ننتظر ماذا؟
الآخرين
….
كي يعودو