مدار: 25 أيار/ مايو 2022
كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية، التي أجريت يوم الأحد 15 أيار/مايو الجاري، عن متغيرات في موازين القوى السياسية وأحجام بعض الكتل النيابية؛ وفي سابقة بارزة سجلت وصول عدد من مرشحي الحَراك الشعبي والمستقلين إلى مجلس النواب.
وبلغت نسبة الاقتراع في كل لبنان 41.04%، في وقتٍ تنافست في هذه الانتخابات التشريعية، التي تجرى كل 4 سنوات، 103 قوائم انتخابية، تضم 718 مرشحاً، موزعين على 15 دائرة انتخابية، لاختيار 128 نائباً في البرلمان.
المواطنون الذين نزلوا إلى ساحات “17 تشرين“ وما بعدها سجلوا تطوراً ملحوظاً في صناديق الاقتراع هذه المرة، ليقولوا بأصواتهم لا للمنظومة الحاكمة المتحكمة، ورغم الاعتداءات التي مورست في حقهم في مناطق معينة، وخصوصاً في الجنوب والبقاع.
وجاءت نتائج الانتخابات مخيبة لآمال جميع أطراف السلطة وأحزابها، الموالين فيها والمعارضين، إذ برهنت الأصوات الرافضة لسياسات هذه المنظومة (الإفقار والتهجير والقمع والإذلال والبلطجة والمحاصصة..)، التي أنهكت البلد والشعب معاً؛ بأن التغيير مازال ممكناً، ونجحت قوى التغيير في تسجيل نتيجة فارقة، وانتقلت من ساحات المدن إلى ساحة النجمة (المجلس النيابي).
وبلغ عدد النواب الجدد في الانتخابات النيابية الحالية 51 نائباً، من أصل 128 نائباً، كما لوحظ في هذه الدورة غياب وجوه برلمانية بارزة، منها من اعتزل سياسياً ومنها من أسقطته صناديق الاقتراع. ووفقاً للنتائج النهائية فقد أحرز حزب القوات اللبنانية 20 مقعداً في البرلمان، والتيار الوطني الحر 18 مقعداً؛ فيما حصلَ كلٌ من حركة أمل وحزب الله على 27 مقعداً (14 للحزب و15 لأمل). أما المستقلون وقُوى التغيير فأحرزُوا 14 مقعداً لناشطين برزوا في ثورة 17 تشرين/أكتوبر.
قرابة أربعة عشر وجهاً جديداً توزعوا على مختلف الدوائر الانتخابية.. ونجاح تلك الوجوه المستقلة ووجوه إضافية أخرى من قوى التغيير والمجتمع المدني خالف توقعات الماكينات الانتخابية لأحزاب السلطة، فبات لناشطين قمعوا أثناء تظاهرات “انتفاضة أكتوبر 2019” مقعد محجوز داخل البرلمان، كالفائز في دائرة الجنوب الثالثة المحامي فراس حمدان مرشح “لائحة معاً نحو التغيير”، الذي نجح في الإطاحة بمرشح لائحة “الأمل والوفاء”، للثنائي الشيعي، المصرفي مروان خير الدين، صاحب بنك الموارد، الذي ورد اسمه في وثائق “باندورا“ بتحايله على الأزمة اللبنانية واستثمار أمواله بإنشاء شركات “أوف شور” ببريطانيا، والمتهم في قضايا فساد، كالتواطؤ مع ابن حاكم مصرف لبنان في عملية تهريب أموال فاقت الـ 2.6 مليون دولار للخارج؛ وكذلك بحجز ودائع للناس بقيمة مليار و544 مليون دولار ومصادرتها، بالإضافة إلى اتهامات له بإرسال عناصر للاعتداء على الصحافي الاقتصادي محمد زبيب لإسكاته عن نشر وقائع عن السياسات الاقتصادية والنقدية الفاسدة وحقائق تدينه.
وقد تمكنت الماكينة الانتخابية للائحة قوى التغيير من إفشال محاولات السلطة في التحايل لإسقاط حمدان عبر إلغاء عدد من صناديق أصوات المغتربين (قطر وفرنسا)، وتمكن بفوزه من نقل المواجهة من قلب الشارع إلى داخل المجلس النيابي، وهو الذي أصيب إصابة حرجة على مداخله في الثامن من أغسطس/أب أثناء الدفاع عن المتظاهرين، وأخضع لعملية جراحية حرجة ومازال رصاص الخردق داخل قلبه.
كذلك شهدت دائرة الجنوب الثالثة فوزاً بارزاً للأسير المحرر المقاوم إلياس جرادة، على مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير السابق أسعد حردان، الذي خرج للمرة الأولى من البرلمان منذ التسعينيات؛ وبالتالي تمكنت قوى التغيير للمرة الأولى من خرق لائحة التحالف السياسي الاقتصادي وهزيمة الثنائي في منطقة الجنوب تحديداً.
الأكثرية…
شهدت الأكثرية النيابية تحولات لافتة في هذه الانتخابات، فرغم كافة الضغوطات التي مارسها حزب الله، وكافة وسائل الترغيب والترهيب التي اعتمدها، لم يحقق أهدافه، إذ لم يحصل هو وحلفاؤه إلّا على ستين نائباً، أي أقل من نصف المجلس بأربعة نواب، وبالتالي خسر الأكثرية النيابية وتحقيق هيمنته على حصر القرار في مجلس النواب بيده. وفي العام 2018 فاز حزب الله بـ 71 نائباً من أصل 128 مقعداً.
سقطت إذن هيمنة حزب الله على الأكثرية النيابية بسقوط أبرز الرموز السياسية المحسوبة عليه وعلى الممانعة، كالحليف السني رئيس “تيار الكرامة”، فيصل كرامي، الذي سقط في طرابلس، ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، طلال أرسلان، الدرزي الذي سيغيب عن البرلمان للمرة الأولى منذ العام 1992. كذلك خرج نائب رئيس مجلس النواب، إيلي الفرزلي، من هذه الانتخابات خاسراً في البقاع الغربي. أما الحزب السوري القومي الاجتماعي والبعث العربي فلم يأتيا بأي نائب إلى البرلمان.
وأيضاً فشل مجدداً الوزير السابق وئام وهاب في حجز مقعد له في المجلس النيابي، بعد تفوّق النائب السابق مروان حمادة عن الحزب الاشتراكي بالأصوات التفضيلية.
ومن ناحية أخرى، أخفق الرئيس فؤاد السنيورة في وراثة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وغاب بهاء الحريري، شقيق سعد، عن المشهد النيابي تمثيلاً أو دعماً لمرشحين. وللمرة الأولى تفقد منطقة جزين الجنوبية أي أثر للثنائي الشيعي، بعد أن فازت لائحة “ننتخب للتغيير” بثلاثة مقاعد لكل من النائب أسامة سعد، و عبد الرحمن البزري، عن المقعدين السنيين في صيدا، و شربل مسعد عن أحد المقعدين المارونيين في جزين.
تجدر الإشارة إلى أن الذين فازوا من قوى التغيير والمجتمع المدني هم من جميع الطوائف باستثناء الطائفة الشيعية التي يصعب خرق مقاعدها وفقاً للقانون الانتخابي، وهم عابرون للطوائف: ياسين ياسين، من لائحة “سهلنا والجبل”، في دائرة البقاع الغربي/ الياس جرادة وفراس حمدان من لائحة “معاً نحو التغيير” في دائرة الجنوب الثالثة/ ميشال دويهي من لائحة “شمالنا” في دائرة الشمال الثالثة/ رامي فنج من لائحة “انتفض للسيادة للعدالة” في دائرة الشمال الثانية /وضاح الصادق وإبراهيم منيمنة وملحم خلف من لائحة “بيروت التغيير” في دائرة بيروت الثانية/ حليمة قعقور ونجاة صليبا ومارك ضو من لائحة “توحدنا للتغيير” في دائرة جبل لبنان الرّابعة/ سينتيازرازير من لائحة “لوطني” في دائرة بيروت الأولى.
كذلك تم انتخاب النائبة بولا يعقوبيان من لائحة “لوطني” في دائرة بيروت الأولى، للمرة الثانية.
يُشار إلى أن العديد من اللبنانيين المعارضين أبدوا بعض الملاحظات على عدد من الوجوه الجديدة التي تحسب تغييرية، وكذلك على النائبة بولا يعقوبيان، إذ يعتبرون أن بعض هذه الوجوه لا تمثلهم إطلاقاً.
الولاية الجديدة..
بدأ الاستحقاق الأول للنواب المستقلين والتغييرين الجدد مع ولادة المجلس النيابي الجديد، بدءاً من أمس الإثنين 23 الجاري بفعل انتهاء ولاية برلمان 2018 يوم السبت 21 أيار/مايو، وأول استحقاق هو انتخاب رئيس المجلس النيابي، وكذلك انتخاب نائب الرئيس وسائر أعضاء هيئة المكتب. وتشهد هذه الفترة حركة مشاورات عاجلة بين الكتل النيابية الجديدة لتحديد الوجهة التي سيسلكها هذا الاستحقاق، سواء بالنسبة إلى رئاسة البرلمان أو إلى نائب الرئيس الأرثوذكسي. ويحاول فرقاء السلطة بخطاباتهم (حزب الله/القوات اللبنانية/التيار الوطني الحر/ حركة أمل..) دعوة النواب التغيريين إلى الانضمام إلى كتلهم النيابية.
أما الاستحقاق التالي فهو تأليف الحكومة الجديدة، إذ بعد انتخاب برلمان جديد تعتبر الحكومة القائمة مستقيلة وتصريف أعمال حتماً مع بدء ولاية المجلس النيابي الجديد؛ ثم تليه دعوة رئيس الجمهورية إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية تأليف حكومة ما بعد الانتخابات، والتي أمامها ملفات كبرى أهمها تنفيذ اتفاق الإطار مع البنك الدولي وخطة التعافي الاقتصادي. ثم تأتي بعد تلك المحطات الانتخابات الرئاسية.
رئاسة المجلس..
انتهت ولاية مجلس النواب الحالي، وأيضاً توقفت الحكومة الميقاتية عن “مهمتها الإنقاذية” المزعومة لتتحول إلى مجرد حكومة لتصريف الأعمال!.
وبعد انتهاء ولاية مجلس النواب السابق، أعيد الجدال حول عصر رئيس مجلس النواب نبيه بري السابع، الذي سيصرف مهلة أسبوعين لانعقاد المجلس المنتخب، قبل أن يدعو في اليومين الأخيرين إلى جلسة عامة لانتخابه رئيساً.
وأنهت كتلة “التحرير والتنمية” الجدل القائم حول ترشيحات مغايرة، وسمت بري للمنصب الذي سيربح بالتزكية ومن دون منافسين، إذ قال النائب المنتخب قبلان قبلان في تصريح صحافي: “إذا بري ليس مرشحاً فنحن لسنا نواباً”.
8 نساء في برلمان 2022
مازال حضور النساء في المشهد السياسي خجولاً في لبنان، ولاسيما في البرلمان، فقد بلغت نسبة التمثيل النسائي 6.25% في البرلمان الجديد، إذ تمكنت 8 نساء فقط من أصل 128 مقعداً من الوصول إلى المجلس النيابي، وهنّ: بولا يعقوبيان، حليمة قعقور، نجاة عون، غادة أيوب، عناية عز الدين، ندى البستاني، سينتيازرازير وستريدا جعجع.
بينما سجّلت الانتخابات اللبنانية النيابية لعام 2018 فوز 6 نساء فقط من أصل 86 مرشّحة، أي نسبة 4.68% من مجمل التمثيل البرلماني؛ وفي المقابل حصلن على 4 مقاعد في البرلمان اللبناني الأسبق.
وبلغ عدد النساء المرشحات في انتخابات العام 2018 111 مرشحة انخرطت 86 منهن في لوائح. أما في هذه الدورة فوصل عدد المرشحات إلى 157 امرأة فقط من أصل 1043 مرشحاً، انخرطت 118 منهن في 64 لائحة انتخابية من بين اللوائح الـ 103 المتنافسة.
“الشيوعي اللبناني”..
خاض الحزب الشيوعي اللبناني الانتخابات النيابية ساعياً إلى تشكيل أكبر تحالف لقوى التغيير على المستوى الوطني، فقد قدم مرشحين ودعم مرشحين ولوائح تغييرية في 11 دائرة انتخابية من أصل 15 دائرة على المستوى الوطني.
ونال المرشحون الذين دعمهم الحزب 49.711 صوتاً تفضيلياً من بينها 22.276 صوتاً تفضيلياً للمرشحين الشيوعيين أو الأصدقاء الذين تبنى ترشيحهم الحزب في 5 دوائر، و27.435 صوتاً تفضيلياً للمستقلين الذين دعمهم الحزب في 6 دوائر.
كما نالت اللوائح التي دعمها الحزب 175.916 صوتاً من بينها 86.650 صوتاً للوائح التي شارك فيها مرشحون حزبيون أو أصدقاء يتبناهم الحزب و89.269 صوتاً للوائح دعمها الحزب اقتراعاً من خلال مرشحين مستقلين فيها.
مخالفات واعتداءات..
أكّدت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في لبنان في بيان أولي أن الانتخابات النيابية “طغت عليها ممارسات واسعة النطاق لشراء الأصوات والمحسوبية والفساد، ما شوه تكافؤ الفرص وأثر بشكل خطير على اختيار الناخبين”. كذلك اتسمت الحملة الانتخابية بالحيوية، و”شابتها حالات مختلفة من الترهيب، بما في ذلك أمام مراكز الاقتراع وداخلها وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، كما سجلت حالات عرقلة مختلفة طالت الحملات الانتخابية”.
بدوره أكّد جيورجي هولفين، كبير المراقبين في البعثة، خلال مؤتمر صحافي، أن “هناك حوادث عنف حدثت في جميع مراكز الاقتراع”، مضيفاً أنه كانت “هناك مشكلة أخرى وكبيرة تتعلق بشراء أصوات الناخبين”.
وبيّن التقرير أن “الإطار القانوني لتمويل الحملات الانتخابية شابته نواقص جسيمة من ناحية الشفافية والمحاسبة”. وتخلفت وسائل الإعلام عن ضمان المساواة في ظهور المرشحين وتوفير التغطية المتوازنة، ولو كان هناك احترام لحرية التعبير عموماً.
جدار العار..
أعطى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، توجيهاته برفع الإجراءات وتخفيف التدابير التي كانت متّخذة سابقاً حول المجلس النيابي قبل انعقاد الجلسة النيابيّة المقبلة، متجاهلاً أن الأصوات التي تجرأت على كسر هيمنة أحزاب السلطة، ولاسيما الثنائي الشيعي، وأوصلت عددا من النواب التغييرين إلى البرلمان، هي التي كسرت جدار الهيمنة والتسلط وأسقطت ما سمي “جدار العار” والأسلاك الشائكة وغيرها من الإجراءات التي وضعتها هذه المنظومة، كالمتاريس أمام المتظاهرين الذين أصيبوا برصاص وهراوات وحجارة حرس المجلس والقوى الأمنية، وفقد عدداً منهم أعينهم…
وكان النائب المُنتخب عن لائحة “معاً نحو التغيير”، إلياس جرادة، طالب في تغريدة له عبر “تويتر”، في وقتٍ سابقٍ يوم أمس، بـ “إزالة جميع السواتر والحواجز التي تعيق/ تمنع دخول الناس إلى ساحة النجمة قبل دعوة النواب إلى أيّ جلسة”، واصفاً المجلس النيابي بأنّه “بيت الشعب، ولا أسوار تعلو بين نواب الأمة والمواطنين”.