مدار + مواقع: 03 آذار/ مارس 2022
في وقت توجهت أنظار العالم بين ليلة وضحاها إلى شرق القارة الأوروبية، ترك الشعب الأفغاني منذ مدة في مواجهة الوضع القاسي المتمثل في فشل الدولة، واتجاه البلاد نحو كارثة إنسانية على جميع المستويات.
كان من الواضح منذ سنوات طوال أن مآل وضع الولايات المتحدة في أفغانستان هو خسارتها الحرب الدائرة هناك، لكن الأمر الذي لم يتم أخذه بالحسبان هو ماذا بعد خروجها؟ وكيف سيتم تسيير البلاد؟.
مباشرة بعد الانسحاب العسكري من أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة الصيف الماضي، استحوذ الخبر على الاهتمام العالمي، لكن كل ذلك تلاشى بشكل سريع، على الرغم من أن المعاناة لم تزد سوى استفحالا بعد قطع الدعم الاقتصادي وتجميد الأموال.
لقد أصبحت الأزمة في يناير/ كانون الثاني الماضي خطيرة، وهي في تدهور مستمر، إلى درجة اضطرت الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى وصف أحد المشاهد التي وصلت إليها البلاد قائلا: “بيع الأطفال لإطعام الأشقاء وتجمد المرافق الصحية بسبب البرد القارس، فيما اجتاحتها حشود من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، بالإضافة إلى حرق الممتلكات للحفاظ على الدفء”.
هذا وحذر الأمين العام للأمم المتحدة من أنه بدون جهد كامل من قبل المجتمع الدولي “يمكن أن يواجه كل رجل وامرأة وطفل تقريبا في أفغانستان فقرا مدقعا”.
وكانت الأمم المتحدة حذرت من أن سكان البلاد البالغ تعدادهم حوالي 40 مليون نسمة يواجهون نقصا كبيرا في الغذاء يهدد حياتهم، كما قدرت أن 97% سيعيشون عما قريب تحت خط الفقر الدولي (1.90 دولار أمريكي).
وفي مقابل هذا الوضع تم تقديم طلب اعتبره الكثيرون متواضعا، وهو أن تتلقى أفغانستان 5 مليارات دولار كمساعدة، كما حث الأمين العام للأمم المتحدة على الإفراج عن التمويل الدولي لدفع رواتب موظفي القطاع العام، والمساعدة في توزيع الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الحيوية الأخرى.
ومن المؤكد أن المجتمع الدولي، أو جزء منه على الأقل، لا يبدي أي اهتمام، لاسيما أن العقوبات مازالت هي الدعامة الأساسية لمعاملة أفغانستان، وهي الطريقة التي ينظر بها الكثير من قادة الدول الغربية، بشكل مماثل لوزارة التجارة والشؤون الخارجية الأسترالية، التي قالت إن العقوبات تأتي من أجل “تعزيز السلام والاستقرار والأمن في أفغانستان”.
كل هذا كان واضحا، خصوصا أنه في ظل النظام الأفغاني السابق كانت ميزانية الدولة قائمة في 75% منها على المساعدات الدولية، كما أن الناتج الإجمالي المحلي كان مشكلا من 40% من المساعدات الخارجية، ما جعل الانسحاب يتسبب في أزمة إنسانية حادة.
دور العقوبات في تأزيم الوضع
في حوار أجراه المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان، سهيل شاهين، لشبكة سكاي نيوز، في 7 فبراير/ شباط 2022، قال: “إن الوضع الحالي في البلاد محفوف بالمخاطر، وقد يؤدي إلى المجاعة والمرض بين الأطفال في أفغانستان”، مضيفا: “إن هذا الوضع ليس نتيجة لأنشطتنا (طالبان)، بل ناجم عن العقوبات المفروضة على أفغانستان”.
وفي ما يخص العقوبات فإنها نقطة واقعة، فقد جمدت الحكومة الأمريكية في وقت سابق من هذا الشهر 9.5 مليارات دولار يحتفظ بها البنك المركزي الأفغاني في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، بأمر رئاسي من جو بايدن.
بالإضافة إلى ذلك، ونتيجة للدعوى القضائية المرفوعة ضد قائمة الإرهاب، بما يشمل طالبان، من قبل عائلات ضحايا الحادي عشر من شتنبر/ أيلول، فقد قضت المحكمة الأمريكية بدفع تعويضات للمدعين تصل إلى 7 مليارات دولار. وبما أن طالبان أصبحت هي الماسكة بزمام الأمور فإن إدارة بايدن ماضية نحو تمهيد مسار قانوني من أجل المطالبة بـ3.5 مليارات دولار المودعة في الاحتياطي الأمريكي.
وهو الأمر الذي حذا حذوه الاتحاد الأوروبي من خلال قطع 1.4 مليار دولار من المساعدات الحكومية ومساعدات التنمية لأفغانستان، التي كان من المفترض أن يتم دفعها بين عامي 2021 و2025، وهو الأمر الذي ساهم في اضطراب في المرافق الصحية، بحيث تم إغلاق 2000 مرفق صحي على الأقل كانت توفر خدماتها لحوالي 30 مليون نسمة من أصل 40 مليونا، تعداد سكان البلاد؛ ما يعني أن معظم السكان فقدوا إمكانية الحصول على الرعاية الصحية بسبب هذه القرارات.
والأمر الذي يجعل هذه العقوبات ذات تأثيرات كارثية أنه خلال فترة احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان طيلة 20 عاما كانت وزارة الصحة العامة تعتمد بشكل كلي على مزيج من أموال المانحين ومساعدات المنظمات غير الحكومية، وبسبب هذه الأموال شهدت وفيات الرضع أثناء الوضع انخفاضا كبيرا حسب الإحصائيات.
ورغم كل ذلك كان نظام الرعاية الصحية يعاني من قصور كبير، بالأخص في المناطق البعيدة عن كابول. ولطالما كان المطلعون على الوضع الصحي في الفترة التي واكبت الحرب الدائرة يحذرون من أن الصراع أثر “بشكل كبير على خدمات صحة الأم والطفل”.. كل هذا لم يزد سوى سوءا مع سياسة العقوبات التي تستهدف في المقام الأول الشعب الأفغاني.