فلتذهب “شل” إلى الجحيم

مشاركة المقال

نيو فرايم/ مدار: 01 كانون الأول/ ديسمبر 2021

شهد إعلان الشركة متعددة الجنسيات “شل” بدءها التنقيب عن النفط في المحيط، قبالة الساحل البري بجنوب إفريقيا، موجة من الغضب كرد على هذه الخطوة.

ولطالما كان هوس الربح هو الدافع الذي يحرك أي شركة، لكن ومن بين عديد الشركات العابرة للقارات تعتبر شركة Royal Dutch Shell (شل) ذات سجل حافل بالممارسات الخطيرة.

وتعتبر “شل” من بين الشركات المسؤولة عن الانبعاثات الضارة، التي تتسبب في تسريع أزمة المناخ أكثر في معظم البلدان؛ ورغم التأثيرات المدمرة التي تقف وراءها، إلا أنها بقيت بعيدة عن الالتزام بأي من الاتفاقيات الخاصة بالمناخ. لكن في مايو/ أيار من هذا العام، غيرت محكمة هولندية ذلك وأجبرت الشركة على خفض انبعاثاتها بنسبة 45% عن مستويات عام 2019 مع حلول عام 2030، كما قضت بأنها تشكل تهديدا للحق في الحياة.

وكانت “شل” منذ العام 1988 على علم بأن نموذجها القائم على الربح يمثل تهديدا مباشرا للبشرية في مختلف أنحاء الكوكب. وفي العام نفسه (أي 1988) إذ كان الاحتباس الحراري لا يمثل قضية ذات أولوية، قامت الشركة ببحث داخلي في العواقب العالمية لانبعاثات الكربون، خلص إلى أنه بحلول عام 2030 ستتضاعف مستويات ثاني أكسيد الكربون، ما سيؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بدرجتين مئويتين وارتفاع أيضا في مستوى سطح البحر بما لا يقل عن متر واحد.

 هذا وأشار البحث ذاته إلى أن ارتفاع درجة الحرارة يمكن أن يؤدي إلى تفكك الغطاء الجليدي في غرب أنتاركتيكا، ما سيتسبب في ارتفاع في سطح البحر يتراوح بين 5 و6 أمتار، وهو ما سينتج عنه غمر كامل للبلدان المنخفضة.

ورغم معرفتها بكل ذلك، استمرت “شل” في تسميم الكوكب، لاسيما أنها خططت عام 2020 لزيادة إنتاج النفط والغاز بنسبة 38% بحلول 2030.

الموت يحوم حول الدلتا

تعتبر “شل” الشركة الأكثر تسببا في تدمير جزء كبير من دلتا النيجر، هذه المنطقة التي تعتبر في الوقت الحالي من أكثر الأماكن تلوثا على هذا الكوكب.

وتقوم الشركة بالتنقيب في دلتا نيجيريا، موطن شعب أغوني، منذ عام 1958، كما شهدت المنطقة تاريخا طويلا من معارضة الدمار الذي ألحقته “شل” بالمنطقة؛ إذ اتهمها قادة أوغوني عام 1970 بأنها تشكل “تهديدا خطيرا لرفاهية وحتى حياة شعبهم”. ومنذ ذلك الحين وشعوب المنطقة تناضل ضد تواجد “شل”، وفي كل مرة تقابل بقمع رهيب. ولعل أبرز مثال على ذلك ما حدث  عام 1987؛ ففي أعقاب مظاهرة سلمية ضد الشركة، أدى هجوم شنته قوات الشرطة المتنقلة (MOPOL) سيئة السمعة، المعروفة لدى العامة بـ”اقتل وانطلق”، إلى تشريد وترحيل أزيد من 350 شخصا.

ووصلت الأمور إلى ذروتها في التسعينيات، بعد أن قوبلت الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة بقمع شرس. وفي عام 1990، طلبت الشركة تدخل شرطة “مو بول” ردا على احتجاجات ضدها، الأمر الذي أدى إلى مقتل حوالي 80 متظاهرا سلميا، وتدمير وإلحاق أضرار بما يزيد عن 496 منزلا.

في العام نفسه، كان الكاتب كين سارو ويوا، وهو قائد حركة “بقاء شعب أوغوني” (MOSOP)، أعرب في مداخلة تلفزيونية في المملكة المتحدة عما يلي: “لقد دمرت بلاد الأوغوني تماما من خلال البحث عن النفط … تصاحب هذه عمليات تسربات وبقع زيت وتلوث في مختلف المجالات… ما كانت تتم الاستعانة به كي يكون سلة خبز شعبنا أصبح الآن غير موجود، الدلتا الآن عقيمة تماما، فكل ما يراه المرء ويشعر به هو الموت. لقد كان التدهور البيئي سلاحا فتاكا في الحرب ضد شعب الأوغوني الأصلي”.

وعقب هذا التصريح، وبعد نضاله إلى جانب شعب أوغوني، تم سجن سارو ويوا لعدة أشهر عام 1992. وفي يناير من العام الموالي (1993)، حشدت MOSOP حوالي 300 ألف شخص، قيل إنهم يمثلون ربع سكان أوغوني، للاحتجاج ضد “شل”، فكان رد الدولة النيجيرية، التي كانت آنذاك دكتاتورية عسكرية تحت قيادة ساني أباتشا، أن قامت باحتلال عسكري للمنطقة.

تم بعد ذلك، وبالضبط في مايو/ أيار 1994، القبض على سارو ويوا بتهم ملفقة، وتعرض للتعذيب بشكل متكرر كجزء من حملة قمع واسعة استهدفت المعارضين في المنطقة، قادها بول أوكونتيمو، الذي أصبح في ما بعد قياديا رفيعا في الجيش. وورد في ما بعد تصريح لأوكونتيمو قال فيه إنه “كان يفعل كل شيء من أجل “شل”… لكنه لم يكن سعيدا لأنه في المرة الأخيرة التي طلب فيها من “شل” أن تدفع لرجاله بدلاتهم الخارجية، قوبل طلبه بالرفض، وهو الأمر الذي لم يكن بالمعتاد”.

بحلول شهر يونيو/ تموز، أجبرت شركة “شل” على الخروج من الدلتا بسبب انتفاضة سلمية واسعة، خصوصا أن سمعتها الدولية كانت في أزمة بعد المزاعم المتكررة التي تحدثت عن تواطئها مع الجيش في انتهاكات مختلفة، بما في ذلك المذابح التي شهدتها المنطقة. وأعدم سارو ويوا وثمانية آخرون في نوفمبر/ تشرين الثاني 1995، وصاحب ذلك غضب عالمي، بحيث قام نشطاء في أوروبا والعديد من البلدان بإلقاء قنابل حارقة على محطات الوقود، بما في ذلك جنوب إفريقيا، حيث كانت هناك مقاطعة لمحطات “شل” ومطالب بسحب الاستثمار فيها.

ونفت الشركة في البداية أن تكون لها يد في إعدام الأفراد التسعة من أوغوني، لكن عشية المحاكمة التي كان مقررا إجراؤها في نيويورك عام 2009 وافقت “شل” على دفع تسوية قدرها 15.5 مليون دولار استجابة للإجراءات قانونية. ومن ضمن التهم التي تم توجيهها للشركة: التآمر مع الدولة النيجيرية للقبض على الرجال التسع وشنقهم، والتعاون مع الجيش للقبض على المتظاهرين الآخرين وتعذيبهم وقتلهم. وكانت كارالولو كوجبارا من ضمن المدعين الذين حضروا المحاكمة، وهي التي فقدت ذراعها عام 1993 بعد أن أصيبت برصاصة خلال احتجاج على هدم قريتها بالجرافات لتمهيد الطريق أمام خط أنابيب “شل”.

من الأمور التي قام المدعون بذكرها، قيام الشركة بتزويد الجيش النيجيري بزوارق دورية ومركبات وذخيرة، والمشاركة في التخطيط للعمليات العسكرية، بما في ذلك غارات على القرى.

واستمر سلوك “شل” في نيجيريا في إثارة قلق عميق، لاسيما أنه عام 2010، أظهرت برقية دبلوماسية للولايات المتحدة نشرها موقع “ويكيليكس” أن مسؤولا تنفيذيا كبيرا في الشركة أخبر الدبلوماسيين الأمريكيين بأنها أعارت موظفين إلى إدارات حكومية رئيسية، وكان يعرف “كل ما يتم القيام به في تلك الوزارات”. وأظهرت التسريبات أيضا أن “شل” والدولة الأمريكية تبادلتا المعلومات الاستخباراتية، وأن الشركة اطلعت على قائمة بالأشخاص الذين تعتقد أنهم يدعمون المسلحين الذين ينظمون أعمال تخريب ضدها في حقول النفط النيجيرية.

ولم تتوقف طيلة السنوات الماضية الإجراءات القانونية ضد “شل”، ففي عام 2015، وسعيا من الشركة لتفادي النظر في قضية في محكمة لندن العليا، وافقت على دفع 55 مليون جنيه إسترليني إلى 1600 شخص في بودو، وهي قرية في ولاية ريفرز، كتعويض عن تسرب للنفط عامي 2008 و2009، دمر مجتمعهم.

وفي يناير/ كانون الثاني من هذا العام، أمرت محكمة هولندية “شل” بدفع تعويضات، سيتم تحديدها في وقت لاحق، للمزارعين النيجيريين عن التسربات النفطية عامي 2004 و2005. وفي غشت/ آب، وافقت الشركة على دفع 111 مليون دولار لمجتمع إيجاما-إيبوبو في الدلتا، كتعويض عن تسرب عام 1970 قيل إنه حول المطر إلى اللون الأسود. وكانت محكمة نيجيرية قد أمرت “شل” في البداية بدفع تعويضات عام 2010، لكنها قضت سنوات في محاولة استئناف الحكم قبل أن ينفد الطريق القضائي في النهاية.

سلب وتدمير القطب الشمالي

أضافت “شل” في السنوات الأخيرة سطرا جديدا في سمعتها العالمية من خلال التنقيب في القطب الشمالي، حيث دشنت البحث عن النفط في الثمانينيات، لكنها بدأت مشروعا كبيرًا عام 2008. وكانت هناك معارضة فورية وواسعة النطاق، وعام 2010، بعد التسرب النفطي الهائل في خليج المكسيك، فرضت حكومة باراك أوباما وقفا مؤقتا للتنقيب في عرض البحر، لكن “شل” عادت للحفر في منتصف عام 2012. وبعد سلسلة من الحوادث، بما في ذلك حادثة جنحت فيها إحدى سفنها، منعت الشركة من الحفر العميق، لكن وبعد تمكنها من العودة إلى الحفر في وقت لاحق من العام، اشتعلت النيران في سفينة وجنحت الحفارة.

وفي عام 2015، وبعد إنفاق الشركة ما يزيد عن 7 مليارات دولار، ألغت عمليات الحفر في القطب الشمالي في مواجهة ضغوط جماهيرية هائلة – بما في ذلك الإغلاق القسري لـ 53 محطة وقود في لندن وإدنبرة من قبل النشطاء عام 2012. وقالت منظمة السلام الأخضر (Greenpeace): “تكبدت شركة النفط العملاقة هزيمة لا هوادة فيها، لقد كانت لديها ميزانية بالمليارات، وكان لدينا حركة بالملايين، واجهناها لمدة ثلاث سنوات، وانتصر الشعب في النهاية”. لكن عام 2020، أعلنت “شل” أنها تقدمت بطلب لاستئناف الحفر في القطب الشمالي عام 2023.

كذب

الآن بعد أن وضعت “شل” عينها على وايلد كوست (جنوب إفريقيا)، فإن مواطني جنوب إفريقيا لديهم كل الأسباب للقلق والغضب.

قال بام نتاكا، دكتور التدوير في الشركة، إن “شل” أجرت “عملية تشاور كاملة مع أصحاب المصلحة، وستولي اهتماما كبيرا لمنع أو تقليل التأثيرات على الأسماك والثدييات البحرية والحياة البرية الأخرى”.

لكن شركة “شل” ليست منظمة ذات سجل يعرف معنى للأمانة، بل على العكس من ذلك، لديها سجل مليء بالافتراء والكذب. كذبت الشركة بشأن حجم احتياطياتها النفطية عام 2004 واضطرت لدفع ما مجموعه 150 مليون دولار كغرامات لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية وهيئة الخدمات المالية في المملكة المتحدة؛ كما أنه بعد رفع دعوى قضائية ضدها، كان عليها دفع 450 مليون دولار أخرى للمساهمين.

وتشتهر شركة “شل” أيضا بالغسيل الأخضر (إيهام الناس بأنها تراعي البيئة في وقت تقوم بالعكس). وعام 2008، قضت هيئة معايير الإعلان في المملكة المتحدة بأن الشركة ضللت الجمهور في إعلان عندما زعمت أن مشروعا بقيمة 10 مليارات دولار لرمال النفط في كندا كان “مصدرا مستداما للطاقة”.

في ديربان، دعا الناشط البيئي على مستوى القاعدة الشعبية Des D’Sa الذي يحظى باحترام كبير، إلى مقاطعة شيل، وطالب الشركة بإغلاق المحل ومغادرة جنوب إفريقيا.

المقاطعة فكرة ممتازة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة