نيوز كليك/ مدار: 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2021
بقلم: إم كاي بهادراكومار*
قامت واشنطن بضبط وحصر الإمكانات المتمخضة عن الوضع الناشئ من أجل التخطيط للعودة من جديد إلى الواجهة عبر استغلال المأزق الحالي في أفغانستان.
عبر وزارة خارجيتها في وقت متأخر من ليلة 8 أكتوبر/ تشرين الأول، اعترفت الولايات المتحدة بأن أول اجتماع سيجمع بين المسؤولين الأمريكان ونظرائهم في طالبان وجها لوجه، منذ تغيير النظام في كابول، حددت له نهاية الأسبوع الماضي في الدوحة.
وكنتيجة لهذا التطور ظهرت العديد من التأويلات، لاسيما أن وزير الخارجية أنتوني بلينكين كان قد هدد بأن واشنطن ستجعل طالبان “منبوذة”، لكن العكس تماما هو الحاصل.
لدى الولايات المتحدة القدرة على إحداث تغييرات جذرية على السياسات، لكن الطريقة التي يتم التعامل بها مع الوضع الحالي تكشف يوما بعد يوم مدى جديتها في إيجاد حل.
في تطور جديد، تم استبعاد الممثل الأمريكي الخاص السابق بشأن أفغانستان، زلماي خليل زاد، وبدلا من ذلك تمت الاستعانة بنائبه توم ويست ليقود الفريق. ويتمتع ويست بخبرة كبيرة في سياسات جنوب آسيا (بما في ذلك الهند)، كما أنه عمل في مجلس الأمن القومي وعمل كمستشار لنائب الرئيس آنذاك جوزيف بايدن.
ولعل أبرز ما يميز سيرة ويست أنه كان من بين الحرس القديم في كارنيجي عندما كان يشغل مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز رئاسة مركز الفكر. انطلاقا من ذلك يتبين أن وكالة المخابرات المركزية وبحكم الواقع هي التي تتولى المفاوضات مع طالبان، وهذه علامة بارزة على خارطة طريق إدارة بايدن.
إن الهدف الرئيسي الذي كانت تحوم حوله عملية الدوحة، إذا ما استحضرنا الماضي، هو تحقيق هدف أسمى بالنسبة للإدارة الأمريكية، ألا وهو قبول طالبان بوجود مفتوح للاستخبارات الأمريكية في أفغانستان. وفي مقابل ذلك عرضت إدارة ترامب استبدال أشرف غاني بحكومة مؤقتة بقيادة طالبان. لكن لطالما كانت الصفقات السرية والحساسة تحوي فجوات بين الكأس والشفة.
وهذا ما حدث، لكن أشرف غاني رفض ذلك (بدعم من الهند). لم تستطع الولايات المتحدة الوفاء بالتزاماتها بشأن إطلاق سراح آلاف سجناء طالبان، وفي المقابل رفضت الحركة وقف إطلاق النار؛ ونتيجة لذلك وفي النهاية فقد بايدن صبره وقام بسحب القوات وإعلان نهاية “الحرب الأبدية”، والباقي تعرفونه.
تقوم الآن الولايات المتحدة باختيار المواضيع بدقة. وبمحض الصدفة، تم تنظيف سطح السفينة، فقد انهار نظام غاني بكل بساطة في حين سيطرت طالبان على كابول من دون إطلاق رصاصة، وبذلك انتهى الاحتلال الأجنبي لأفغانستان وظهرت بالفعل حكومة مؤقتة.
لقد تبددت في الواقع تنبؤات “يوم القيامة” حول “المقاومة” و”الحرب الأهلية”، وأصبح نظام طالبان حقيقة واقعة.
لكن هناك في الواقع مشكلتان، الأولى متعلقة بأن طالبان تفتقر للمهارة والكوادر القادرة على إدارة الحكومة والثانية ألا وهي أن الخزينة لا توجد فيها أموال. لقد قامت الولايات المتحدة بضبط وحصر الإمكانات المتمخضة عن الوضع الناشئ من أجل التخطيط للعودة من جديد إلى الواجهة عبر استغلال المأزق الحالي – استفراد طالبان “بالسيطرة” على البلاد والحكم مع افتقارها إلى الشرعية.
نكتشف يوما بعد يوم أن شيطنة طالبان التي كانت تتم طوال الوقت عبر منهجية مضبوطة، كانت في الواقع ضمن محاور براغماتية محددة. ويبرز ذلك عبر الصورة الرمزية الأخيرة التي حدثت الأسبوع الماضي من خلال قيام طالبان بحماية موقع تماثيل باميان من مزيد من التخريب، في انتظار استئناف عمل علماء الآثار الفرنسيين لترميم التراث الثقافي!.
لدى المؤسسة الأمنية الأمريكية تقييم واضح ومحدد لنقاط القوة والضعف لدى قيادة طالبان – بما في ذلك أو بشكل خاص شبكة حقاني. بينت زيارة بيرنز غير المعلنة إلى كابول في غشت/ آب للقاء الملا برادار على خلفية الوضع الفوضوي في كابول أن هناك ثقة كاملة في داخل لانغلي بأن الصفقة مع طالبان كانت مطروحة وممكنة في كل الأوقات.
ومن هذا المنطلق، فإنه وبعد فترة “تهدئة” دنيا – ستة أسابيع بالضبط – عادت الولايات المتحدة إلى العمل، لكن هذه المرة سيناط لوكالة المخابرات المركزية دور “عملي”، أخذا بعين الاعتبار الهواجس المتعلقة بدور خليل زاد (المعين من قبل ترامب).
عملت إدارة بايدن في الأسابيع القليلة الأخيرة على توفير حزمة مالية ضخمة تهدف إلى ضخ الأموال في الاقتصاد الأفغاني ودعمه لتجنب الانهيار. في الواقع، تقدم واشنطن شريان حياة حيوي لطالبان.
وهناك أيضا نقطة مهمة تتجلى في أن كلا من روسيا والصين بخيلتان – وإيران مفلسة – وليس لدى أي منهما الإرادة السياسية أو القدرة على تمويل الاقتصاد الأفغاني، وهو الأمر الذي تستطيع الولايات المتحدة وحدها القيام به. تدرك طالبان جيدا أن عودة مؤسسات التمويل الدولية والأمم المتحدة ضرورة ملحة في الوقت الراهن، وأن واشنطن هي المفتاح لذلك، وانطلاقا من هذا المعطى فإن احتمال نجاح الإستراتيجية الأمريكية المجددة هو أمر واقع.
العامل الإضافي المهم أيضا هو أن باكستان تدعو بشكل متكرر وحماسي إلى إعادة انخراط الولايات المتحدة مع طالبان. من المؤكد أن التعديل الأخير في المخابرات الباكستانية (ISI) سيعزز بشكل كبير الفصيل “المعتدل” داخل طالبان.
وشهد الاجتماع الخاص لمجلس الأمن القومي، الذي عقده رئيس الوزراء عمران خان يوم الجمعة في إسلام أباد، استعراض إعادة الانخراط وعودة التنسيق العميق بين الولايات المتحدة وطالبان، وأنشأ هيئة خاصة لتنسيق الأمور المتعلقة بأفغانستان في الفترة المقبلة.
وقال البيان الصادر عن اجتماع مجلس الأمن القومي إن عمران خان “أمر بإنشاء خلية مخصصة لتضافر وتوحيد مختلف تيارات الفاعلة بشأن أفغانستان من خلال الحكومة، بما في ذلك التنسيق الدولي للمساعدات الإنسانية والإدارة الفعالة للحدود لمنع أي تداعيات سلبية على باكستان”.
لأول مرة ومنذ زمن طويل، في الأربعين سنة الماضية، ربما يتم إدخال نهج “كل الحكومة”، ما سيزيد من تعزيز الدور القيادي لعمران خان.
وقد مورست على مدار الأسابيع الأخيرة ضغوط شديدة على المستوى الشخصي على عمران خان في علاقته بالمجتمع الدولي – واشنطن على وجه الخصوص – لإقناعه بالانخراط مع نظام طالبان ومنحه الاعتراف، واستئناف المساعدة الإنمائية حتى تتحسن وتتوطد احتمالات بقاء النظام الجديد؛ وقوبل إصراره على تحقيق المبتغى بالتهليل، في حين أن قضية الاعتراف تعتمد على تلبية طالبان للمطالب الأمريكية الأوسع، بينما تستعد واشنطن بالفعل لتقديم المساعدة لتجنب أزمة إنسانية في أفغانستان.
من المؤكد أن عمران خان سيقوم بدعم محادثات الدوحة التي تمت في الأسبوع الماضي. وأشاد اجتماع مجلس الأمن القومي بأنه “تم أيضا تسليط الضوء على أهمية التنسيق الدولي بشأن المشاركة السياسية والاقتصادية البناءة مع الحكومة المؤقتة في أفغانستان”.
جدير بالذكر أن سارة تشارلز، المخضرمة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (عضو سابق في مجلس الأمن القومي من 2013 إلى 2017) ولديها مجموعة من الخبرات في قضايا اللاجئين والتخفيف من حدة الفقر وأهداف التنمية المستدامة، وكان لها دور في بنوك التنمية متعددة الأطراف وما إلى ذلك، وجزء من فريق التفاوض مع وزراء طالبان في الدوحة في نهاية الأسبوع الماضي.
في حين سيترأس وفد طالبان بالوكالة وزير الخارجية متقي أمير خان متقي، ويضم أيضا عضو مجلس الشورى ووزير الإعلام والثقافة خير الله خيرخوا، ومدير عام المخابرات الملا عبد الحق الواسع، ونائب وزير الداخلية (نائب سراج الدين حقاني) ملولاوي نور جلال، وقائد كبير في فريق التفاوض ومقره الدوحة شاب الدين ديلاوار، والقائم بأعمال محافظ البنك المركزي الأفغاني الحاج محمد إدريس.
من خلال اللائحة المشكلة للوافدين، يمكن توقع محادثات جوهرية لتمهيد الطريق لمشاركة أمريكية شاملة مع سلطات طالبان في كابول. لقد تم الوصول إلى نقطة انعطاف إستراتيجية بالتأكيد.
* ديبلوماسي سابق وكاتب هندي.
** العنوان الأصلي للمقال: طالبان تعود إلى الكرسي الأمريكي المتأرجح.