مدار + مواقع: 08 تموز/ يوليو 2021
شهدت الأعوام القليلة الماضية تطورا كبيرا في اتجاه المستثمرين الإسرائيليين نحو السوق الإفريقي، وهو الاتجاه الذي كرسه الرؤساء المتعاقبون من خلال الزيارات المكررة إلى مختلف الدول الإفريقية من أجل تعزيز تمثيلية الكيان فيها.
وأصدرت منظمة “الكونغو ليست للبيع” في الأيام القليلة الماضية وثيقة تناولت فيها قضية المستثمر الإسرائيلي دان جيرتلر، الذي ينشط في مجال التنقيب عن المعادن في البلاد، خصوصا الماس.
وحسب الوثيقة ذاتها فقد أبرزت “الكونغو ليست للبيع” أن دان جيرتلر يواصل الاستفادة من مختلف الأصول في الكونغو، وبالأخص في ميدان التعدين؛ وهو الأمر الذي تسبب في خسارة الدولة الكونغولية أكبر من ملياري دولار.
وفي هذا الإطار تسعى “الكونغو ليست للبيع” إلى الضغط على الحكومة الكونغولية من أجل اتخاذ قرارات تهدف إلى إنهاء عقود التعدين المختلفة التي كان رجل الأعمال الإسرائيلي أبرمها “بطريقة مبهمة” في قطاع التعدين، والتي حسب المنظمة تولد له مليارات الدولارات سنويا.
وتحاول المنظمة ذاتها توسيع دائرة المطالبين بعدم تجديد عقود المستثمر الإسرائيلي، خصوصا أنها ستنتهي خلال مدة وجيزة.
دان جيرتلر
بنى دان جيرتلر ثروته التي قدرت بـ 1.26 مليار دولار من قبل مجلة فوربس عام 2015 من خلال الاستثمارات التي قام بتوطينها في القارة الإفريقية، وبالأخص في الكونغو الديمقراطية.
وصل دان، وهو حفيد تاجر ألماس، إلى كنشاسا عام 1997، وعمره 23 عاما، وكانت الكونغو آنذاك في حالة حرب تقلد فيها موبوتو الحكم لبضعة أشهر قبل أن يتم الانقلاب عليه من قبل متمردين. وقد أبرزت تقارير كثيرة خلال هذه الفترة أنه في وقت كان زعيم المتمردين لوران ديزيريه كابيلا يحتاج إلى المال والأسلحة لشن هجوم على العاصمة، قام الشاب الإسرائيلي المتطلع إلى رواسب الماس في شرق البلاد بجمع 20 مليون دولار لتمويل التمرد.
عندما توفي “كابيلا الأب” في كانون الثاني/ يناير 2001 على يد أحد حراسه، تولى السلطة ابنه جوزيف كابيلا، البالغ من العمر 30 عاما؛ وقد استغل دان جيرتلر ذلك من أجل التقرب إلى الرئيس الشاب عديم الخبرة، الذي سبق أن التقى به على خط المواجهة في كاتانغا خلال الحرب الثانية في جمهورية الكونغو الديمقراطية (1998-2003). وبعد فترة من تولي الابن الحكم، ونظرا للأقاويل التي خلفتها وفاة الرئيس الأب، والطريقة التي استحوذ بها جوزيف على السلطة، خصوصا في الولايات المتحدة، قام الرئيس الجديد بتكليف جيرتلر بمهمة التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل كسب دعمها.
العقوبات الأمريكية
تم وضع جيرتلر تحت العقوبات الأمريكية عام 2017 بسبب قضايا فساد، تم توسيع نطاقها عام 2018، وتأتي وفقا لوزارة الخزانة الأمريكية بسبب حصول المعني على تراخيص التعدين والنفط من حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وشركات التعدين المملوكة للدولة بأسعار زهيدة، قبل أن يقوم ببيعها لشركاء دوليين لتحقيق أرباح اعتبرتها الخزانة الأمريكية هائلة. كما أن شركة المستثمر الإسرائيلي حصلت على مجموعة من المدفوعات، التي تدفع عادة للدولة وشركاتها، في ظل ظروف مشكوك فيها.
في كانون الثاني/ يناير 2021، وفي الأيام الأخيرة لإدارة ترامب، وبعد أشهر من الجهود التي بذلها اللوبي الصهيوني، حصل جيرتلر سرا على ترخيص لمدة عام يعفيه إلى حد كبير من العقوبات التي تم إقرارها من قبل.
لكن وبعد وصول بايدن إلى الحكم، وفي إطار تصفيته للقضايا التي وقعها ترامب في آخر لحظاته الرئاسية، قامت الإدارة الجديدة بالعدول عن إحدى القرارات التي تم اتخاذها على نحو خبيث، والتي أثارت حفيظة وعدم فهم السياسيين والمنظمات غير الحكومية في ما يتعلق بإفريقيا: تعليق العقوبات الاقتصادية ضد رجل الأعمال الإسرائيلي دان جيرتلر.
وبذلك أعلنت واشنطن يوم الإثنين 8 مارس/ آذار أن قطب الماس والسلع الكبريتية في جمهورية الكونغو الديمقراطية المملوك لجيرتلر سيخضع مرة أخرى لواحد من أكثر أنظمة العقوبات صرامة بالنسبة للأفراد المنصوص عليها في قانون ماجنسكي، الذي ينص على أن يتم نبذ الشخص المشتبه في ارتكابه أعمال فساد خطيرة على الساحة المالية الدولية من خلال منعه من ممارسة الأعمال التجارية بالدولار، أو من التجارة مع الكيانات الأمريكية.
لكن رغم هذه العقوبات استمر جيرتلر في تطوير استثماراته في الكونغو دون أي رادع.
تقرير خبراء
أصدر فريق الخبراء المعني بالاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية وأشكال الثروة الأخرى بجمهورية الكونغو الديمقراطي، التابع لمجلس الأمن، تقريرا تناول احتكار الماس الممنوح لشركة جيرتلر، وأوضح أنه وفقا لمصادر حكومية كان الهدف منه مزدوجا: أولا الحصول على أموال سريعة وجديدة يمكن استخدامها في شراء الأسلحة اللازمة، ومعالجة بعض المشاكل العالقة مع الحلفاء؛ وثانيا الوصول إلى المعدات والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بالنظر إلى العلاقات الخاصة التي تربط مدير صناعات الألماس الدولية، دان جيرتلر، ببعض الجنرالات في الجيش الإسرائيلي.
وأضاف المصدر ذاته أنه “تبين أن هذه الصفقة كانت كابوسا لحكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكارثة لتجارة الماس المحلية؛ فضلا عن تشكيلها إحراجا لجمهورية الكونغو بسبب كمية الماس غير المشروع الذي أصبح ينتج في البلاد.
واسترسل التقرير بأنه كان هناك تعهد من الشركة لدفع 20 مليون دولار، لكنها لم تدفع سوى 3 ملايين، كما أنها لم تقدم أي معدات عسكرية وفق ما التزمت به.
وتناولت الوثيقة ذاتها أن الرئيس جوزيف كابيلا أعرب عن استعداده لتحرير تجارة الماس في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن شركة جيرتلر هددت بمقاضاة الحكومة، لأنها تملك عقد الاستغلال الحصري.
وحسب التقرير فإن التقديرات أشارت إلى أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الاحتكار تم بيع ما قيمته 60 مليون دولار من الماس من جمهورية الكونغو الديمقراطية في السوق الدولية؛ كما أدى تهريب الماس إلى حرمان اقتصاد البلاد المتعثر بالفعل من مبالغ كبيرة من المال ومن خزينة الإيرادات الضريبية الكبيرة.