مدار (خاص): 20 شباط/ فبراير 2024
قال سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، في حوار خاص مع “مدار“ إن إنهاء كل وجود عسكري أجنبي في العراق “مطلب وطني وهدف ينبغي العمل بجد لتوفير مستلزمات تحقيقه وتوفير شروط ذلك”، وشدّد في هذا السياق على ضرورة “تحقيق إجماع وطني عراقي، سياسي وشعبي، بشأن هذه القضية الوطنية، وتعزيز الوحدة الوطنية وأجواء الثقة بين مختلف أطياف” الشعب العراقي.
وأضاف السياسي العراقي اليساري أن تحقيق هذا الهدف يتطلب أيضا تعزيز قدرات القوات المسلحة وإعادة بنائها “على أسس العقيدة الوطنية وإبعادها عن المحاصصات على اختلاف أنواعها، وعن الولاءات”.
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي أكد لـ “مدار” موقف حزبه بـ “إدانة أي اعتداء وانتهاك للسيادة العراقية، ومن أي طرف أو جهة كانت، دولية أو إقليمية”، وذلك تعقيبا على الهجمات الأخيرة التي شنتها القوات الأمريكية على أهداف في العراق.
ويسلط رائد فهمي، في حواره مع “مدار”، الضوء على مختلف التطورات التي يشهدها البلد، بما فيها الهجمات الأمريكية، وتفاصيل العملية السياسية، وذكرى انقلاب الثامن شباط/ فبراير المروّع، إضافة إلى حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني و الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وغيرها من القضايا.
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
مدار: يتعرض العراق لأشكال متعددة من انتهاك سيادته، وتمثل الاعتداءات الأمريكية الأخيرة مثالا على ذلك. ما هو موقفكم من هذه الهجمات، ومن المحاولات المتكررة لتحويل بلدكم إلى ساحة لتصفية الصراعات الدولية والإقليمية.
رائد فهمي : نعم يتعرض بلدنا العراق لاعتداءات عسكرية وانتهاك لسيادته وحرمة أجوائه وأراضيه ومياهه، ومن جهات عدة، بما فيها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. وقد عبر حزبنا الشيوعي العراقي مرات عدة عن إدانته ورفضه لهذه الانتهاكات، وأهمية احترام سيادة البلد وقراره الوطني المستقل. وتوقفنا عند هذه التطورات في الاجتماع الأخير للجنة المركزية للحزب المنعقد في بداية شباط/ فبراير 2024، حيث جددنا موقف التنظيم الثابت في إدانة أي اعتداء وانتهاك للسيادة العراقية، ومن أي طرف أو جهة كانت، دولية أو إقليمية، ودعونا كل الأطراف ذات العلاقة، والحكومة العراقية أولا، إلى ضبط كل الإيقاعات، وخصوصا الداخلية، بما يحول دون دفع بلدنا دفعا إلى أتون صراع مكشوف الأهداف، وحروب بالوكالة، لا ناقة لشعبنا فيها ولا جمل، فيما رفضنا في الوقت ذاته أن يكون بلدنا ساحة انطلاق لأي عدوان على أي دولة أخرى.
ومن جانب آخر، وكما هو معروف، فقد رفض حزبنا اللجوء إلى الخارج والاستعانة به عسكريا للخلاص من النظام الدكتاتوري، وجسد ذلك في شعاره المعروف آنذاك: لا للحرب.. لا للدكتاتورية. وعندما حصل الاحتلال الأمريكي لبلادنا عملنا مع غيرنا على إنهائه واستعادة السيادة العراقية كاملة. وقد أكدنا مرارا موقفنا الرافض لأي وجود عسكري أجنبي وبناء قواعد في بلادنا، وميزنا بين هذا وبين حاجة العراق إلى الدعم اللوجستي والتدريب وفقا لاتفاقات واضحة معلنة بين العراق والدول الأخرى التي لا تخل بالسيادة العراقية.
ونرى أن إنهاء كل وجود عسكري أجنبي على أرض بلادنا هو مطلب وطني وهدف ينبغي العمل بجد لتوفير مستلزمات تحقيقه وتوفير شروط ذلك، وأهمها تحقيق إجماع وطني عراقي، سياسي وشعبي، بشأن هذه القضية الوطنية، وتعزيز الوحدة الوطنية وأجواء الثقة بين مختلف أطياف شعبنا، إلى جانب تعزيز قدرات قواتنا المسلحة وإعادة بنائها على أسس العقيدة الوطنية وإبعادها عن المحاصصات على اختلاف أنواعها، وعن الولاءات، وإسناد المسؤوليات فيها على أساس المهنية والكفاءة والنزاهة والإخلاص للوطن، وتحقيق مهنية المنظومة العسكرية – الأمنية وتقيد منتسبيها بمهامهم الدستورية، وإبعادها عن التدخلات الحزبية والسياسية؛ فيما يتطلب الأمر تحقيق وحدة القرار في عملياتها ومركزته، وإنهاء أي تحرك خارج سياق منظومة الدولة الرسمية، وأن يصار إلى التطبيق الفعلي لشعار حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الدستورية واحتكار وسائل العنف، وإنهاء أي وجود لأي جماعات مسلحة (مليشياوية) على اختلاف عناوينها وتسمياتها.
كما يتطلب هذا من رئيس الوزراء، كونه القائد العام للقوات المسلحة، أن يتحمل مسؤوليته كاملة في السيطرة والتوجيه واتخاذ القرارات لإنهاء التجاوزات والخروقات التي تصادر دور الدولة في قضايا الحرب والسلم. إن كل هذا وغيره سيسهم في توفير الشروط والمستلزمات ويسرع إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في بلادنا.
مدار: من الواضح أن انتهاك سيادة العراق له علاقة بالعملية السياسية الداخلية أيضا، وأسس النظام السياسي القائم، من هذه الزاوية ما هو تقييمكم لهذا الوضع؟ وما هي المخارج التي تقترحونها؟
رائد فهمي: بعد التغيير في 2003 لم يتحقق تطلع العراقيين إلى إقامة بديل وطني ديمقراطي حقيقي للنظام الدكتاتوري المقبور. ويتواصل الصراع المحتدم على خيارات المستقبل، وعلى شكل ومحتوى الدولة، ومنهج الحكم، وملامح البديل السياسي والاقتصادي – الاجتماعي لمنظومة الحكم القائمة على المحاصصة الطائفية – الإثنية في الإدارة وبناء مؤسسات الدولة، وإعلاء شأن العناوين الفرعية على حساب المواطنة العراقية الجامعة.
وتشهد الأوضاع الراهنة في بلدنا المزيد من التعقيد والتشابك وتتكاثر المشاكل مستعصية الحل في إطار منظومة الحكم القائمة ومنهجها، لتصبح أزمة شاملة ذات أبعاد بنيوية وسياسية.
وأضفت التطورات الدولية والإقليمية في الفترة الأخيرة، ومنها وفي مقدمتها العدوان الصهيوني المتواصل على الشعب الفلسطيني، مزيدا من التعقيد في أوضاع بلدنا الداخلية، وتتزايد مخاطر جره إلى ميدان صراع لتصفية حسابات دولية وإقليمية يكون شعبنا ضحيتها الأولى. وإذ تتزايد الاعتداءات العسكرية والانتهاكات الفظة للسيادة العراقية، يترافق ذلك مع التدخلات في تفاصيل الوضع الداخلي العراقي، وهو ما غدا أحد العوامل المهمة في تعميق أزمة البلاد العامة، وكبح الجهود الوطنية لكي يرى العراق النور في نهاية النفق.
وكل هذا وغيره أضعف من قدرات بلدنا وشعبنا على التصدي للاعتداءات والتدخلات الفظة في شؤونه الداخلية.
ولابد من الإشارة إلى أننا في الحزب الشيوعي العراقي تعاملنا مع العملية السياسية التي دشنت في 2003 على إنها عملية انتقال سلمي نحو تحقيق استقلال البلاد واستكمال السيادة الوطنية ووضعها على طريق التطور الديمقراطي، وبناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد، من خلال تصفية مخلفات النظام الدكتاتوري وإرساء وتثبيت أركان النظام الديمقراطي، قانونيا ومؤسسيا وفكرا ونهجا؛ ويمكن لحزبنا أن يلعب دوراً مؤثراً أكبر من داخلها لدفعها في الاتجاه المطلوب، بالتلازم مع العمل خارج الأطر الرسمية للدولة لتعبئة جماهير الشعب، كقوة فاعلة وضاغطة، للحفاظ على المسار السليم. لذا اعتبر حزبنا العملية السياسية والأطر والمؤسسات السياسية المنبثقة عنها، ابتداء من مشاركتنا في مجلس الحكم الذي تم تشكيله بعد الاحتلال، ميادين صراع لأن قوى وأطرافا متعددة تتجاذب العملية السياسية، من داخلها كما تتجاذبها من خارجها.
لقد انخرط حزبنا في العملية السياسية دون أن يعتبرها ميدان الصراع الوحيد أو الأساس، بل رأى فيها جبهة مكملة للجبهات الأخرى في النضال من أجل مصالح الشعب والبلاد: جبهة النضال الجماهيري التي نساهم فيها بنشاط.
إن العملية السياسية شقت طريقها عبر مسارات متعرجة، وفي خضم صراعات حادة. ورغم تنوع أطراف وأشكال هذه الصراعات فإن محورها الأساس هو التنافس على السلطة والثروة والهيمنة على القرار والسعي لاحتكاره وتضييق قاعدة اتخاذه.
وعلى خلفية هذه الصراعات والتدافع بين القوى والكتل المتنفذة، واستشراء الفساد، وحالات الاستعصاء السياسي، وتغول السلاح المنفلت، وتردي الخدمات العامة، والتدهور في المستوى المعيشي لفئات وشرائح واسعة، خاصة من العمال والفلاحين وعموم الكادحين وذوي الدخل المحدود، ومن الفئات الوسطى، وحالة الفرز الطبقي والاجتماعي الجارية الآن في المجتمع، وحالة السخط والتذمر الواسعين، والهوة بين المواطنين ومؤسسات الدولة وانعدام الثقة بينهما، وكذلك عجز القوى الحاكمة عن إيجاد حلول لأزمات البلاد المتكررة بسبب طبيعتها ومنهجها الفاشل في الحكم والإدارة، فإن العملية السياسية التي بنيت على المحاصصة والطائفية السياسية، والإصرار على التمسك بها، أصبحت مأزومة ووصلت إلى طريق مغلق، وهو ما وضع موضوعة التغيير الشامل على جدول العمل.
إن التغيير الذي نريده ونعمل من أجله هو تغيير في المنهج وآليات الحكم، وفي الشخوص، وهو يعني أيضا طريق الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والسير إلى أمام لفتح فضاءات جديدة تفضي إلى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والمؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية. ونفهم التغيير أيضا على أنه عمل نضالي تراكمي، متعدد المقاربات، ويحتاج إلى أوسع اصطفاف شعبي وسياسي، عماده أساسا الجماهير الواسعة والمكتوية بنار الأزمات، لتغيير موازين القوى وفرض إرادة الشعب، إرادة الغالبية الساحقة، مقابل أقلية مترفة حاكمة.
مدار: حلت في الثامن من هذا الشهر ذكرى انقلاب 8 شباط (فبراير)، في سياق عام مأزوم، كيف تحيون هذه الذكرى؟ وما هي العناصر الأساسية التي يرتكز عليها نضالكم حاليا، سواء في ما يتعلق بأوضاع الطبقة العاملة وعموم الفقراء في العراق أو في ما يتعلق بالواقع السياسي المبني على المحاصصة؟
رائد فهمي: بالنسبة للجزء الأول من السؤال المتعلق بانقلاب ٨ شباط ١٩٦٣، الفاشي الدموي، ما حصل هو جريمة بشعة في حق الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين، وعندما نتوقف عند هذه المأساة ونستذكر الشهداء الأمجاد، وفي مقدمتهم الرفيق سلام عادل، سكرتير الحزب الذي اغتيل بوحشية قل نظيرها، فإننا نهدف إلى استخلاص العبر والدروس منها، بما يجنب شعبنا وبلدنا مثل هذه الكوارث. إن التجارب التي مررنا بها تؤكد خلاصتها على أهمية وضرورة الديمقراطية، والتداول السلمي على السلطة، وبناء دولة المؤسسات وتجريم انفلات السلاح، وضرورة تحقيق أفضل مستوى من وحدة الموقف والعمل بين القوى الوطنية والديمقراطية؛ كما تؤكد على أهمية الارتقاء بالمؤسسة العسكرية والأمنية بما يجعلها قادرة على حماية النظام الديمقراطي الحقيقي، وحريات المواطنين وحقوقهم، وأن تشبع باحترام القانون والدستور.
ومن جانب آخر تقول التجربة أيضا بأهمية دور الجماهير، وأن تعي مصالحها وتحمي المكتسبات والمنجزات، فهي صاحبة المصلحة في الاستقرار والأمان وتحقيق التقدم والبناء والاستثمار الأمثل لموارد البلد وتوظيفها لخير المواطنين ورفاههم.
وبشأن الشق الثاني من السؤال، وكما تمت الإشارة أعلاه يعتبر حزبنا المحاصصة الطائفية أس البلايا الولاّد للأزمات، وهي التي شوهت الديمقراطية وبددت ثروات البلد وحمت الفاسدين، وأضاعت قدرات البلد وطاقاته، وبددت إمكانية توظيف الكفاءات الوطنية للبناء والإعمار؛ وهي غلبت مصالحها الخاصة والأنانية، والحصيلة أقلية حاكمة تمتلك المال والسلاح والسلطة والإعلام، وتحتكر القرار السياسي والاقتصادي والأمني، وهذا القرار آخذ بأن يضيق كثيرا. وفي مقابل هذه الأقلية المهيمنة هناك أغلبية ساحقة تعاني من الفقر والبطالة والتمييز وانعدام الفرص المتكافئة.
وأثبت القوى المتنفذة عدم قدرتها على حل أزمات البلد ووضع حد لمعاناة الشعب، عبر التشبث بنهج المحاصصة، ولم تعد الغالبية الساحقة تثق بوعودها، وبالتالي هي غير قادرة على الاستمرار في السلطة على وفق النهج البائس ذاته.
إن هذا كله يفرض موضوعيا التغيير، وإعادة بناء الدولة على أسس سليمة، وفق مبدأ المواطنة، واعتماد نهج جديد في إدارة الدولة، وسياسة اقتصادية – اجتماعية بديلة، والتقليل التدريجي من الاعتماد على الريع النفطي لصالح بناء اقتصاد متنوع متين وديناميكي يبني ركائز قوية لتنمية مستدامة. وهذا ما يعمل الحزب على تحقيقه عبر حشد الطاقات والإمكانات الجماهيرية والشعبية والسياسية وتحقيق الخلاص من هذه المنظومة، المسؤولة عما حل ببلادنا، وما تتعرض له من احتمالات خطرة راهنا.
لقد ولدت أوضاع البلد المأزومة سخطا و تذمرا واسعين، ورفضا جماهيريا، ومثلت انتفاضة تشرين 2019 ذروة هذا الرفض ومعارضة نهج المنظومة الحاكمة.
وإن حزبنا الشيوعي يسعى بمثابرة عبر دعمه وإسناده وتشجيعه ومشاركته في الحراك الشعبي والمطلبي والجماهيري متعدد الأشكال، وعبر علاقاته وتعاونه مع قوى التغيير، والقوى المدنية والديمقراطية، ومختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية، إلى الدفاع عن مصالح وحقوق الشغيلة والكادحين والفقراء وذوي الدخل المحدود، وسائر المواطنين المكتوين بلهيب مآسي ما سببته الأقلية المحتكرة للسلطة، والضغط لتلبية مطالبهم العادلة وتقديم الخدمات الأساسية لهم، وضمان حقوق ومصالح العاملين في مختلف القطاعات، وشمولهم بقوانين العمل والتقاعد والضمان الاجتماعي والصحي، وتوفير فرص عمل لهم، وخاصة الشباب.
ويتبنى الحزب ويدعم حق مختلف الفئات الاجتماعية في تكوين النقابات والاتحادات والجمعيات للدفاع عن مصالح منتسبيها بحرية تامة، وفي المؤسسات ومواقع العمل، بما فيها العائدة للدولة.
إن الحزب وهو يعلن انحيازه للشعب ويتبنى مشروع التغيير الشامل فهو يولي اهتماما كبيرا بالعامل الجماهيري والحراك متعدد الأشكال، ويعمل على تنميته وتطويره، والارتقاء به، وتنظيم صفوفه ووضوح أهدافه، والارتقاء به كأداة معول عليها في تغيير موازين القوى والخلاص من المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت ونظام دولة المكونات.
مدار: تزامنا مع ذلك، مازال الكيان الصهيوني يشن عدوانه على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كيف تقيمون رد الفعل الشعبي العراقي من جهة، والرسمي من جهة ثانية؟ وما الذي يجب فعله من وجهة نظركم تجاه القضية الفلسطينية؟
رائد فهمي: منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى” تابع حزبنا، وغيره من القوى الديمقراطية والوطنية العراقية، بحرص كبير، تطورات الأوضاع، وتداعيات العدوان الصهيوني المتواصل ضد الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة المحاصر.
وأوضح الحزب في بيانات وتصريحات موقفه المنحاز إلى الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. علما أن ما يحصل هو استمرار للخطيئة التاريخية الكبرى في حق هذا الشعب العريق، وحرمانه من التمتع بدولته الوطنية المستقلة على أرضه.
وأشار الحزب في مواقفه إلى مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأخرى في استمرار حرب الإبادة هذه، عبر الدعم والإسناد لقوات الاحتلال الصهيوني وتغاضيها عن جرائمه المرتكبة، التي تجاوزت كل الحدود، وكذلك منعها مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرار صريح بوقف المجزرة وإنقاذ الشعب الفلسطيني من الكارثة التي تحدق به.
وعمل الحزب مع العديد من القوى المدنية والديمقراطية على تنظيم وقفات تضامنية مع صمود الشعب الفلسطيني ونضاله الباسل، الذي يحظى بتأييد جماهيري واسع في العراق، فيما أعلنت الحكومة العراقية مواقف واضحة ومتقدمة في دعم الشعب الفلسطيني وإدانة الكيان الصهيوني وجرائمه، وسيرت قوافل دعم للإغاثة، وهو ما فعلته العديد من القطاعات الشعبية في بلادنا. وكنا نحن في الحزب نطالب الحكومة بالمزيد من الإجراءات والخطوات السياسية لوقف العدوان والحيلولة دون اقتصار الأمر على الجانب الإغاثي على أهميته.
ونرى أنه أن الأوان لوقف هذا المسلسل الدموي الفاشي وإنقاذ الشعب الفلسطيني، فيتوجب أولا الضغط بكل الوسائل لإيقاف المجزرة، والتعويل هنا على الجماهير الشعبية في المنطقة، للعب دورها عبر المزيد من الضغط على حكوماتها لتحمل مسؤولياتها، وثانيا وقف عملية التطبيع المخزية وإلغاء كافة الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة مع حكام إسرائيل المجرمين، الذين تمادوا في استهتارهم؛ وثالثا العمل للحيلولة دون أن تتحول القضية الفلسطينية إلى قضية إغاثة وإعانات، فالقضية هي بامتياز قضية سياسية، ورابعا: يتوجب اليقين ألا أمان ولا استقرار في المنطقة دون حل عادل يتضمن التوجه بخطوات ملموسة للبدء في تدشين إقامة الدولة الفلسطينية الوطنية وعاصمتها القدس، وهذا يتفق تماما مع كل القرارات والشرعية الدولية التي يتنكر لها حكام إسرائيل الصهاينة.
مدار: دعمتم دعوة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني في قضية جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، كيف استقبلتم القرار الصادر عن الهيئة القضائية الأممية بخصوص “التدابير المؤقتة”؟ وكيف ستتابعون القضية الرئيسية التي يرتقب أن تمتد على الأرجح لسنوات؟
رائد فهمي: كما هو معروف فإن حزبنا المتضامن مع قضية الشعب الفلسطيني العادلة قد رحب بالمبادرة السياسية والتضامنية لجنوب إفريقيا، وهو موقف يعكس تضامن هذا البلد الإفريقي الذي عانى شعبه من الفصل العنصري. وحظيت هذه المبادرة على الفور بدعم وتأييد دولي واسعين من قبل قوى الحرية والسلام وأنصار حق الشعوب في العيش بأمان وسلام ورخاء، التي عملت على وقف العدوان الهمجي حالا وفورا ومن دون شروط.
كما حيا الحزب الأحزاب والمنظمات والاتحادات والنقابات والشخصيات التي دعمت هذه المبادرة. وفي بيان له حث حزبنا الحكومة العراقية على دعم هذه المبادرة، وهو ما أقدمت عليه فعلا.
واليوم، وإذا تبادر حكومة نيكاراغوا إلى إجراءات لمقاضاة حكومات هولندا والمملكة المتحدة وألمانيا وكندا، وتحميلها المسؤولية بموجب القانون الدولي عن الانتهاكات المنهجية لحكام إسرائيل، كونها ضمن المتواطئين والداعمين لهم، فيتطلب الأمر كذلك دعم هذه المبادرة لوقف جرائم الإبادة الجماعية.
كما يتطلب الأمر تحركا عاجلا لدعوة بقية الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ موقف مماثل، تضامنا مع الشعب الفلسطيني وصموده البطولي في غزة ضد جرائم الحرب التي يواصل الاحتلال الصهيوني ارتكابها بدعم سافر من الولايات المتحدة وحلفائها.
إن كافة الجهود لا بد أن تتواصل لإيقاف العدوان وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، والتنفيذ العاجل لما توصلت إليه محكمة العدل الدولية، وألا يفلت المجرمون من العقاب.
مدار: تشكل القضية الفلسطينية إحدى القضايا الأساسية التي تتفق عليها القوى المناضلة اليسارية العربية، وفي العالم، كيف تنخرطون في هذه الحركة؟ وما هي المجالات الأخرى التي تعملون أو تسعون إلى العمل عليها مع اليسار في المنطقة؟
رائد فهمي: نتفق تماما بشأن أهمية هذه القضية العادلة وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة، وهذا موضع تفاهم وتوافق مع طيف واسع من القوى السياسية، في البلدان العربية، كما في دول العالم الأخرى. ونحن كحزب على تواصل وتنسيق مع الأحزاب الشيوعية واليسارية في المنطقة والعالم، وبادرنا إلى الدعوة إلى عقد لقاءات واجتماعات صدرت عنها بيانات تضامنية تطالب بوقف العدوان والسير في طريق تحقيق الدولة الفلسطينية، كحل أصبح ضروريا وعاجلا لوقف المجازر وحرب الإبادة. وعلى الصعيد الوطني العراقي بادرنا مع العديد من القوى المدنية الديمقراطية إلى تنظيم فعاليات تضامنية مع الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة. كما قام الحزب بتوجيه رسالة إلى رئاسات الجمهورية والحكومة ومجلس النواب تضمنت مقترحات لأشكال الدعم المختلفة ألتي يمكن أن يقدمها العراق للشعب الفلسطيني ولضغط قوى السلام في العالم من أجل وقف حرب الإبادة على غزة.
وهنا تتوجب الإشارة إلى أهمية وضرورة توحيد الموقف الفلسطيني والارتقاء به إلى مستوى التحديات الراهنة، وهو ما يحفز على المزيد من التضامن والتأييد والإسناد. وهنا يتوجب على قوى اليسار الدعم والإسناد.
ونرى أن هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الضغط من قوى اليسار لوقف تسليح دولة الاحتلال وقطع المساعدات عنها ووقف الدعم المالي والإعلامي لها.
إن حزبنا منفتح على كل الإجراءات التي من شأنها إنقاذ الشعب الفلسطيني من هذه الكارثة، مجددين وقوفنا مع نضاله وصموده وتضحياته الغالية، وهو يتحدى كل يوم ماكينة البطش والقتل اليومي الممنهج. ونحن على يقين بأن قضية الشعب الفلسطيني ستنتصر لأنها عادلة.