“حمام دماء” وتطهير عرقي في السودان.. ماذا يحدث في دارفور؟

مشاركة المقال

مدار: 18 أيار/ مايو 2024

محمود هاشم

ما يربو عن عام مر على اندلاع الحرب الأهلية في السودان، بينما يتفاقم الوضع الإنساني، مع ازدياد المجازر الدموية وجرائم القتل والتهجير والنزوح والتطهير العرقي التي خلفها الاقتتال بين طرفي الصراع، بدعم من أطراف عربية دولية، وسط تحذيرات أممية ودولية من كارثة إنسانية أخرى وشيكة في مدينة الفاشر، عاصمة إقليم شمال دارفور، تعيد إلى الأذهان دوامة الفظائع التي شهدتها المنطقة قبل 20 عاما وتسببت في مقتل حوالي 300 ألف شخص وتشريد ملايين آخرين.

القتال بين الجيش والدعم السريع، وهما المكونان المركزيان لما كان يسمى بـ “اللجنة الأمنية” وكانت تضم أيضا المخابرات والشرطة، وصل مرحلة دموية منذ منتصف أبريل/ نيسان عام 2023، تحولت إلى معارك شوارع بالعاصمة الخرطوم، قبل أن تمتد إلى مناطق أخرى من البلاد، خاصة المناطق الحضرية ودارفور، بعد أن بات من غير الممكن أن يتعايشا في هرم السلطة المستولى عليها بانقلابي 11 نيسان/ أبريل 2019 و25 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، من أجل قطع الطريق على الثورة، وهو الصراع الذي ترك آثارا مدمرة على الشعب الذي يدفع الثمن الباهظ لهذا التناحر السياسي.

وقُتل ما يقارب 15 ألف مدني، وفق ما لاحظته مشاريع متخصصة في مراقبة النزاعات، إلا أن الحصيلة الحقيقية يمكن أن تكون أكثر من ذلك بكثير، في الوقت الذي تحصي الأمم المتحدة أن أزيد من 8 ملايين شخص أجبروا على الهرب من بيوتهم بحثا عن الأمان، 1.8 مليون منهم عبروا الحدود إلى الدول المجاورة. ويحتاج نحو 25 مليون سوداني إلى مساعدات إنسانية، بينما يقف 5 ملايين منهم على بعد خطوة واحدة من المجاعة، ويواجه 18 مليونا الجوع الحاد.

حصار واقتتال

خلال الأيام القليلة الماضية، حاصر عناصر ” قوات الدعم السريع”، مدينة الفاشر – التي تعد أكبر مركز إنساني في دارفور حيث يقطن 1.5 مليون شخص بينهم 800 ألف نازح – وبدأت هجومها للسيطرة عليها من 3 جهات، وقطعت الطريق البري الرئيسي الوحيد الذي يربطها ببقية مناطق السودان، وسط اتهامات بارتكابها جرائم حرب خلفت العديد من الضحايا.

وأعلن منِّي أركو ميناوي، حاكم إقليم دارفور، الأربعاء 15 مايو 2024، الاستنفار العام في الفاشر بعد “وصول أخبار أكيدة أن قيادة مليشيات الدعم السريع أطلقت استنفارا جديدا لاجتياح المدينة ونهبها من كل الجهات بما في ذلك من غرب أفريقيا”.

ميناوي اتهم قوات الدعم السريع بـ “تعمد قصف المواقع المدنية وإغلاق الطرق الرئيسية إليها ومنع دخول الإغاثة والمواد الضرورية بما في ذلك الدواء، فضلا عن حرق قرى آمنة”، بحسب تصريحاته.

الأمر ذاته رددته القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة المتحالفة معها، متهمة الدعم السريع بـ”ترويع المواطنين الآمنين بقصف معسكرات النازحين، وتدمير البنية التحتية”.

على الجانب الآخر، نفى “الدعم السريع” هذه الاتهامات، ملقيا باللوم على الجيش السوداني وداعميه في “القصف المتعمد على مدينة الفاشر، متسبباً في مقتل عدد من المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال ونزوح آلاف المواطنين وتدمير المنشآت العامة والخاصة”.

تحذيرات أممية من جرائم الحرب والمجاعة

أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، عبر عن قلقه البالغ بشأن اندلاع القتال في الفاشر، شمال دارفور بما يعرض أكثر من 800 ألف مدني للخطر، مع ورود تقارير تفيد باستخدام أسلحة ثقيلة في مناطق مكتظة بالسكان، ما يؤدي إلى وقوع عشرات الضحايا، ونزوح أعداد كبيرة من الناس وتدمير البنية الأساسية المدنية.

وأوضح غوتيريش أيضا أن المدنيين في هذه المنطقة يواجهون بالفعل مجاعة وشيكة وعواقب حرب مستمرة لأكثر من عام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وحث أطراف الصراع المسلح على الوقف الفوري للقتال واستئناف مفاوضات وقف إطلاق النار بدون مزيد من التأخير، مؤكدا أن توجيه الهجمات بشكل متعمد ضد السكان المدنيين وعرقلة وصول الإغاثة الإنسانية إلى المدنيين المحتاجين، قد يمثل جريمة حرب.

فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، حذر أيضا من كارثة إنسانية حال مهاجمة المدينة، مع تصاعد العنف في محيطها، مضيفا أنه أجرى مناقشات هذا الأسبوع مع قائدين من طرفي الصراع، في الوقت الذي وصف طوبي هارورد، نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان (دارفور) الوضع في مدينة الفاشر بأنه كارثي، مشيرا إلى أن العديد من المناطق في دارفور تقف الآن على حافة المجاعة.

وحذر هارورد من أن اندلاع أي قتال بين الأطراف المتحاربة من أجل السيطرة على الفاشر ستكون له تداعيات مدمرة على المدنيين المقيمين هناك، مع تزايد عمليات القتل التعسفي والسرقة ونهب الماشية، والحرق الممنهج لقرى بأكملها في المناطق الريفية، وتصاعد القصف الجوي على أجزاء من المدينة، وتشديد الحصار حولها، الأمر الذي أدى إلى وقف قوافل المساعدات الإنسانية وخنق التجارة الحيوية.

تطهير عرقي في “الجنينة”

منظمة هيومن رايتس ووتش، اتهمت قوات الدعم السريع في السودان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية – شملت وقائع تعذيب واغتصاب ونهب ضد ضحايا بينهم أطفال وفتيات – في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، غربي البلاد، مع حملة تطهير عرقي وإبادة جماعية ممنهجة ضد إثنية المساليت، وغيرها من المجتمعات الإفريقية غير العربية، مخلفة آلاف الأشخاص على الأقل ومئات الآلاف من اللاجئين.

وحملت المنظمة الحقوقية مسؤولية ارتكاب هذه الجرائم لقائد قوات الدعم السريع، محمد “حميدتي” حمدان دقلو، وشقيقه عبد الرحيم حمدان دقلو، وقائد قوات الدعم السريع في غرب دارفور جمعة بارك الله باعتبارهم من يتحملون مسؤولية قيادة القوات التي نفذت هذه الجرائم، فضلا عن حلفائهم بمن فيهم قائد “جماعة تمازج” المسلحة وزعيمين قبليَّين عربيَّين.

ودعت “هيومن رايتس” الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي للتنسيق من أجل نشر بعثة جديدة بشكل طارئ لحماية المدنيين المعرضين للخطر في السودان. “ينبغي لمجلس الأمن فرض عقوبات موجَّهة ضد المسؤولين عن الجرائم الخطيرة في غرب دارفور، والأفراد والشركات التي انتهكت الحظر أو تنتهكه. ينبغي لها توسيع الحظر الحالي على الأسلحة المفروض على دارفور ليشمل السودان كله”، تقول المنظمة.

وعلى الرغم من أن الصراعات القبلية في دارفور ليست أمرا جديدا، فقد تطور الوضع بشكل خطير عام 2003 عندما حملت حركات متمردة، ولا سيما حركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، السلاح ضد الحكومة السودانية حينها، احتجاجا على التوزيع غير العادل للسلطة والثروة.

واستعانت قوات الحكومة السودانية بميليشيات عرفت باسم الجنجويد – التي نشأ الدعم السريع من رحمها – ضد الحركات المتمردة التي تقاوم حكم الرئيس السابق عمر البشير. وكانت النتيجة أن تكبدت دارفور خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، حيث لقي نحو 300 ألف شخص مصرعهم، فيما تم تشريد الملايين- ولجأ نحو 400 ألف شخص منهم إلى مخيمات في دولة تشاد المجاورة.

وردا على هذه الفظائع، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق العديد من كبار المسؤولين السودانيين، بمن فيهم الرئيس السابق عمر البشير، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في دارفور.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة