تفاصيل الانقلاب العسكري على الرئيس البوليفي إيفو موراليس2 /2

مشاركة المقال

مدار: 25 أغسطس/ غشت 2020

فاز موراليس ولكن!..

أعلنت المحكمة الانتخابية العليا لبوليفيا (TSE)، يوم الخميس 24 تشرين الأول/أكتوبر 2020،، رسميا إيفو موراليس فائزا بالانتخابات الرئاسية التي نظمت بالبلاد يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر، بعد عد 99.9 بالمائة من الأصوات.

وأحرز موراليس على 47.07 بالمائة من الأصوات، ومتجاوزا خصمه كارلوس ميزا عن حزب المجتمع المواطن، بنسبة تتجاوز 10.56 بالمائة الذي حقق 36.51 بالمائة من الأصوات؛ وتعطي هذه النتيجة لموراليس الهامش الكافي ليصبح رئيسا من الدور الأول، حسب القانون الانتخابي البوليفي.

رفضت المعارضة النتائج التي أعلنت عنها المحكمة الانتخابية، وزعمت أن النتائج الأولية تستدعي عقد دورة ثانية، واعتبرت أنه تم تزوير الانتخابات من أجل منح موراليس هامش العشرة بالمائة الذي يحتاجها للفوز من الجولة الأولى، وبعد اللقاء الذي عقده المرشح الرئاسي المهزوم كارلوس ميزا مع نظيره قائد المعارضة بسانتا كورز، معقل المعارضة المعادية لموراليس، تراجع كارلوس عن قبوله بنتائج المراجعة التي قام بها الوفد الممثل لمنظمة الدول الأمريكية OASمنذ 31 تشرين الأول/أكتوبر، بعد أن أعلن موافقته عليها سابقا.

بعد قيام المعارضة برفض نتائج الانتخابات وتحريضها المباشر والعلني على العنف، نظم الرئيس البوليفي، إيفو موراليس، مؤتمرا صحافيا متلفزا، وقال: “دعوت لهذا المؤتمر الصحفي، لأعبر للشعب البوليفي والعالم، عن استنكاري، هناك انقلاب يجري الآن، تم الإعداد له من طرف اليمين وبدعم من من جهات دولية أجنبية… وحتى الآن وبكل تواضع مازلنا نستحمل الوضع، وتعاملنا معه بصبر لتجنب العنف، لم ندخل في مواجهة، ولن ندخل فيها أبدا”. ودعا قادة حركة نحو الاشتراكية أنصارهم إلى التعامل مع الوضع بيقظة وتنظيم تظاهرات سلمية للدفاع عن الديمقراطية.

وفي الآن نفسه، استمرت المجموعات الموالية للمعارضة بارتكاب أعمال العنف وبإحراق العديد من المقرات الحكومية وكذلك التابعة لحركة من أجل الاشتراكية (إحراق مقرات السلطات الإنتخابية ببوتوزي Potosi،  سوكري Sucre وتاريخا Tarija).

أي دور لمنظمة الدول الأمريكية؟

رغم موافقة حكومة إيفو موراليس على إجراء مراجعة للأصوات من طرف بعثة منظمة الدول الأمريكية، إلا أن هذه المنظمة لعبت دورا أساسيا في الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد، فحسب الخبير مارك ويسبروت، الباحث في مركز الأبحاث في الاقتصاد والسياسة CEPR، إن المنظمة كذبت على الرأي العام حول الانتخابات البوليفية وحول الانقلاب. ويضيف الخبير أن هذه المنظمة ليست مستقلة على الإطلاق، وقال إن “إدارة دونالد ترامب تدعم بنشاط الانقلاب العسكري، كما تحظى واشنطن بحلفاء في المنظمة أكثر مما حظيت به في السنوات القليلة الماضية”، وأردف في المقال الذي نشره موقع ماركت واتش بأن “الولايات المتحدة الأمريكية تمول 60 بالمائة من ميزانية منظمة دول أمريكا، كما استخدمت بشكل سيء صلاحياتها أثناء مراقبة الانتخابات لتساعد في تزوير النتائج حسب رغبات الولايات المتحدة وحلفائها، وهو الدور الذي لعبته أيضا سنتي 2000  و2011 بهاييتي”.

وورد في تقرير لمنظمة الدول الأمريكية حول الانتخابات: “عمليات التلاعب التي تمت لأنظمة الكمبيوتر كانت على نطاق يتطلب تحقيقا تفصيليا من الدولة في بوليفيا للوصول إلى أبعاده وتحديد المسؤولين عن تلك القضية الخطرة”.

وأضافت المنظمة في بيان منفصل “يجب إلغاء الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت في 20 تشرين الأول/أكتوبر وتجب إعادة العملية الانتخابية من البداية”. وقالت إنه يجب إجراء الانتخابات فور تهيئة الظروف المناسبة لها بما يشمل تشكيل مفوضية انتخابية جديدة، وهو ما وافق عليه إيفو موراليس، لكن المعارضة أصرت على إجباره على الاستقالة.

الانقلاب لم يعد سرّا

وتحرك أنصار إيفو موراليس وحركة نحو الاشتراكية من خلال تظاهرات حاشدة في مختلف أرجاء البلاد، ردا على رفض المعارضة اليمينية لنتائج الانتخابات، وفي 28 تشرين الأول/أكتوبر، نظم الآلاف من المواطنين، نقابات، فلاحين، شبيبات وحركات السكان الأصليين، تظاهرة حاشدة بإل ألتو EI ALTO للدفاع عن نتائج الانتخابات، تلاه في اليوم الموالي تعبئة غفيرة لعمال المناجز بلاباز La Paz، وفي الثلاثين من تشرين الأول/أكتوبر، مظاهرة أكبر من سابقاتها نظمها الآلاف، تلاها مسيرة على الأقدام من ئي ألتو إلى لاباز.

وتعاظم العنف المسلط على أنصار حركة من أجل الاشتراكية، مع دعوات المعارضة إلى استخدام العنف، ففي السادس من نونبر، تعرض أنصار الحركة لسلسلة من الهجمات بكوتشابامبا Cochabamba، وشهدت بلدية فينتو  Vinto واحدة من أكثر أعمال العنف شدة، حيث قامت مجموعات مناصرة للمعارضة، مسلحة بالعصي والحجارة والمتفجرات بمهاجمة مقر رئاسة البلدية، وأضرمت النيران في بنايتها، وقامت بالاعتداء على رئيسة البلدية باتريسيا أرسي عن حركة من أجل الاشتراكية، إذا قام المهاجمون بسحلها في الشارع لكيلومترات عديدة حافية القدمين وسط احتفالات أنصار المعارضة، وقاموا بقطع شعرها، وطلاء جسدها بصباغة حمراء، كما تحرشوا بها وأجبروها على أن تقول بأنها ستتنحى عن رئاسة البلدية. (فيديو)

ونظمت أكثر من 200 ألف امرأة قروية، وفي نفس اليوم 06 تشرين الثاني/ نونبر، مسيرات حاشدة من 16 مقاطع، وتوجهن نحو ساحة 14 سبتمر بالعاصمة، للتنديد بالهجمات العنصرية التي ارتكبها أنصار مجمعات المعارضة اليمينة في حق مجتمعات السكان الأصليين، وقبل وصول المسيرات إلى الساحة، قامت مجموعة تتشكل من رجال مسلحين، بأدوات حادة، باختطاف ثلاثة نساء واقتيادهن إلى وجهة غير معلومة.

وتم تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر القائد السابق لنقابة الكونفديرالية المتحدة للعمال الزراعيين لبلوليفيا (CSUTCB) فيليسيانو فيغامونتي، جالسا على ركبتيه ومكبل اليدين، يتوسل من أجل حياته، بعد أن قامت مجموعة تتشكل من 15 شخصا باختطافه ببلدية كويلاكولو Quillacollo، وفي مشهد مذل، وأرغمه المختطفون على الركوع والاعتذار.

وقامت مجموعة أخرى، مناصرة للمعارضة، تسمى مقاومة الكوشالا Resistencia Cochala بتنظيم دوريات بالدراجات النارية بمنطقة محاذية لكوتشابامبا، وقامت بتهديد والاعتداء على أنصار حركة من أجل الاشتراكية.

ودعا فرناندو كاماتشو عن حزب المجتمع المواطني لسانتا كروز (يمين متطرف)، يوم 08 تشرين الثاني/نونبر 2020، إلى تكثيف التعبئة وطالب إيفو موراليس بالاستقالة، كما دعا القوات المسلحة والشرطة الوطنية إلى الانشقاق عن الحكومة وسحب الاعتراف بها.

وتلت الدعوة أخبار تفيد بأن فرقا للشرطة انسحبت من مواقعها، وتوقفت عن حماية المشآت الحكومية والمواطنين من الهجمات العنيفة التي كان يرتكبها أنصار المعارضة.

ولم يسلم الصحافيون أيضا من الهجمات، إذ قامت جماعة يمينية متطرفة بتقييد صحافي إلى شجرة كما قامت بطرد الصحافيين من مكاتبهم في المحطات الإخبارية المملوكة للدولة.

واعتبر المفكر فيجاي براشاد وعالم اللسانيات والمناضل الشهير نعوم تشومسكي أن ما يحدث في بوليفيا هو “انقلاب يختمر”، و في بيان أصدراه، يوم 09 تشرين الثاني/نونبر 2019، قالا: “في بوليفيا، يختمر انقلاب ضد الحكومة المنتخبة بقيادة إيفو موراليس. وقد أشارت أقسام من القوات المسلحة – بما في ذلك الشرطة – علانية إلى استعدادها للسماح لميليشيات فاشية بمهاجمة القصر الرئاسي في لاباز. وهذا وضع خطير جدا”.

وأضاف المتحدثان: “دعا إيفو موراليس الأحزاب الأربعة الرئيسية للجلوس والتحدث عن كيفية المضي قدمًا في الديمقراطية البوليفية. لقد طالب بإقامة حوار لمنع العودة إلى أيام الديكتاتوريات العسكرية وحكم الأوليغارشية. وقد دعا موراليس الأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية والفاتيكان وآخرين للمساعدة في الابتعاد عن الانقلاب”.

وبخصوص من يقف وراء الإنقلاق قال تشومسكي وفيجاي: ” يقود هذا الانقلاب الأوليغارشية البوليفية، التي أغضبها الخسارة الرابعة في الانتخابات لأحزابهم أمام  الحركة نحو الاشتراكية. تحظى الأوليغارشية بدعم كامل من حكومة الولايات المتحدة، التي طالما كانت حريصة على إزاحة موراليس وحركته من السلطة. لأكثر من عقد من الزمان، أوضح مركز عمليات السفارة الأمريكية في لاباز حقيقة أن لديه خطتين – الخطة ، الانقلاب ؛ الخطة ب، اغتيال موراليس. هذا خرق خطير لميثاق الأمم المتحدة ولجميع الالتزامات الدولية.

ولم تكف دعوة موراليس إلى إجراء انتخابات جديدة، وعرضه الحوار على أحزاب المعارضة، لإيقاف مسلسل العنف الذي أطلقته جماعات المعارضة اليمينة.

واستقال الرئيس البوليفي إيفو موراليس من منصبه، يوم 10 تشرين الثاني/نونبر 2019، بعد أن أعلن الجيش دعمه للانقلاب الذي تقوده المعارضة ضده، ودعا موراليس إلى إعادة الانتخابات والحوار مع المعارضة لتجنب العنف الذي سلطته المعارضة على حكومته وأعضاء حزبه، حركة نحو الديمقراطية، كما أعلن نائبه ألفارو غارسيا لينيرا عن استقالته. وخلال المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه استقالته، قال موراليس: “آمل أن لا يقوم كارلوس ميسا وفيرناندو كاماشو (زعماء المعارضة اليمينة)، واللجان المدنية الأخرى، بإساءة معاملة أو مخادعة وإيذاء أو الكذب أو استغلال الشعب..أمانينا الكبرى بعودة السلم الاجتماعي، إنهم يعرفون أن جماعات الأوليغارشية تتآمر ضد الديمقراطية”، وأوضح أن استقالته جاءت تحت ضغط من قادة الجيش والشرطة.

مع تنامي موجات العنف، ونتيجة تهديدات جدية، لحقت سلامته البدنية قرر إفو موراليس إلى جانب عائلته ونائبه ألفارو غارسيا، يوم 11 تشرين الثاني/نونبر 2019، السفر نحو المكسيك بعد أن منحه هذا الأخير اللجوء السياسي. لينتقل لاحقا إلى الأرجنتين، وأكد أنه سيعود إلى البلاد حين يكون الوقت مناسبا.

تنديد دولي بالانقلاب

وبعد إرغام رئيس بوليفيا على تقديم استقالته من منصبه، من طرف الجيش والشرطة، عبرت العديد من الدول عن استنكارها للانقلاب.

وأعربت حكومة كوبا عن “تضامنها مع شقيقها الرئيس إيفو موراليس”، ووصف وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز موراليس في تغريدة على تويتر أنه “بطل ورمز حقوق الشعوب الأصلية” في أميركا اللاتينية، ووصف الرئيس الكوبي ميغيل دياز في تغريدة على تويتر ما يجري في بوليفيا بأنه انقلاب عنيف وجبان.

وأدان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو “بشكل قاطع” ما سماه الانقلاب في بوليفيا، ودعا لحشد الحركات السياسية والاجتماعية “للمطالبة بالحفاظ على حياة المواطنين البوليفيين الأصليين ضحايا العنصرية”.

من جهته قال وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو إبرارد إن بلاده تعتبر ما جرى انقلابا “لأن الجيش طلب استقالة الرئيس ويمثل ذلك انتهاكا للنظام الدستوري للبلاد”.

وأضاف إبرارد في مؤتمر صحافي، وإلى جانبه الرئيس المكسيكي اليساري المخضرم أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، أن المكسيك لن تقبل حكومة ذات “طابع عسكري” في بوليفيا. وأوضح أن بلاده ستواصل الاعتراف بموراليس رئيسا شرعيا حتى انتهاء فترة ولايته في كانون الثاني/يناير 2020.

من جانبها، أدانت الأرجنتين ما وصفته بالانقلاب، وحثت بوليفيا على العمل مع جيرانها الإقليميين والمجموعات الدولية، لضمان إجراء انتخابات شفافة.

وشجبت حكومة نيكاراغوا في بيان ما سمته الانقلاب الذي وقع في بوليفيا.

ونددت وزارة الخارجية الإسبانية بالدور الذي قام به الجيش والشرطة في استقالة موراليس، وقالت في بيان إن “هذا التدخل يعيدنا للحظات في التاريخ القديم لأمريكا اللاتينية”.

وأصدرت المئات من المنظمات السياسية والحركات الاجتماعية بيانات تندد بالانقلاب العسكري على الرئيس البوليفي.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة