مدار (خاص): 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023
في سياق عدوان الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وحرب الإبادة التي يشنها في قطاع غزة، يحبس العالم أنفاسه من مجريات الأحداث، في ظل الأعداد الهائلة من الشهداء والمصابين والمنكوبين والنازحين، بينما يتوجّه تركيز الكثيرين نحو مواقف القوى السياسية الفلسطينية التي تشكل جزءا من هذه التطورات والأحداث.
أجرى “مدار” حوارا خاصا ومطولا مع الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، بسّام الصالحي، يشمل مجمل التطورات التي تعرفها القضية الفلسطينية بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية، سننشر نصه الكامل قريبا.
هذا واعتبر الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، أثناء حديثه لـ “مدار”، أن معركة “طوفان الأقصى” التي انطلقت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أظهرت أن قوة الاحتلال الإسرائيلي “محدودة”، و”قابلة للتعرض لضربات وانتكاسات مهمة وذات تأثير كبير ليس فقط على واقع وحاضر هذه الدولة، لكن على مستقبلها أيضا”.
يذكر أن اليوم الإثنين هو الرّابع والأخير من الهدنة الإنسانية التي توصل إليها الكيان الغاصب مع حماس بوساطة قطرية، مصرية وأمريكية، مقابل تبادل الأسرى والمحتجزين وإدخال مساعدات إلى القطاع؛ بينما أشارت مصادر إعلامية إلى مفاوضات من أجل تمديد هذه الهدنة لأربعة أيام إضافية.
ويرى بسّام الصالحي أن رد الفعل الصهيوني تجاه العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية كان محكوما بـ “روح الانتقام وبغريزة القوة والاستخدام المفرط للقوة الغاشمة إلى حد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي”، مشيرا في هذا الصدد إلى عودة الاحتلال إلى الأفكار القاضية بأنه من “خلال التهجير وتصفية القضية الفلسطينية واستعادة وتأكيد أيديولوجية التطهير العرقي و’الترانسفير’ تستطيع إسرائيل أن تحل القضية الفلسطينية”.
وعبّر المسؤول السياسي الفلسطيني البارز عن خشيته من تكريس “عقيدة مكملة للعقيدة الصهيونية في التطهير العرقي و’الترانسفير’ من خلال ما يمكن تسميتها ‘عقيدة غزة'”، التي تقوم حسبه على “استبدال القمع والقهر اليومي للشعب الفلسطيني بالقتل المباشر”، مضيفا أن “ذلك أصبح وكأن الوسيلة الأساس في سلوك قوة الاحتلال مع الشعب المحتل هي القتل اليومي والإبادة واستخدام عقيدة القتل الجماعي كعقيدة مكملة لعقيدة القوة، وتطوير سلبي مع الأسف وخطير للغاية لما أسموها حينها عقيدة الضاحية التي استخدمت في لبنان عام 2006”.
ردّ الفعل العربي الرسمي “لم يكن في المستوى المطلوب”
هبت شعوب العالم، وفي قلبها شعوب المنطقة العربية والإسلامية، إلى نصرة الشعب الفلسطيني في ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها، وعبرت العديد من القوى السياسية والمدنية والمؤسسية عن تنديدها بجرائم الاحتلال، كما طالبت بوقف الحرب ورفع الحصار. وبالنسبة للأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني فإن الموقف الشعبي العربي “كان متقدما”.
أما بخصوص الموقف العربي الرسمي فيلاحظ اليساري الفلسطيني أن بعض الدول العربية أصدرت مواقف “مهمة”، مشيرا في هذا السياق إلى رفض مصر والأردن تهجير الشعب الفلسطيني، “ما أدى لإفشال الخطة الإسرائيلية الأمريكية لدفع مئات آلاف الفلسطينيين إلى سيناء والعودة إلى المشروع التقليدي الذي كان لديهم وعبرت عنه صفقة القرن”.
ومع ذلك، يرى الصّالحي أن “رد الفعل الرسمي العربي لم يكن في المستوى المطلوب”، موضحا أن الدول العربية اتخذت مواقف متفاوتة؛ ورغم القمة العربية الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في الرياض إلا أن الموقف العربي الرسمي، حسبه، “يحتاج إلى تفعيل أكثر وبالإمكان أن يكون ذا جدوى وفاعلية أكثر مما هو عليه حتى الآن”.
“الأمم المتحدة ظهرت عاجزة وضعيفة في التعامل مع العدوان الإسرائيلي”
رغم مشاريع القرارات التي تم تقديمها لمجلس الأمن إلا أنها قوبلت بـ”الفيتو” الأمريكي والبريطاني والفرنسي، ولم تصل إلى أغلبية أعضاء مجلس الأمن، وبالتالي فشل هذا الجهاز التابع للأمم المتحدة في الوصول إلى قرار لوقف النار. وفي هذا الصّدد، شدّد بسام الصالحي على أن الأمم المتحدة “ظهرت عاجزة وضعيفة في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”.
ووقف المتحدث ذاته عند هذا الأمر بالنسبة لمقترح وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية بناء على موقف جماعي لمجلس الأمن، رغم التصريحات والمناشدات التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة والوكالات الأممية المتخصصة.
“الأمم المتحدة فعليا لم تنجح لا في وقف إسرائيل عن عدوانها ولا في محاسبتها على هذا العدوان”، يقول الصالحي.
وفي جانب متصل، اتهم السياسي الفلسطيني المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بـ التلكؤ” و”التواطؤ” في التعامل مع هذه القضية، مضيفا أن “هذا المدعي العام لا يستحق أن يبقى في منصبه، فهو متحيز بالمطلق لإسرائيل ويتلاعب ويماطل ويؤجل كل القضايا التي تخص جرائم الحرب التي ترتكبها دولة الاحتلال في قطاع غزة”.
وعلى الصعيد الدولي، سطّر الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني أن العدوان الأخير على قطاع غزة “أظهر أن واقع الغرب الاستعماري (..) الذي تمثله بالأساس الولايات المتحدة وبريطانيا هو الذي أسس دولة الاحتلال، وهو الحريص على حمايتها؛ ناهيك عن الموقف الأوروبي الذيلي لواشنطن”. وزاد: “تزامنا مع ذلك، يشهد الرأي العام الغربي تحولا كبيرا تجاه القضية الفلسطينية وبات يدعمها أكثر فأكثر حتى في المجتمعات التي كانت حتى وقت قريب الأشد تأييدا لإسرائيل”.
“استعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية”
في الشأن الداخلي الفلسطيني، شرح بسّام الصالحي أنه بالنسبة للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير فإن حزبه يدعو منذ البداية إلى “استعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية والمسارعة إلى عقد اجتماع يضم كافة القوى الفلسطينية، بحيث يتم قطع الطريق على مسعى الولايات المتحدة وإسرائيل لعزل حركة حماس أو لخلق المزيد من التناقضات بين أبناء الشعب الفلسطيني” كأولوية ضمن ثلاث.
أما الأولوية الثانية، يضيف مصدرنا، فترتبط بـ”وقف العدوان على قطاع غزة وإنهاء الحصار”، مشددا في هذا السياق على أن “الجهد من أجل ذلك هو مركزي لمنظمة التحرير ولكافة القوى الفلسطينية، ويتم هذا بالأساس من خلال الجهد الكفاحي والسياسي الدولي، والجهد الكفاحي على الأرض من خلال انخراط كافة القوى في مختلف أشكال الفعاليات والأنشطة الكفاحية ضد الاحتلال، وهي موجودة سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، والجهد السياسي الدولي من أجل وضع قضية إنهاء العدوان وفك الحصار ومحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب التي ترتكبها في مركز هذا النشاط الدولي”.
“نحن نعتقد أن بالإمكان تفعيل هذا الدور أكثر عندما تضع كل التنظيمات الفلسطينية مجمل علاقاتها الدولية في إطار هذه المهمة، بحيث يزداد ويتعزز نشاط التضامن مع الشعب الفلسطيني، ويتم أيضا توحيد الخطاب السياسي على المستوى الدولي، ومن هنا نحن نعتقد أن هذه الأولوية مركزية”، يقول الصالحي.
الأولوية الثالثة “تقوم على التقدم بموقف سياسي واضح وصريح ومبادرة سياسية ملموسة من أجل تحويل وتركيز أنظار العالم للإنهاء الفوري للاحتلال”، يورد بسّام الصالحي، مردفا: “نحن لا نريد أي عمليات انتقالية جديدة، لا نريد العودة إلى الدوامة السابقة لما تسمى الحلول الانتقالية ولعملية سياسية دون مضمون، وإنما إلى مؤتمر دولي تشارك فيه كافة القوى الدولية تحت رعاية دولية شاملة يضع جدولا زمنيا وسقفا زمنيا لإنهاء الاحتلال ولتطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة”.
الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني شدّد خلال حواره مع “مدار” على ضرورة “قطع الطريق على الرعاية المنفردة الأمريكية لعملية السلام التي كانت سببا رئيسيا لفشل هذه العملية على مدار الأعوام الماضية”، مضيفا أن واشنطن كانت “عائقا أساسيا أمام تحرر الشعب الفلسطيني، من خلال تواطؤها الدائم وشراكتها مع الاحتلال في ذلك، وبالتالي المطلوب هو رعاية دولية توقف احتكار الولايات المتحدة وذيلها الأوروبي لهذه العملية”.