مدار: 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025
بعد تجميد دام خمس سنوات بسبب معارضة نقابية موحدة، أشعل قرار مفاجئ لحكومة ناريندرا مودي اليمينية المتطرفة في الهند فتيل مواجهة واسعة مع الطبقة العاملة، بعد الإعلان عن تفعيل أربعة قوانين عمل جديدة، مما دفع بالعمال في مختلف القطاعات إلى الخروج إلى الشوارع، في احتجاجات غاضبة تخللها حرق نسخ من القوانين.
في خطوة مفاجئة يوم الجمعة 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلنت الحكومة المضي في تطبيق القوانين التي تم إقرارها في البرلمان عام 2019، لكن تنفيذها ظل معلقاً. وسارعت الحكومة إلى الدفاع عن قرارها في سلسلة من البيانات الصحفية، مؤكدة أنها محاولة لتبسيط القوانين الموروثة من الحقبة الاستعمارية، وخطوة نحو “تمكين عمالي شامل ومستدام”، عبر وعود بتأمين اجتماعي شامل وحد أدنى للأجور للجميع.
لكن هذه الرواية الرسمية قوبلت برفض قاطع من تكتل مشترك للنقابات العمالية المركزية، التي وصفت القرار بأنه “احتيال خادع يُرتكب ضد الشعب العامل” وخطوة تخدم مصالح الشركات. وأضافت النقابات في بيان أن “الإشعار التعسفي وغير الديمقراطي بما يسمى ‘قوانين العمل’ يحطم طابع دولة الرفاهية في الهند ويحولها إلى ركام”، مطالبة بسحبها الفوري.
ويرجع الخلاف إلى جوهر القوانين نفسها، فبينما تدعي الحكومة أنها توحد 39 قانوناً قديماً لحماية العمال، وتوفر مزايا مثل حد أدنى للأجور على المستوى الوطني وتسمح بعمل النساء ليلاً لـ”تمكينهن”، ترى النقابات أن هذه الإجراءات ليست سوى غطاء لتفكيك ممنهج للحقوق التي انتُزعت بعد أجيال من النضال.
وفقاً لمركز النقابات العمالية الهندية (CITU)، أحد أكبر الاتحادات النقابية في البلاد، فإن هذه القوانين تمثل “أكبر وأشرس إلغاء لحقوق العمال ومستحقاتهم التي حصلوا عليها بشق الأنفس منذ الاستقلال”. ويفند المركز الادعاءات الحكومية نقطة بنقطة، موضحاً أن القوانين في الواقع تعزز سيطرة أصحاب العمل عبر إضعاف الحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية.
وتشير النقابات إلى أن النصوص الجديدة تشرعن التوظيف المؤقت وغير المستقر من خلال بند “العقد محدد المدة”، وتسهل عمليات “التشغيل والفصل” دون قيود، وتفكك مؤسسات الحماية مثل لجان ومفتشيات العمل. والأخطر من ذلك، بحسب النقابات، هو أن هذه القوانين تحول دور الحكومة من منفذ لقوانين العمل وحامٍ للعمال إلى مجرد “ميسّر” بين المستخدمين وأصحاب العمل، مما يجعل النضال من أجل حقوق العمال أكثر صعوبة.
أما عن وعود الضمان الاجتماعي الشامل، فتعتبره النقابات مجرد “مخططات رمزية” تهدف إلى تقليص التزامات الدولة، ومركز النقابات العمالية الهندي الهدف الحقيقي وراء هذه القوانين بأنه “محرك محموم لتقليل تكلفة العمالة وتفكيك حقوق العمل” بهدف “إغراء رأس المال الوطني والدولي”.
ولم تقتصر المعارضة على النقابات، بل انضمت إليها أحزاب سياسية ومنظمات المزارعين، فقد أدان الحزب الشيوعي الهندي (ماركسي) القوانين، معتبراً ادعاءات الحكومة بأنها ستعزز الاستثمار والتوظيف “لا أساس لها من الصحة تماماً”، وبالمثل، وصف “ساميوكتا كيسان مورتشا”، وهو تحالف لنقابات المزارعين، القوانين بأنها “أكثر إصلاحات العمل رجعية منذ استقلال البلاد” عام 1947.
وتتجاوز الانتقادات محتوى القوانين لتشمل العملية السياسية التي تم من خلالها إقرار هذه النصوص، إذ تؤكد المعارضة أن حكومة مودي تبنت نهجاً “متعجرفاً”، وفشلت في إجراء مشاورات مناسبة مع جميع الأطراف المعنية، وهمشت المعارضة السياسية في البرلمان أثناء تمرير التشريعات.
وتتوعد النقابات بتكثيف نضالها، معلنة أنها ستنضم إلى احتجاج وطني دعا إليه المزارعون في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، ليكون يوماً مشتركاً للمطالبة بسحب القوانين. ويذكّر المناخ السياسي والاجتماعي الحالي باحتجاجات المزارعين في الهند والتي نجحت في تعبئة عشرات الملايين.

