مدار: 09 آذار/ مارس 2022
صورة: شمسية حسني، الموت للظلام، كابل، 2021.
تعاني النساء في أفغانستان من إشكالية تحول وضعهن الاجتماعي إلى ما يشبه الشبح، ما يعني عدم تمكنهن من ولوج سوق الشغل أو شغل أي منصب في الحياة العامة، وقد يتدهور هذا الوضع أكثر.
ووفقا للأخبار والتقارير القادمة من أفغانستان فإن حركة طالبان قامت بتنفيذ مجموعة من الإجراءات التمييزية من أجل الوقوف في طريق المشاركة الفعالة للمرأة في الحياة المدنية؛ لكن ذلك يبقى في حكم المتوقع بالنظر إلى التاريخ والتجارب السابقة للحركة.
وتؤدي هذه الإجراءات إلى تراجع أكثر مما كان عليه الوضع من قبل، ما يحد من مشاركة حوالي نصف سكان أفغانستان في وقت تشهد البلاد إحدى أكبر أزماتها الإنسانية، وهي أزمة من المتوقع أن تزداد سوءا لأسباب عدة.
ومن بين الأمور التي من المرتقب أن تساهم في تدهور وضع النساء ضرورة أن يتوفرن على مرافقة من أحد الأقارب الذكور، بالإضافة إلى منعهن من استخدام وسائل النقل العام بمفردهن، زيادة على فرض قواعد لباس صارمة عليهن والوفيات ومنع من هن فوق سن 12 عاما في مناطق عديدة من إكمال تعليمهن.
لطالما كانت هذه النظرة القاتمة هي التي تحكم المعاناة التي تكابدها النساء، وقد تفاقم ذلك مع مرور الوقت وفقا للتقارير التي تحدثت عن تعرض المتظاهرات للعنف والاحتجاز أو حتى الاختفاء القسري نظير تعبيرهن علنا عن رفضهن التغييرات الحالية.
وبالإضافة إلى معطى الاضطهاد الذي تعانيه النساء الأفغانيات بسبب صعود طالبان إلى السلطة، فهن يواجهن أيضا عوامل اجتماعية وثقافية طويلة الأمد تقيد وصولهن إلى التعليم والعمل والخدمات الاجتماعية كالصحة والعدالة.
وتتجلى هذه العوامل في أنه حتى قبل استيلاء طالبان على السلطة كان انعدام الأمن هو السبب الرئيسي وراء مغادرة النساء لأفغانستان، التي وصلت إلى نسبة 42 ممن تركن البلاد. ومن بين الأسباب الأخرى التي ساهمت أيضا في ذلك الافتقار إلى الحقوق والدوافع الشخصية والعائلية ونقص الخدمات الاجتماعية من بين أسباب أخرى، بما في ذلك الفرار من الزواج القسري والعنف المنزلي.
تأثير الأوضاع الحالية على تأزيم ظروف عيش النساء
بعد عدة أشهر من سيطرة طالبان على السلطة، غرقت أفغانستان في كارثة اقتصادية وإنسانية، وهو الأمر الذي دفع العديد من جماعات الإغاثة إلى التحذير من أن ما يصل إلى مليون طفل قد يموتون جوعا في الأشهر المقبلة، وأن 60 في المائة من سكان أفغانستان يعانون من الجوع الحاد؛ في وقت كانت تتعامل الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مع هذا المعطى من خلال فرض حجر الأصول الأفغانية، وهو الأمر الذي زاد من تأزيم الوضع.
في ظل هذه العقوبات التي أقدمت عليها هذه الدول، كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها يطالبون باحترام حقوق، متناسين الواقع الأفغاني الذي يقول إنه في حال قطع الإمدادات الاقتصادية فإن أول المتضررين هن النساء، بالنظر إلى أنهن يتحملن في كثير من الأحيان مسؤولية تلبية احتياجات أسرهن من الغذاء والرعاية الصحية وغيرها من الضروريات.
إن هذه الضغوطات الاقتصادية دفعت الكثيرين إلى التعبير عن أنه من المحتمل أن يؤدي الانهيار الاقتصادي الحالي وزيادة الضغوط المعيشية في جميع أنحاء أفغانستان إلى زيادة محنة النساء الأفغانيات بشدة، بسبب تصاعد العنف المنزلي وانخفاض فرص الحصول على الغذاء والخدمات الصحية.
وقد أدى الإغلاق الأخير للعديد من البيوت التي كانت تعتبر سبيلا آمنا للنساء اللاتي يعانين من العنف المنزلي إلى جعل النساء الأفغانيات أكثر عرضة للخطر.
وأغلقت حكومة طالبان منذ 6 غشت/ أيلول 32 مأوى، ما ألغى فعليا الملاذ الأخير للنساء الأفغانيات الهاربات من العنف المنزلي وسوء المعاملة.. هذه الملاجئ التي كانت توفر منذ فترة طويلة ملاذا آمنا لآلاف ضحايا العنف المنزلي والأذى النفسي وسوء المعاملة.
دور رفع تجميد الأموال الأفغانية في التخفيف من العبء على النساء
في إطار سعي الحكومة الأفغانية، بقيادة حركة طالبان، إلى رفع العقوبات المفروضة على البلاد، تواجه مطالب كبيرة لتحسين حقوق المرأة من بين قضايا أخرى؛ وقد دفع هذا طالبان إلى الالتزام بإعادة فتح تعليم الفتيات بحلول نهاية مارس 2022.
إن من الأمور التي يجب على المجتمع الدولي الاستفادة منها هي المفاوضات مع طالبان لتحقيق تقدم ملموس وفوري في مجال حقوق المرأة، بما في ذلك من خلال تسريع الوصول إلى الأصول التي تم تجميدها وليس محاولة الاستيلاء على هذه الأموال عبر الحديث عن تعويضات ضحايا الإرهاب.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تأخذ البرامج الإنسانية وبرامج الإخلاء في الاعتبار مراعاة النوع الاجتماعي وتلبية احتياجات النساء والفتيات الأفغانيات بشكل مناسب.
ومع قلة خيارات الهجرة الآمنة المتاحة والتغلب على الضغوط داخل البلاد، ستعتمد بقاء العديد من النساء والفتيات الأفغانيات على إمكانية الحصول على المساعدة الإنسانية، والوصول إلى سوق العمل الأفغاني ونظام التعليم والخدمات العامة، وفي بعض الحالات الإجلاء من البلاد؛ وهو الأمر الذي من الممكن أن يصبح أكثر صعوبة بالنظر إلى الخطاب العنصري الذي صاحب الأزمة الأوكرانية الحالية.