معهد القارات الثلاث للبحث الإجتماعي/ مدار: 25 كانون الثاني/ يناير 2022
فيجاي براشاد
من الواضح أن مشكلة الزراعة في الهند لا تتعلق بعدم وجود الدعم المؤسساتي الكافي، بل الانتشار غير المتكافئ والمتفاوت لهذه المؤسسات، وكذلك عدم استعدادها لمعالجة اللامساواة المتأصلة في المجتمعات القروية. ليس هناك دليل على أن الشركات التجارية الزراعية سوف تطور البنية التحتية أو تعزز الأسواق الزراعية أو حتى تقدم الدعم الفني للمزارعين، وكل هذه الأمور يعيها المزارعون.
وتعتبر الاحتجاجات التي أشعلها المزارعون في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 علامة واضحة على رد فعلهم من الأزمة الزراعية والقوانين الثلاثة، التي لن تؤدي سوى إلى تعميق الأزمة. لقد باءت بالفشل كل محاولات الحكومة من أجل كسر وحدة المزارعين، بما في ذلك محاولة تحريضهم من خلال أسس دينية، وهذا دليل على أن هنالك جيلا جديدا تعلم المقاومة، وهم مستعدون لخوض معركتهم عبر مختلف ربوع الهند.
واستمعت المحكمة العليا في الهند في يناير/ كانون الثاني 2021 إلى سلسلة من الالتماسات التي تخص احتجاجات المزارعين، فجاء رد رئيس المحكمة العليا، س. أ. بوبدي، من خلال ملاحظة مثيرة للاهتمام: “نحن أيضا لا نفهم بقاء كبار السن والنساء في الاحتجاجات”. تعتبر كلمة “بقاء” مزعجة للغاية، فهل اعتقد رئيس المحكمة أن النساء لسن مزارعات أو أنهن لا يشاركن في الاحتجاجات بمحض إرادتهن؟ هذا هو المعنى الكامن وراء ملاحظته.
من خلال نظرة سريعة على استطلاع حديث للقوى العاملة يظهر أن 73.2% من العاملات اللواتي يعشن في المناطق الريفية يعملن في المجال الزراعي؛ إنهن فلاحات وحرفيات وعاملات زراعيات. في الوقت نفسه أظهر الاستطلاع أن 55% فقط من العمال الذكور الذين يعيشون في المناطق الريفية يمتهنون الزراعة. في ظل هذه الأرقام، من المثير للاستغراب أن 12.8% فقط من المزارعات من يمتلكن الأراضي، وهذا دليل على اللامساواة بين الجنسين في الهند، وهو ما أثار على الأرجح الملاحظة المتحيزة لرئيس المحكمة ضد المرأة.
وأشارت منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة قبل عقد من الزمان إلى أنه “يمكن انتشال ما بين 100 إلى 150 مليون شخص من الجوع إذا ما تم سد الفجوة الموجودة بين الجنسين في الإرادات الزراعية”. أخذا بعين الاعتبار مشكلة الجوع الهائلة التي نعاني منها في عصرنا الحالي – مثلما تم تسليط الضوء عليه في إحدى مراسلاتنا – يجب أن تكون للمرأة كلمة “مسموعة في الزراعة باعتبارها شريكة على قدم المساواة”، وهو ما عبرت عنه منظمة الأغذية والزراعة.
قام معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي (دلهي) بإنتاج ملف جديد مميز حول وضع المرأة في الهند تحت عنوان المرأة الهندية أمام طريق شاق نحو المساواة (رقم 45، أكتوبر/ تشرين الأول 2021). يبدأ النص بصورة لخمس نساء يعملن في فرن من الآجر، وعندما رأيت الصورة انتقل بي الأمر إلى حساب أجرته لبريندا كارات، قائدة في الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي)، تتناول فيه وضع النساء العاملات في البناء. من ضمن القصص التي تناولتها بريندا تجربة بينا، امرأة شابة تعمل في رانشي – عاصمة جهارخاند – حيث تحمل يومياً ما بين 1500 و2000 طوبة إلى عمال البناء في مبنى متعدد الطوابق. هذا يعادل ما لا يقل عن 3000 كيلوغرام من الطوب، تزن كل واحدة منها 2.5 كيلوغرام، ومع ذلك فهي تكسب أقل من 150 روبية (2 دولار) في اليوم، بالإضافة إلى الآلام الشديدة التي تعاني منها. وقالت بينا لكارات: “لقد أصبح الألم جزءا جوهرياً من حياتي، لا أتذكر مضيّ يوم واحد من دونه”.
تذكير: لطالما كانت المرأة في الهند جزءا لا يتجزأ من حركة المزارعين والحركة العمالية والحركة من أجل الديمقراطية. هل يحتاج الأمر لأن يتم التذكير به؟ يبدو أن أمرا واضحا للغاية كهذا أصبح يتطلب التكرار المستمر.
في خضم الجائحة، لعبت النساء العاملات في مجال الصحة العامة والعاملات في رعاية الأطفال دوراً محورياً في توحيد المجتمع، وكل ذلك تم في وقت يتم الاستخفاف بهن والتقليل من شأن عملهن. وقد أضرب عشرة ملايين عامل وعاملة في 24 سبتمبر/ أيلول 2021 – ممن يعملون في برامج حكومية، مثل الصحة العامة (الناشطون المعتمدون في الصحة الاجتماعية أو عمال آشا) ودور الحضانة (عمال أنغانوادي) – من أجل المطالبة بالتوظيف الرسمي وحماية أفضل لهم أثناء تأدية عملهم في خضم الجائحة، وقالوا: “في سبيل فرض ضرائب على فاحشي الثراء وإلغاء الفواتير المفروضة على الزراعة وإيقاف خصخصة القطاع العام، ودفاعا عن النساء العاملات”.
واشتكى عمال آشا على مدار السنوات القليلة الماضية من المضايقات الروتينية، بما فيها التحرش الجنسي. وقد قامت الحكومة الهندية في 2013 بسن قانون التحرش الجنسي بالنساء في أماكن العمل لحماية العاملات الرسميات وغير الرسميات، لكن لم يتم وضع أي قواعد خاصة بالعاملات في آشا، خصوصاً أن هؤلاء العاملات غير قادرات على رفع تجاربهن من المضايقات إلى الجبهات الأولى لوسائل التواصل داخل الشركات الخاصة.
ويتناول ملفنا حول النساء بعناية انتشار التحرش والعنف الأبوي، مع التركيز على الطرق المختلفة التي يتم من خلالها استهداف النساء من مختلف الطبقات بهذه السلوكيات السامة. في مسارها النضالي، قامت نساء الطبقة العاملة في النقابات والمنظمات اليسارية ببناء نوع من الحساسية الجماهيرية، ونتيجة لذلك تضمنت نضالاتهن الآن مطالب ضد النظام الأبوي، كانت في ما قبل بعيدة المنال. وكمثال على هذه المطالب، أصبحت العديد من النساء ترى أنه يجب عليهن الفوز بإجازة الأمومة وأجور متساوية مقابل العمل المتساوي، وضمان الاستفادة من دور الحضانة وآليات منصفة ورادعة للتحرش الجنسي في أماكن العمل. وتعود هذه المطالب إلى الأسرة والمجتمع، في حين تعمل النضالات الأخرى – مثلا ضد العنف الأبوي في المنزل – على توسيع أفق الحركات الديمقراطية في الهند.
يختتم الملف بكلمات حكيمة حول أهمية حركة الفلاحين بالنسبة للحركة النسائية:
على الرغم من التقلبات العديدة التي شهدتها الحركة النسائية في الهند على مر العقود الماضية، إلا أنها أظهرت مرونة وتكيفت مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة، بل حتى إنها قامت بتوسيع قاعدتها. من الممكن أن يشكل الوضع الحالي فرصة في طريق تقوية الحركات الجماهيرية وتوجيه التركيز نحو النضال من أجل حقوق وسبل عيش النساء والعمال. كما تضعنا حركة المزارعين الهنود المستمرة إلى غاية يومنا هذا، والتي بدأت قبل الوباء ومازالت بنفس الزخم، أمام فرصة لتوجيه الخطاب الوطني نحو مثل هذه الأجندة النضالية، لاسيما أن المشاركة الهائلة للمرأة الريفية، التي سافرت ما بين ولايات مختلفة لأيام، وصولاً إلى مداخل العاصمة، تعد ظاهرة تاريخية غير مسبوقة. إن تواجد النساء ضمن حركة المزارعين يعتبر بمثابة أمل للحركة النسائية في مستقبل ما بعد الجائحة.
تذكير: ليس هناك شيء فريد في الشعارات التي يتم إطلاقها من مخيمات المزارعين، فمعظمها مطالب كانت متواجدة منذ أمد بعيد. إن المطالب التي رفعها من قبل المزارعات في مواقع الاحتجاج، والتي تم تطويرها من قبل نقابات المزارعين، تعكس مسودة السياسة الوطنية للمرأة المقدمة من طرف اللجنة الوطنية للمرأة في أبريل 2008. وتضمنت هذه السياسة مطالب رئيسية قابلة للتطبيق اليوم:
1. ضمان وصول النساء إلى الموارد وتمكينهن من التحكم فيها، بما في ذلك الحقوق المتعلقة بالأرض والمياه والمراعي والغابات وموارد التنوع البيولوجي.
2. ضمان أجور متساوية للعمل المتساوي.
3. الرفع من الحد الأدنى للدعم الموجه إلى المنتجات الأساسيات، والتأكد من توفير الحبوب الغذائية الكافية بأسعار معقولة.
4. تشجيع النساء على الولوج إلى الصناعات المرتبطة بالزراعة (بما في ذلك صيد الأسماك والعمل الحرفي).
5. تمكين النساء من المشاركة في برامج تدريبية، بما في ذلك التقنيات والممارسات الزراعية، مراعين في ذلك المعرفة التي تمتلكها النساء، وكذلك الأعمال التي يمارسنها.
6. توفير خدمات كافية ومتساوية مثل الري والائتمان والتأمين.
7. تشجيع المنتجات الأساسيات على إنتاج وتسويق البذور ومنتجات الغابات والألبان والثروة الحيوانية.
8. توفير سبل العيش الكريم للنساء من أجل مواجهة ظاهرة النزوح.
طرحت الحركة النسائية اليسارية هذه المطالب مجدداً على الطاولة، لكن الحكومة اليمينية لن تلقي لها بالاً.
مرة أخرى، يتم تقديم ملفنا إليكم وقد تم تصميمه بعناية وحب كبيرين، فقد عمل فريقنا هذه المرة بشكل وثيق مع الفنانين الاشتراكيين الشباب في الهند. لقد وجدنا معاً صوراً قوية من تاريخ الحركة النسائية الهندية ومن احتجاجات المزارعين قصد استخدامها كمراجع للرسوم التوضيحية في الملف. نتطلع إلى دعوتكم إلى معرض عبر الإنترنت لهذا الفن، وهي التفاتة صغيرة من قبلنا نحو توسيع مسار ممكن نحو مستقبل إشتراكي.