الوضع في كازاخستان بين معاناة معيشية وتجاذبات القوى العظمى

مشاركة المقال

مدار: 25 كانون الثاني/ يناير 2022

أعلنت القوات العسكرية التي تقودها روسيا، ضمن منظمة الأمن الجماعي التي تضم 6 دول بقيادتها، انسحابها من كازاخستان، وفق ما ذكرت وسائل إعلام روسية، قبل ستة أيام من الآن، ونقلت منصات عن قائد القوات الجوية الروسية، الفريق أندريه سرديوكوف، الذي قاد عملية انتشار القوات بكازاخستان، قوله إن “المهام نفذت بما يتوافق مع قرار منظمة معاهدة الأمن الجماعي”.

تزامنا مع ذلك، أكدت وزارة الدفاع الروسية أن 4 طائرات نقل عسكرية أقلعت من العاصمة نور سلطان، وأكبر مدن البلاد ألماتي، متوجهة إلى روسيا، وعلى متنها آخر وحدات قوات حفظ السلام الروسية، وقيادتها برئاسة الفريق أناتولي سيرديوكوف.

ومباشرة بعد هذه القرارات قام الرئيس الكازاخستاني بالإعلان عن انتهاء حالة الطوارئ التي واكبت الاحتجاجات التي شهدتها البلاد.

وكانت كازاخستان شهدت في أوائل يناير/ كانون الأول 2022 احتجاجات بسبب ارتفاع أسعار الغاز، انطلقت من العاصمة لكنها سرعان ما امتدت إلى عدة مدن في جميع أنحاء البلاد، قبل أن تتحول إلى أعمال شغب ومواجهات مع السلطات التي حاولت أن تضع حدا لهذه التحركات.

وبعد انتقال هذه الاحتجاجات إلى عدة مدن، كان رد فعل الرئيس، قاسم جومارت توكاييف، من خلال إعلانه عن إقالة الحكومة التي اتهمها بالمسؤولية عن الأزمة، واعدا في الآن نفسه بتجميد الزيادات التي كان من المقرر أن يتم تنفيذها، وهو الأمر الذي اعتبره كثيرون محاولة لتهدئة غضب المحتجين.

ورغم كل الإجراءات التي حاول من خلالها الرئيس الإمساك بزمام الأمور، إلا أن الأمر ازداد سوءا، خصوصا أن العاصمة الاقتصادية والمركز الرئيسي للبلاد، ألماتي، شهد اقتحام العديد من المتظاهرين المباني الإدارية والمطار الدولي. كما أن الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن خلفت عشرات القتلى، بالإضافة إلى آلاف الجرحى، مع اعتقال أكثر من ثمانية آلاف متظاهر.

وإثر الوضع الذي دخلته البلاد، وبعد أن تأكد الرئيس من أن الأمور خرجت من بين يديه، على الرغم من إقراره حالة الطوارئ، قام بمناشدة منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) التي قامت بإرسال مجموعة من القوات “للحفاظ على السلام” في البلاد.

أزمة تكشف الانقسامات الداخلية

حجم الاحتجاجات وسرعة انتشارها، والعنف الذي صاحبها، يثبت أن ارتفاع أسعار المحروقات بعيد كل البعد عن أن يكون السبب الوحيد للاستياء في جزء من البلاد، خصوصا أن الرئيس كان قد أعلن العدول عن هذا القرار.

ويحكم كازاخستان منذ أول رئيس، نور سلطان نزارباييف، حسب العديد من المطلعين، نظام استبدادي وعشائري وضع أساسه نزارباييف، الذي حكم البلاد لثلاثة عقود؛ وبالإضافة إلى ذلك يرى الكثيرون أنه كان قادرا على الجمع بين إستراتيجية التحالف مع موسكو وسياسة “متعددة القطاعات”، لاسيما في ما يتعلق بالغرب، فلطالما فضلت كازاخستان تدفق الاستثمارات الغربية في قطاعي النفط والتعدين، ما يساهم في تعزيز صورتها الجيدة في الغرب على الرغم من وجود نظام لا يتماشى مع المعايير الغربية.

وبعد استقالة نزارباييف عام 2019، عن عمر ناهز 79 عاما، تولى الرئيس الجديد توكاييف مقاليد الحكم ملتزما بالسير على منوال سلفه. هذا الانتقال قد يعطي بوادر عن أن هناك نوعا من الاستمرارية والتماسك، لكن في الواقع هناك مجموعة من الانقسامات التي تميز الوضع الداخلي.

وتظهر هذه الانقسامات من خلال استفادة مدن الشمال من وضع اجتماعي واقتصادي أفضل من المدن الجنوبية، بالإضافة إلى الفروق الكبيرة بين الشعب وأصحاب الأموال، الذي يجعل السكان متيقنين من أن هناك فئة تستفيد وتحتكر الثروة الهائلة للبلاد.

هذه الانقسامات دقت حتى أبواب البيت الداخلي للسلطة، وظهر ذلك من خلال قرار رئيس كازاخستان مناشدة منظمة معاهدة الأمن الجماعي تحقيق الاستقرار في البلاد، وهو الأمر الذي يفسر من خلال أن قاسم جومارت توكاييف كان يخشى حدوث انقلاب، ونظير ذلك طلب من قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي التدخل قصد ضمان الولاء من الشرطة والجيش.

شد وجذب بين الأمريكيين والروس

بعد أن شكك بلينكين في قرار رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، القاضي بطلب المساعدة من منظمة معاهدة الأمن الجماعي لتحقيق استقرار الوضع الخطير في بلاده، اعتبر في الآن نفسه أن سبب الانتشار غير واضح، مصرحا بأن “أحد الدروس المستفادة من التاريخ الحديث هو أنه بمجرد وصول الروس إلى منزلك يكون من الصعب جدًا في بعض الأحيان إقناعهم بالمغادرة”.

وهو الأمر الذي ردت عليه وزارة الخارجية الروسية من خلال شجبها الشديد لتصريحات بلينكين، واصفة إياها بـ”المهينة”، كما قالت إن بلينكين تحدث “بأسلوبه الفظيع المعتاد”. وتابع البيان: “عندما يكون الأمريكيون في منزلك قد يكون من الصعب البقاء على قيد الحياة وعدم التعرض للسرقة أو الاغتصاب. الهنود في قارة أمريكا الشمالية والكوريون والفيتناميون والعراقيون والبنميون واليوغسلافيون والليبيون والسوريون، والعديد من الأشخاص الآخرين الذين لم يحالفهم الحظ لرؤية هؤلاء الضيوف غير المدعوين في ‘وطنهم’، سيكون لديهم الكثير ليقولوه عن هذا الأمر”.

وفي ظل هذا التعاطي من القوتين، أصدرت الخارجية الكازخستانية بيانا تم الحديث فيه عن أن البلاد “تعرضت لعدوان مسلح من قبل مجموعات إرهابية جيدة التنسيق تدربت في الخارج”، وزاد: “بحسب البيانات الأولية فإن من بين المهاجمين أفراد لديهم خبرة عسكرية بمنطقة القتال في صفوف الجماعات الإسلامية المتطرفة”.

وتحدث توكاييف نفسه عن “عمل عدواني جيد التنظيم وجيد الإعداد ضد كازاخستان، بمشاركة مقاتلين أجانب من دول آسيا الوسطى بشكل رئيسي، بما في ذلك أفغانستان”، مردفا: “كان هناك أيضا مقاتلون من الشرق الأوسط. كانت الفكرة هي تشكيل منطقة من الفوضى الخاضعة للسيطرة على أراضينا، مع الاستيلاء على السلطة لاحقا”.

حزب العمال الشيوعي الروسي يوضح

أصدر حزب العمال الشيوعي بيانا حمل فيه مسؤوليات الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، بين الزيادة الكبيرة التي شهدها قطاع الغاز والهيمنة الرأسمالية التي ترزح تحتها البلاد منذ ثلاثين عاما، واللتين أدتا حسبه إلى استفحال التناقضات الاجتماعية بشكل مهول.

وأبرز الحزب ذاته أن السبب الأساسي الذي كان وراء الاحتجاجات هو الزيادة في أثمان الغاز، معتبرا أن هذه الاحتجاجات نتيجة استياء الناس من تسلط عائلة نزار باييف واغتنائها في ظل مساندة برجوازية الاتحاد الروسي لها، مؤكدا على أن نزار باييف، الذي كان السكرتير السابق للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكازاخستاني، تحول الحزب في فترته إلى “سيد وحام لطبقات الاستغلال”.

وكان التنظيم اليساري، وفق بيانه، قام بزيارة كازخستان، حيث التقى مع قيادات عمالية، ووقف على “الاستياء العارم للطبقة العاملة من السلطة الحاكمة، التي جعلت منها وقودا لتحقيق أرباح الرأسماليين، وخرجت إلى جانب الجماهير المحتجة منذ اليوم الأول”.

هذا ولم يفت الحزب التأكيد على أنه “رغم أن النظام في البلاد قمعي، إلا أن الاحتجاجات عرفت محولة العوائل الرأسمالية الأخرى المعارضة لعائلة نزارباييف الترويج لرغباتها، بالإضافة إلى عمل العديد من المنظمات غير الحكومية المتواجدة على أراضي الجمهوريات السوفيتية السابقة، الممولة إمبرياليا، منذ سنوات، على تدريب نشطاء من أجل تحقيق رغبات القوى العظمى”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة