معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 14 كانون الأول/ ديسمبر 2021
فيجاي براشاد
يأتي رؤساء الحكومات في أيلول/سبتمبر من كل عام إلى مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك لافتتاح دورة جديدة للجمعية العامة. أصبحت المنطقة المحيطة بالمقر مليئة بالألوان، حيث يتجول مندوبون من كل دولة من الدول الأعضاء البالغ عددها 193 حول مبنى الأمم المتحدة، ثم يخرجون لتناول الغداء في مجموعة من المطاعم في المنطقة المجاورة له، التي تعطلت خلال الوباء. واستناداً إلى الخلافات الكثيرة، يتم أخذ بعض الخطب على محمل الجد؛ إذ تتطلب النزاعات في هذا الجزء أو ذاك من العالم الانتباه إلى تصريحات قادتها، لكن بخلاف ذلك، هناك طابور من الخطب التي تُلقى ثم تُنسى.
لقد اعتلت رئيسة وزراء بربادوس، ميا امور موتلي، المنصة في 25 أيلول/سبتمبر في قاعة شبه فارغة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وسألت بلهجة قاطعة: “كم عدد القادة الذين يجب أن يأتوا إلى هذه المنصة ولا يُسمع صوتهم قبل أن يتوقفوا عن المجيء؟”، وأضافت: “كم مرة يجب أن نخاطب في قاعة فارغة من المسؤولين والمؤسسات التي كان من المفترض أنها أعدت من أجل أن يناقش القادة مع القادة التقدم الضروري لمنع حرب كبرى أخرى أو أي من التحديات الكبرى الأخرى لإنسانيتنا؟”.
لقد نحت رئيسة الوزراء موتلي ملاحظاتها المعدة جانباً، إذ قالت إنها ستكون “تكراراً لما سمعتموه من الآخرين”، وبدلاً من ذلك قدمت خطاباً لاذعاً قالت فيه: “نحن لدينا الوسائل لمنح كل طفل على هذا الكوكب جهازا لوحيا، ولدينا الوسائل لمنح كل شخص اللقاح، ولدينا الوسائل للاستثمار في حماية الأكثر هشاشة على كوكبنا من التغير المناخي؛ لكننا اخترنا ألا نفعل ذلك، ليس لأننا لا نمتلك ما يكفي، بل لأننا لا نمتلك الإرادة لتوزيع ما نملك.. إذا كنا قادرين على تأمين الإرادة لإرسال الناس إلى القمر وحل الصلع عند الرجال…فنحن نستطيع حل المشاكل البسيطة مثل ترك الناس تناول الطعام بأسعار متاحة”.
تأسست الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين أول 1945 عندما اجتمعت 50 دولة في سان فرانسيسكو للمصادقة على ميثاق الأمم المتحدة. وقالت رئيسة الوزراء موتلي: “هذا عام 2021″، في ظل وجود “العديد من الدول التي لم تكن موجودة عام 1945، والتي يجب أن تواجه شعوبها وتلبي احتياجاتها”. كانت العديد من هذه البلدان ذات يوم مستعمرات، وقد وضعت رفاهية شعوبها جانباً في الأمم المتحدة من قبل قادتها الاستعماريين. اليوم بعد 76 سنة، فإن شعوب هذه الدول، بما فيها باربادوس، “يريدون أن يعرفوا ما هي أهمية المجتمع الدولي الذي يأتي فقط ولا يستمع إلى بعضه البعض، الذي يتحدث فقط ولا يتحدث مع بعضه البعض”، هذا ما قالته رئيسة الوزراء موتلي.
بينما كان قادة العالم يتتابعون إلى المنصة، طرح ساشا لورينتي، الأمين العام لـ ALBA-TCP – وهي منظمة من تسع دول أعضاء في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي أنشئت لتعزيز التعاون الإقليمي والتنمية- سؤالاً جوهرياً خلال ندوة عبر الإنترنت نظمتها منصة ‘لا للحرب الباردة حول التعددية القطبية’: “إذا تم التصويت على ميثاق الأمم المتحدة اليوم، فهل يمر؟”.
تمت المصادقة على الميثاق من قبل كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومع ذلك فإن بنوده مازالت لا تُحترم من قبل بعض أعضائها الأقوى، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كنت سأفهرس حوادث التجاهل التي أبدتها حكومة الولايات المتحدة لمؤسسات الأمم المتحدة وميثاق الأمم المتحدة فسيكون هذا النص بلا نهاية. وستشمل هذه القائمة الرفض الأمريكي لـ:
• التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
• المصادقة على اتفاقية بازل لعام 1989 بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، اتفاقية التنوع البيولوجي لعام 1992، اتفاقية روتردام لعام 1998 بشأن إجراء الموافقة المسبقة عن علم على مواد كيميائية ومبيدات آفات خطرة معينة متداولة في التجارة الدولية، واتفاقية ستوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة.
• الانضمام إلى معاهدة روما لعام 2002 (التي تأسست بموجبها المحكمة الجنائية الدولية).
• الالتحاق بالميثاق العالمي للهجرة لعام 2016.
يجب أن يشمل هذا الجرد أيضاً استخدام العقوبات القسرية أحادية الجانب وغير القانونية ضد أكثر من عشرين دولة عضو في الأمم المتحدة، فضلاً عن المتابعة غير القانونية للحروب العدوانية ضد العديد من البلدان (بما في ذلك العراق).
هل ستستخدم حكومة الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إذا طُرح ميثاق الأمم المتحدة للتصويت؟ بناءً على الأفعال التاريخية لحكومة الولايات المتحدة فإن الإجابة بسيطة: بكل تأكيد.
عقدت 18 دولة – بقيادة فنزويلا – خلال جلسة الأمم المتحدة اجتماعاً لوزراء خارجية مجموعة الأصدقاء للدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة. واحد من كل أربعة أشخاص يعيشون في العالم يقيمون في هذه البلدان الثمانية عشر، التي تشمل الجزائر والصين وكوبا وفلسطين وروسيا. ودعت المجموعة، بقيادة وزير الخارجية الفنزويلي الجديد فيليكس بلاسينسيا، إلى “تنشيط التعددية”؛ ويعني هذا فقط التمسك بميثاق الأمم المتحدة: قول لا للحروب غير الشرعية والعقوبات أحادية الجانب، وقول نعم للتعاون للسيطرة على جائحة كورونا، نعم للتعاون بشأن كارثة المناخ، نعم للتعاون ضد الجوع والأمية واليأس.
لم تتمكن هذه الدول قط من تحديد ما يفكر فيه “المجتمع الدولي”، لأن هذه العبارة تستخدم فقط للإشارة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، الذين يحددون ما الذي يجب فعله وكيف يجب فعله لبقية العالم. عندها فقط، وبأعلى الأصوات، نتحدث عن “المجتمع الدولي”؛ ليس عندما تتحدث مجموعة الأصدقاء – التي تمثل 25% من سكان العالم – ولا عندما تتحدث منظمة شنغهاي للتعاون – التي تمثل 40% من سكان العالم – ولا حتى عندما تتحدث حركة عدم الانحياز بأعضائها البالغ عددهم 120 عضواً.
قال رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة: “نحن لا نسعى إلى حرب باردة جديدة”. إن هذه أخبار مرحب بها لكنها أيضاً متضاربة. لقد طالبت رئيسة الوزراء موتلي بالوضوح والنزاهة، لكن تعليق بايدن بدا غير واضح وغير نزيه، إذ دخلت الولايات المتحدة قبل وقت ليس بعيد من اجتماع الأمم المتحدة اتفاقية أسلحة جديدة غُلفت على شكل اتفاقية عسكرية مع أستراليا والمملكة المتحدة (AUKUS)، وعقدت أيضاً اجتماعاً للمجموعة الرباعية (أستراليا والهند واليابان)؛ وكلاهما له تداعيات عسكرية تهدف إلى الضغط على الصين.
علاوة على ذلك، تشير وثائق الحكومة الأمريكية مراراً وتكراراً إلى الرغبة في توسيع الجيش الأمريكي من أجل “القتال والانتصار في صراع مستقبلي مع الصين”، ويشمل ذلك إعادة ترتيب الأنشطة العسكرية في القارة الإفريقية الموجهة نحو صد المصالح التجارية والسياسية الصينية. ويشير طلب بايدن ميزانية إضافية للجيش الأمريكي إلى أن هذا ضروري “من أجل مواجهة التهديد المطرد للصين”.
هذا ليس تهديداً من الصين بل للصين. وإذا استمرت الولايات المتحدة في توسيع جيشها، وتعميق تحالفاتها في منطقة المحيط الهادئ، وتكثيف خطابها، فلن يكون الأمر سوى حرب باردة جديدة – عمل خطير آخر يستخف بميثاق الأمم المتحدة.
قال فريد ميمبي، من الحزب الاشتراكي الزامبي، في الندوة الإلكترونية التي عقدتها منصة لا للحرب الباردة حول التعددية القطبية، بعنوان “نحو عالم متعدد الأقطاب: منتدى سلام دولي” بينما نشأ في عالم بدا فيه أن الحرب الباردة ثنائية القطب تشكل تهديداً وجودياً، فإن “العالم أحادي القطب أخطر من العالم ثنائي القطب”، وأضاف أن “النظام الذي نعيشه اليوم، والذي تهيمن عليه القوى الغربية، يقوض التضامن العالمي في الوقت الذي يمثل فيه التضامن الإنساني ضرورة”.
لا يمكنكم أن تأكلوا ميثاق الأمم المتحدة، لكن إذا تعلمتم أن تقرؤوا، وإذا قرأتم الميثاق، يمكنكم استخدامه للنضال من أجل حقكم في اللياقة الإنسانية. إذا اجتمعنا نحن الـ 7.9 مليارات شخص معاً وقررنا تشكيل سلسلة بشرية لتعزيز حقوق الإنسان – كل واحد منا يقف على بعد ثلاثة أقدام – سنشكل جداراً يمتد لمسافة 6.5 ملايين كيلومتر، وسوف يدور هذا الجدار حول خط الاستواء 261 مرة. سنبني هذا الجدار للدفاع عن حقنا في أن نصبح بشرا وللدفاع عن إنسانيتنا وللدفاع عن الطبيعة.