معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 04 تشرين الثاني/ نونبر 2021
فيجاي براشاد
أسفر هجومان مميتان على محيط مطار كابول الدولي في 26 أغسطس/ آب عن مقتل أكثر من مائة شخص، بينهم مجموعة من الجنود الأمريكيين. لقد ضربت التفجيرات أشخاصاً كانوا يائسين من دخول المطار وإمكانية الفرار من أفغانستان. ولم يمض وقت طويل حتى أعلنت الدولة الإسلامية في خرسان (الإرهابية: ndlr) مسؤوليتها عن الهجوم. وكان مقاتلو طالبان قبل عشرة أيام من الهجوم دخلوا إلى سجن بوليشار كابول بُل الشرقي واعدموا زعيم تنظيم الدولة الإسلامية لخراسان أبو عمر خراساني، المعروف أيضاً باسم ضياء الحق. وقبل يومين من إعدامه، إذ كانت طالبان قد دخلت كابول، قال أبو عمر لمجلة وال ستريت: “سيطلقون سراحي إذا كانوا مسلمين جيدين”، لكن طالبان قامت بدلاً من ذلك بقتله هو وثمانية آخرين من قيادات تنظيم الدولة الإسلامية.
ونفّذت الدولة الإسلامية لخراسان منذ تشكلها في أكتوبر 2014 أكثر من 350 هجوما ضد أهداف أفغانية وباكستانية وأمريكية في الدولتين اللتين تتواجد فيهما، أي باكستان وأفغانستان. وجاءت القيادة الأولى للجماعة ممثلة بحافظ سعيد خان والشيخ مقبول، من حركة طالبان الباكستانية؛ لقد التحقوا بقائد طالبان الأسبق عبد الرؤوف خادم لتشكيل تنظيم الدولة الإسلامية لخراسان في إقليم ننجرهار شرقي أفغانستان.
وأشار تقرير للأمم المتحدة في 2018 إلى أن قيادة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق “سهلت نقل بعض عناصرها الرئيسيين إلى أفغانستان”، بمن فيهم أبو قتيبة من العراق ومقاتلون آخرون من الجزائر وفرنسا وروسيا وتونس ودول آسيا الوسطى الخمس. في 2016، صنفت الولايات المتحدة الأمريكية تنظيم الدولة الإسلامية لخرسان كمنظمة إرهابية، وبعد ثلاث سنوات أسقطت الولايات المتحدة قنبلة هائلة على مواقع الدولة الإسلامية في ننجرهار، وفي 27 أغسطس، قصفت أهدافاً في ننجرهار رداً على تفجير كابول، وأعلنت القيادة المركزية للولايات المتحدة بسذاجة: “لا علم لنا بوقوع إصابات في صفوف المدنيين”. وبعد أيام قليلة قتلت غارة أمريكية بطائرة بدون طيار، زُعم أنها استهدفت أهدافاً لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، عشرة مدنيين أفغان، بمن فيهم أطفال صغار.
واستولت طالبان منذ 2014 على المزيد والمزيد من الأراضي في أفغانستان. وخلال هذه الفترة اشتبكت قوات تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان مع طالبان بشكل متكرر، إذ شكك التنظيم في ادعاء طالبان الإسلام السياسي، وعمّق الهجمات الطائفية على الأقليات الأفغانية. لا شك في أن إعدام أبو عمر الخراساني ونصر طالبان استفزّا تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان لتنفيذ الهجمات الدامية في مطار كابول. إن هناك مخاطر ضعيفة للعودة إلى الحرب الأهلية في التسعينيات، لأن الدولة الإسلامية بمئات المقاتلين ببساطة لا تمتلك القدرة على منافسة طالبان على السلطة، ومع ذلك فإن لديها حماسة مفرطة لإلحاق الدمار ببلد مثقل بشكل هائل بالحرب والفساد.
بعيداً إلى الجنوب الغربي من ننجرهار، على الجانب الآخر من بحر العرب، توجد المقاطعات الشمالية لموزمبيق، حيث اجتاح مقاتلون مسلحون مقاطعة كابو ديلجادو عام 2017، وهاجموا مدينة موسيمبوا دا برايا. أطلق هؤلاء المقاتلون على نفسهم اسم “الشباب” دون أي صلة بالمنظمة الإرهابية التي تحمل الاسم نفسه من الصومال؛ وسرعان ما نقلوا حربهم إلى ستة من المناطق الشمالية الرئيسية في موزمبيق، واستولوا على خمسة من عواصمها. أما العاصمة الوحيدة التي لم يتم الاستيلاء عليها في الانفجار المبكر، بالما، فهي مركز مشروع ضخم طورته شركة الطاقة الفرنسية توتال وشركة الطاقة الأمريكية إكسون موبيل. وتسيطر هاتان الشركتان على حصة في أحد أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في إفريقيا، تبلغ قيمتها أكثر من 120 مليار دولار. لقد علقت الشركتان عملياتهما مع تقدم المقاتلين في بالما، الذين سيطروا عليها في مارس 2021.
أظهر باحثون من مرصدالبيئةالريفية وCabo Ligado أن هؤلاء المقاتلين هم من المنطقة ولا ينتمون إلى أي مشروع إسلامي دولي. ووجد الباحث جواو فيجو من المرصد أن قيادات الشباب هم أساساً من موزمبيق، وعدد قليل منهم هم من تانزانيا. إن القائد الرئيسي لحركة الشباب هو بونومادي مشود عمر، الذي ولد في بالما وترعرع في المدارس الحكومية والإسلامية في موسيمبوا دا برايا، وتدرب في القوات العسكرية الموزمبيقية قبل أن يبدأ جمع العديد من الشباب تحت جناحه لمحاربة الفقر المدقع في المقاطعات الشمالية في موزمبيق، ليؤسسوا حركة الشباب.
بعد التقدم السريع الذي حققته حركة الشباب، من المعروف أن بونماد مشود عمر تحدث عن علاقته بالدولة الإسلامية رغم عدم وجود دليل على أي علاقة تنظيمية بين الجماعات في غرب آسيا وجنوب إفريقيا. ومع ذلك صنفت وزارة الخارجية الأمريكية في 6 أغسطس/ آب حركة الشباب أو الدولة الإسلامية في موزمبيق كما تسميها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، كما صنفت بونوماد مشود عمر كإرهابي عالمي. وبمجرد وصف حركة الشباب بداعش في موزمبيق يمكن نشر قوة عسكرية كاملة شمال البلاد.
أخبرني كبير مستشاري مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية (SADC) أن العواصم الإفريقية كانت مليئة بالتوقعات المخيفة من أن الولايات المتحدة وفرنسا ستشن هجوما على شمال موزمبيق لحماية أصول توتال وإكسون موبيل، وربما لهذا السبب أطلقوا على المقاتلين تنظيم الدولة الإسلامية لموزمبيق. في 28 أبريل/ نيسان، التقى رئيس الموزمبيق فيليب نيوسي مع رئيس رواندا باول كاغامي في كيغالي لبحث موضوع حركة الشباب. وبعد عشرة أيام، وصل ضباط روانديون إلى كابو ديلجادو في مهمة استطلاعية، تبعهم بعد ذلك بوقت قصير ألف جندي رواندي. يقول كبير المستشارين إن الولايات المتحدة وإسرائيل -المقربة من كاغامي- سمحت بالمهمة. وبعد مدة قصيرة، أرسلت مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية بعثة إلى موزمبيق مع قوات من دولها (بوتسوانا وليسوتو وجنوب أفريقيا) إلى جانب قوات من أنغولا وتنزانيا. لقد أضعفوا سيطرة حركة الشباب على مدن شمال موزمبيق.
اشتكت كل من ستيرغومينا تاكس من مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية (التي انتهت فترة عملها كسكرتيرة تنفيذية في 31 أغسطس)، ووزير دفاع جنوب إفريقيا نوسيفوي مابيزا-نكاكولا، من قرار رواندا الأحادي التدخل. وفي حين أن تدخلات كل من رواندا وبعثة موزمبيق هي تدخلات من دول إفريقية فإن المؤسسة الرئيسية في القارة – الاتحاد الأفريقي – لم تتداول بشأن هذا الأمر في مجلس السلام والأمن (وعلى العكس من ذلك رحب رئيس الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمد، بتدخل رواندا). ولم تضع موزمبيق ولا مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية ولا الاتحاد الإفريقي خطة شاملة في ما يتعلق بشمال موزمبيق.. إن مشاكل البلاد متجذرة في عدم المساواة والفقر والفساد، التي تفاقمت بفعل تأثير شركات الطاقة الفرنسية والأمريكية العابرة للحدود.
يقدم ملف معهد القارات الثلاث حول التدخلات العسكرية الأمريكية الفرنسية في القارة الإفريقية إطاراً لفهم دور المصالح التجارية الفرنسية الأمريكية. قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في يونيو/ حزيران إنه سيسحب نصف القوات الفرنسية من عملية برغان في مالي. هذا النوع من “الانسحاب” جزء من حملة ماكرون للانتخابات الرئاسية في العام 2022، وليس انسحاباً حقيقاً. في الواقع، يتمثل التدخل الحقيقي لفرنسا في إنشاء منصات مثل المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل (مشروع عسكري بقيادة فرنسا يتكون من مالي والنيجر وموريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو)، التي يقوّض وجودها تقدم الاتحاد الإفريقي والسيادة الإفريقية. وتبرر مجموعات مثل المجموعة الخماسية وجودها بالقول إنها تقاتل جماعات مثل الدولة الإسلامية. إنهم لا يذكرون أهدافهم بصدق: الحفاظ على السيطرة على المناطق والبلدان الرئيسية في القارة، وبذلك يحتفظون بالوصول الحصري إلى مواردها المعدنية والطبيعية.
إن الأمم المتحدة محقة، في تقريرها الصادر في يوليو/ تموز، في أن توسع الدولة الإسلامية في إفريقيا هو “تطور مذهل”. لكن اللافت للنظر أكثر هي المشاكل الأساسية: السيطرة على الموارد وسرقتها والمشاكل الاجتماعية المصاحبة لهذه السرقة، أي المحنة الكبيرة التي يعاني منها شعوب إفريقيا. فمثلاً يعاني نصف السكان في جمهورية أفريقيا الوسطى من الجوع، ومن الصعب جداً أن يكون دخول القوات الروندية إلى البلاد في 2019 هو الحل لهذه الأزمة. وفي أفغانستان، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى، يعيش نصف السكان تحت براثن الفقر ويعاني ثلثهم من انعدام الأمن الغذائي، بينما يفتقر ثلثاهم إلى الكهرباء.
وفي الوقت نفسه تشير التقديرات إلى أن 80% من السكان في موزمبيق لا يستطيعون تحمل تكاليف الغذاء الكافي، بينما يواجه 2.9 مليون شخص مستويات عالية من انعدام حاد للأمن الغذائي. إن المشاكل الأمنية الحقيقية تتمثل في انعدام الأمن الغذائي وذلّ الفقر، اللذين تنتج عنهما كل أنواع الاضطرابات – بما في ذلك حركة الشباب.
بدأ تحرير موزمبيق في 1975 في كابو ديلجادو التي تتمزق الآن بالصراع الدائر. لقد استمرت حرب التحرير هذه من عام 1962 وقادتها جبهة تحرير موزمبيق. وكان جزء أساسي في هذه الحرب هو تخليص الثقافة من الاستعمار. هذا هو ما أنتج “الموزمبيقية”، وعي الثورة الجديد. كان نويميا دي سوزا أحد أعظم شعراء الموزمبيقية، وقد نُشرت أعماله في “الزئير الإفريقي”..إن كلماته عام 1958 تتناغم مع مراسلتنا هذه:
إذا أردت أن تفهمني
تعال، انحني فوق روحي الإفريقية
آهات عمال الموانئ السود
رقصات الجوبي المهتاجة
تمرد شانجاناس
اللحن الغريب الذي يتدفق
من أغنية أصيلة طوال الليل.
ولا تسألني بعد الآن
إذا كنت تريد أن تعرفني….
لأني لست أكثر من صَدَفة من اللحم
حيث تجمدت انتفاضة إفريقيا،
وامتلأت صرختها بالأمل.