مدار: 26 آب/غشت 2021
بقلم آنا ماجافو ونمفوندو إكسولو*
تعتبر الحقول الصغيرة والمشاريع الزراعية بمثابة انطلاقة في سبيل تحقيق السيادة الغذائية المستدامة في جنوب إفريقيا، لكن رغم ذلك يبقى توفير دخل مسألة ضرورية من أجل معالجة الجوع على المدى القصير.
لقد كانت منحة الإغاثة الاجتماعية الخاصة بجائحة كوفيد-19 التي قدمتها الحكومة بمثابة شريان حياة لحوالي 10 ملايين شخص ينامون جياعا في كل ليلة في هذا البلد، رغم أنها تعتبر ضئيلة مقارنة مع الـ28.4 مليون عاطل عن العمل و”غير نشط اقتصاديا” في البلاد، وفقا للباحث سيابوليلا ماما.
لذلك عندما قامت الحكومة بوضع حد لهذه المنح، بعد تسعة أشهر فقط من إطلاقها، كجزء من إجراءات التقشف الاقتصادي، تأثر أكثر من خمس ملايين شخص بشكل كبير ممن كانوا يستفيدون شهريا من 350 راند (23.5 دولار). فرغم أن هذه المساعدات لم تكن تكفي سوى لشراء رغيف خبز من أرخص الأنواع يوميا، بالإضافة إلى متطلبات بسيطة جدا – في حين تم استبعاد النساء اللواتي كان لديهن أطفال قصر من الحصول على منحة إعالة الطفل (30.19 دولار) التي كانت تقدم شهريا – إلا أنها أبقت العمال غير المرسمين، عمال المطاعم، تجار الشوارع، والفنانين وغيرهم ممن فقدوا وظائفهم خلال الجائحة، بعيدين شيئا ما عن الجوع.
لقد أدت الاضطرابات التي أثارها فصيل ساخط من داخل الحزب الوطني الإفريقي، هاجم بعنف شاحنات التوصيل في يوليوز/ تموز، إلى خروج آلاف الجياع في مختلف أنحاء البلاد للبحث عما يسد رمقهم، ما أدى إلى نشوب فوضى نهب المحلات الكبرى ومخازن المواد الغذائية، وهذا ما بدا واضحا في مقاطعتي كوازولو-ناتال وجوتينغ.
بعد هذه الأحداث أعادت الحكومة تقديم المساعدات الاجتماعية الخاصة بالجائحة، وتم تمديدها إلى غاية مارس/ آذار 2022، في ظل أمل العديدين أن تتحول إلى منح ثابتة.
يعتبر سيابوليلا ماما، العامل في مركز التعليم والتدريب المتكامل بعد المدرسة بجامعة نيلسون مانديلا، وهو المتحدث باسم حملة #PayTheGrants (إدفعوا المنح) من بين المطالبين بتقديم منح أساسية شهرية قدرها 1268 راند (85.07 دولارات) لمن تتراوح أعمارهم بين 19 و59 عاما. ويرتكز هذا المطلب على أن جنوب إفريقيا لا تتوفر على نظام إعانة، كما أن هذه الفئة العمرية لا تندرج ضمن المخول لهم الاستفادة من معاشات الشيخوخة ومنح دعم الطفل التي تقدمها الحكومة.
يتوصل ماما باتصالات متكررة من المحطات الإخبارية التلفزيونية لمناقشة منح الدخل الأساسي، ويقول في كل مرة: “أكثر من 10 ملايين شخص ينامون كل ليلة جياعا في حين أنهم يعيشون بالقرب من متاجر الطعام، لكنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف اقتنائه. لقد أدى كل ذلك إلى حدوث أزمة، لكن الأزمة هذه المرة كشفت أن النظام الغذائي في جنوب إفريقيا غير عادل ويحتاج إلى الإصلاح”.
لأول مرة منذ 20 عاما اقترح النشطاء توفير منحة دخل أساسية، إذ كانت الحكومة في 2002 “تفكر” في ذلك. جيل جديد من النشطاء على شاكلة ماما يدفعون بهذه الحملة إلى الأمام، متحدين في ذلك مع المشاريع المطالبة بالسيادة الغذائية الشعبية القائمة على الحقول المعيشية وتربية الدواجن.
يعمل ماما مع هذه المشاريع في كل من مدينة جيبيرها الساحلية ومقاطعة كاب الشرقية.
المزيد من السيطرة على الأراضي
تعتبر النساء اللائي يعشن في مستوطنة إخينانا في مدينة ديربان الساحلية، كوازولو-ناتال، جزءا من التوجه الوطني المتزايد نحو الاستيلاء على الأراضي غير المستغلة واستخدامها في الإنتاج الجماعي للغذاء.
تقول نوكوثولا ماباسو، ذات الـ38 عاما، إن حديقة الخضروات المشتركة التي تم إنشاؤها من قبل حركة أبهلالي قاعدة مجندولو سمحت لهم بالرفع من إيراداتهم إلى 3000 راند ( 201.27 دولار أمريكي)، ساعدتهم في إنشاء مزرعة دواجن مشتركة.
وعن الوضع الذي عانوه، تقول ماباسو: “عندما تم الإعلان عن الإغلاق بسبب كوفيد-19، أدركنا أن وظائفنا المؤقتة (غير الرسمية) لم تعد تساعدنا لا نحن ولا عائلاتنا على البقاء على قيد الحياة… عقدنا مجموعة من الاجتماعات والنقاشات حول خلق طرق دخل مستدام للمجتمع، وقد أقسمنا على ألا نسمح أبدا بأن يتضور أي شخص جوعا طالما أن هناك طعام أو المال المتوفر من مشاريع الطعام المجتمعية”.
يمتلك السكان حوالي 300 دجاجة حمراء من رود آيلاند، معروفة باسم الدجاج الأحمر أو زولو، ومزرعة خضروات. وتضيف ماباسو: “مزرعة الدواجن تساعد الآن جميع العائلات التي تكافح لأننا مجتمع موحد. لا يذهب أي طفل في إيخانانا إلى المدرسة أو الفراش بمعدة فارغة”.
إن الوضع الذي عانته جنوب إفريقيا ليس بالأمر الهين، إذ فقد 2.2 مليون شخص وظائفهم بعد إغلاق كوفيد-19 العام الماضي، ونتيجة لذلك أشار مكتب الإحصاء في البلاد إلى أنه بحلول يونيو/ حزيران بلغ معدل البطالة الموسع مستوى قياسيا يصل إلى 43.2%، كما أن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهو تصنيف وافقت عليه منظمات كـ”أوكسفام” والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، خلص مؤخرا إلى أن “9.34 مليون شخص في جنوب إفريقيا (16% ممن تم تحليلهم) يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، لذا وجب العمل بشكل عاجل من أجل تقليص الفجوات الغذائية وحماية سبل العيش”. وقالت IPC إن هذه الأرقام من المتوقع أن ترتفع إلى ما يقارب 12 مليون شخص بحلول يونيو/ حزيران 2021.
ويعتبر استمرار المستوطنات في جنوب إفريقيا بمثابة انعكاس لعدم وجود خيارات قادرة على توفير إقامات منخفضة التكلفة متاحة للعائلات الفقيرة في مناطق جيدة وبالقرب من المرافق العامة. لقد استولت 109 عائلات على هكتارين من الأرض عام 2008 في إيخانا بعد أن تم طردها من الأكواخ التي كانت تستأجرها، وأطلق أفرادها على مستوطنتهم الجديدة إيخانا، معبرين عن أن الاسم يمثل تطلعاتهم لتحويل المستوطنة إلى مكان مناسب لعيش البشر، مع تلبية جميع احتياجات السكان بشكل جماعي.
يقول رئيس حركة أبهلالي بازمجندولو، سبو زيكودو: “تسمح المستوطنات للناس بالعيش على أرض بموقع جيد وبالقرب من فرص كسب العيش، التعليم والمشاركة في التخطيط الحضري والميزات الأخرى لمواكبة التغير الذي يحدث. بالطبع، يسمح الاستيلاء على الأراضي للناس أيضًا ببناء منازل وقاعات مجتمعية ودور حضانة ومدارس سياسية، بالإضافة إلى كل ذلك غالبا ما يسمح بتوفير مساحات خاصة بالبستنة الحضرية والزراعة”.
وعملت الحركة على مدار الـ13 عاما الماضية على إنشاء مشاريع زراعية جماعية، كانت من أولها حديقة عضوية للنساء تم إنجازها في موتالا هايتس عام 2008؛ كما تم دعم تطوير مجموعة من الحقول المماثلة في مستوطنة إيموس. يقول زيدوكو: “لم يضمن هذا المشروع حصول العائلات على الطعام فحسب، بل منح النساء أيضًا بعض الاستقلالية عن أشكال العمل الاستغلالية والعرقية”.
محاربة الفقر بأبعاده المتعددة
تعتبر مقاطعة كاب الشرقية ثاني أكثر المقاطعات فقرا في جنوب إفريقيا. وأبرزت التقارير الأخيرة أن 78.7% من الأطفال الذين يقطنون في هذه المنطقة يعيشون في “فقر متعدد الأبعاد”. هذا لا يعني فقط أن البالغين أصبحوا عاطلين عن العمل وليس لهم دخل، بل يعني أيضا أن الأسر ليست لديها وسيلة للحصول على الطعام أو وقود الطبخ أو الكهرباء أو مياه الشرب النظيفة؛ كما تعيش في منازل غير مقاومة للعوامل الجوية، وتفتقر إلى الأجهزة الأساسية وليس لديها صرف صحي.
كانت الجائحة وما واكبها من إغلاق بمثابة إعادة إيقاظ لجهود الطبقة العاملة من أجل إنتاج الغذاء على الأراضي غير المستخدمة في المقاطعة. في جيبيرها تم إنشاء 10 حقول طعام من الأراضي المستصلحة وأراضي المدارس والعيادات العمومية. في ظل الاستعمار والفصل العنصري، تم تخصيص الأراضي الأكثر خصوبة والأكثر جودة للبيض، في حين تم إنشاء البلدات الخاصة بالسود على أراضي تصعب زراعتها.
يقول ماما: “يتطلب الأمر جهدا هائلا للناس لإنشاء تربة صحية من الأراضي الهامشية… إنه عمل شاق للغاية”. ويعمل ماما مع Sibanye Eco-Gang، وهي مجموعة من النشطاء والنقابيين السابقين الذين يستعيدون الأراضي الهامشية في كوازاخيلي – وهي بلدة تأسست في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي – لاستيعاب السود الذين تم إبعادهم قسرا من كورستين بالقرب من وسط المدينة.
روجر مافو، 45 عاما، انسحب من جنرال موتورز قبل عامين، وكان منذ ذلك الحين ناشطا مجتمعيا متفرغا ومتطوعا في كوازاخيلي، وهو عضو نشط في Sibanye Eco-Gang.
“العمل في مكان كهذا يعتبر عبودية حديثة على أي حال، لذلك لم أشعر بخيبة أمل بسبب تقليص النفقات”، يقول مافو، مضيفا: “من الناحية السياسية، هذه مناطق محرومة، فهناك نسبة عالية من البطالة والفقر. لذلك تساءلت أثناء الإغلاق لماذا لا نتحرك ونبدأ العمل في الحقول؟ الناس المتعلمون يسمونها السيادة الغذائية”.
أنشأت Sibanye Eco-Gang بعض الحقول المعيشية في ساحات صغيرة من الأراضي الفارغة التي كانت تستخدم لـ”جمع المياه واستخدامها على شكل صنابير”، وكان يفضلها نظام الفصل العنصري. خدمت في كل من هذه الصنابير المفردة 36 عائلة من السود ممن لم يكن لديهم مياه جارية في منازلهم، وكان عليهم الاصطفاف لجمع المياه في دلاء.
يقول ماما إن استخدام مثل هذه الصنابير انتهى عندما تم بناء مساكن منخفضة التكلفة بعد نهاية الفصل العنصري، وأصبحت قطع الأرض التي أقاموها للصنابير مواقع غير رسمية وخطيرة للنفايات، مسترسلا: “عندما تم تبني الإغلاق الشامل رأينا فرصة لتغيير مواقع الأزبال هذه إلى مزارع مشتركة، وقد تم ذلك من خلال عدد من الاجتماعات المجتمعية مع كل فرد في المنطقة… يلتقي المهتمون الآن كل يوم من أيام الأسبوع في الساعة 8 صباحًا لمعرفة ما يجب القيام به في كل حديقة”.
يتم توفير الطعام للجميع من هذه الحقول الصغيرة، سواء أكانوا قادرين على دفع ثمنه أم لا. ويقول ماما: “هذا فهم يمكن أن تمتلكه الأسواق المجتمعية فقط، فقد لا يمتلك الناس المال على الفور، لكن الغذاء هو أولاً وقبل كل شيء مصدر للتغذية وثانيًا عنصر للتجارة، لذا لا يجب أن يربط بشكل صارم مع المال”. تعقد الحقول المختلفة تجمعات كل شهرين، للجمع بين الأعضاء لتقاسم وحماية المعرفة التقليدية لإنتاج الغذاء. عندما يتم الحصول على محاصيل ثمينة مثل قصاصات البطاطس الحلوة، يتم اتخاذ قرار ديمقراطي حول كيفية مشاركتها في المجتمعات.
ولأنهم يطالبون بأراضي هامشية لأغراض سياسية، فإن النشطاء لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم بستانيون.
“لقد وصلنا إلى رؤية تعتبر أن هذا العمل ليس مجرد بستنة، ولكنه عمل شاق يقوم به في أغلب الأحيان رجال الطبقة العاملة الذين تعرض معظمهم للتهميش والعنصرية في مجتمعنا. إن هذه الكلمة، “بستاني”، تمحو كل العمل المفيد اجتماعيًا لإنتاج الغذاء المعيشي، لذا يجب التخلص منها واستبدالها بـ isiXhosa ukulima (المزرعة) و abalimi (المزارعون) اللتين تشيران إلى الأشخاص المشاركين في الزراعة المجتمعية”، هكذا تحدث فويوكازي مادي، 35 عاما، وهو مزارع يعمل في مجموعة أماندلا في امتداد كوادويسي، على بعد بضعة كيلومترات من كوازاخيلي.
التنظيم السياسي مع السيادة الغذائية
على الجانب الآخر من المدينة، تقع مستوطنة زويلدينجا التي تضم 400 شخص فقط، يحاولون الربط بين التنظيم السياسي ومشاريع السيادة الغذائية.
عندما بدأت الجائحة، عرف السكان أن التطوير الموعود لمنطقتهم سيتم تعليقه، لذلك استغلوا إمدادات الكهرباء لضاحية Seaview المجاورة الثرية. عندما قطعت بلدية نيلسون مانديلا باي الإمدادات قام السكان بقطع شجرة ضخمة لسد الطريق، ومنعوا وصول السكان الأثرياء إلى منازلهم. أدى ذلك إلى إعادة توصيل الكهرباء في زويلدينجا.
وكانت المستوطنة منظمة للغاية على مدى السنوات الثلاثين الماضية منذ أن احتل سكانها أراضي عامة، كما تتولى لجنة المواطنين المنتخبين ديمقراطيا تنظيم الإضرابات.. وتضم اللجنة ثلاثة ممثلين عن اللجنة الفرعية للمستوطنة، التي تشرف على ست حقول صغيرة في المستوطنة توفر السبانخ والجزر والشمندر والملفوف لجميع السكان والماعز في المنازل.
“سياسيا، نحن ندعو إلى توصيل أكبر بالصنابير، فلدينا ثلاثة صنابير مجتمعية فقط لجميع عائلاتنا يتم جلب المياه منها، وفي بعض الأحيان لا تكون المياه متوفرة في جميع الصنابير الثلاثة”، يقول عضو اللجنة الفرعية للمستوطنة ويليل غونكوبا، مضيفا: “كما نخطط لعمل سياسي آخر قائم على المطالبة بالمنازل، سنقوم بإغلاق الطريق كما فعلنا في المرة السابقة، حيث فرضنا من خلال هذا العمل السياسي تزويد البلدية لنا بالكهرباء”.
تأمل الاشتراكية نتسيكا ماتيتا، 31 عاما، توسيع الحركة من خلال تجربة حقول الزراعة المستدامة في الساحات العامة والفناء الخلفي في القرى الريفية، ودعم المشاريع الحضرية لإنشاء بنوك البذور وحماية النباتات الطبية المحلية وزراعتها. ماتيتا هو منسق الكاب الشرقية من أجل تجميع المياه، وهي منظمة شاملة لنحو 40 مجتمعا متضررا من نقص المياه والغذاء وارتفاع فواتير المياه.
اتخذ ماتيتا مؤخرا خطوة غير معتادة بالانتقال إلى قرية نائية تضم 200 أسرة فقط، هي قرية إلونديني، على بعد حوالي 30 كيلومترا من مدينة أليس الجامعية في الكاب الشرقية. تأسست إلونديني، التي بنيت على منحدر تل صخري شديد الانحدار، عام 1986 بعد أن أجلت حكومة الفصل العنصري بالقوة مئات السود من أرض أفضل بكثير على بعد حوالي 20 كيلومترا، تم تفويتها في ما بعد إلى أحد الأسياد. يقول ماتيتا: “لقد وضعت حكومة الفصل العنصري الناس في أكواخ صغيرة وتركتهم هنا بدون ماء”.
تم توفير 10 هكتارات من الأراضي المملوكة Eco-hostel Elundini Backpackers لماتيتا قصد إنشاء مزرعة، وبدأ بإنشاء حديقة تجريبية للزراعة المعمرة تضم أكثر من 50 نوعا مختلفا من الخضروات والأعشاب والنباتات الطبية الأصلية والتوت. في هذه الحديقة، يختبر ماتيتا تقنيات الزراعة المفيدة التي لا تتطلب الكثير من المال، مثل الزراعة بدون حفر وبدون ماء. تنتج هذه الحديقة الخالية من مبيدات الآفات بذورا عضوية تتم زراعتها في بيئة مبنية من مواد أعيد تدويرها.
يقول ماتيتا: “لقد رأينا الحاجة إلى المزيد من المرونة الغذائية عندما ضربت الجائحة، فالإغاثة الغذائية من الحكومة [الوجبات الصغيرة من الكربوهيدرات البيضاء المصنعة مع القليل من البروتين أو الخضار] فشلت في إنقاذ شعبنا. كان الشيء الأكثر أهمية هو تكوين المشاعات الجماعية حتى يتمكن الناس من امتلاك رفاهيتهم، فنحن نحاول إنشاء اقتصاد دائري محلي هنا لأننا بعيدون عن المدينة، ولا نريد أن يضيع الناس أموالهم في السفر لشراء الطعام”.
أما في ما يتعلق بالاضطرابات الأخيرة ونهب الطعام، يقول ماتيتا: “إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتثبيتها من قبل الشركات المصنعة للأغذية، وحقيقة أنه لا يمكن لغالبيتنا الوصول إلي الغذاء، يظهر بوضوح أن النظام الغذائي بأكمله في جنوب إفريقيا معطل”.
مثل مجموعات السيادة الغذائية في جيبيرها، على بعد 250 كلم، يستشير ماتيتا لجان القرية وينظم ورش عمل مع القرويين لتحفيزهم على توسيع المشروع.
“الناس هنا لا يزرعون سوى الذرة والبطاطس، لذلك لا يرون زراعة الخضروات كطريقة موثوقة لإطعام أنفسهم، كما اعتادوا على استخدام المبيدات. لكن الآن، من خلال الحديقة التجريبية، يمكن للقرويين حصاد الخضروات الخالية من المبيدات الحشرية والمزيد من المواد الغذائية النادرة، مثل الهندباء والتوت والبرسيم والنباتات البرية الأخرى، التي تقدم التغذية في شكل سلطات”، يقول ماتيتا، مضيفا: “هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تزدهر هنا، نحتاج فقط إلى التجربة أولا ومعرفة ما ينجح. فلسفتي هنا هي أنه إذا أعطيتك خمس بذور هذا الموسم فيجب أن تعطيني 50 بذرة في الموسم المقبل، فهذه طريقة جيدة لتوسيع حركتنا”.
ويزيد المتحدث ذاته أن مشروع الزراعة أصبح أداة تنظيمية مهمة، لأن “الناس هنا غير مسيسين ومغتربين عما يحدث على المستوى الوطني وفي القارة وفي بقية العالم”، معتبرا في الآن نفسه أن “النظام السياسي الذي يمسك بزمام الأمور هو نظام مناهض للإنسان ولا يظهر أي احترام للبيئة أو الناس”.
يتمثل الهدف طويل المدى الذي عبرت عنه هذه المجموعات الزراعية الحضرية والريفية في إنشاء مجالس ديمقراطية للمزارعين على مستوى القاعدة، تجتمع بانتظام وتتواصل مع الحركة العمالية، ما يؤدي إلى تحصين السيادة الغذائية وإلى تنظيم الطبقة العاملة.
ومع ذلك فإن مشاريع السيادة الغذائية الجماعية ليست هي القاعدة، وسوف يستغرق الأمر وقتا حتى تنتشر إلى مناطق فقيرة أخرى. في غضون ذلك، يبدو أن منحة الدخل الأساسي هي الطريقة الوحيدة لدرء الجوع الجماعي في جنوب إفريقيا.
لكن ماما تشير إلى أنه لكي تنجح المنحة من الضروري أن يتم تقديمها من قبل “العاطلين عن العمل والنساء والعاملين غير المرسمين”، خاتمة: “يجب على الحكومة التشاور مع الناس الذين تستهدفهم. لا يمكن أن تكون المنحة نتاج مناقشات مع المنظمات غير الحكومية والتكنوقراط”.
*: “الجوع في العالم” هو سلسلة ساهم في إنتاجها كل من: “آ إر جي ميديوس“، “برازيل دي فاتو“، “بريك ثرو نيوز“، “مدار“، نيو فرايم” “نيوز كليك” و “بيبلز ديسباتش“.