مدار: 07 حزيران/ يونيو 2022
تعيش تونس في ظل وضع اقتصادي واجتماعي صعب، ساهمت فيه بشكل كبير مخلفات جائحة كوفيد-19، لكن الأمر ازداد سوءا بفعل الفراغ السياسي والقرارات الفردية منذ قرارات الـ25 من يوليوز التي اتخذها الرئيس قيس سعيد، وما تلاها.
هذه القرارات أحدثت انقساما في الشارع؛ فرغم أن السواد الأعظم كان موافقا على تنحية حزب النهضة من الحكم، إلا أن القرارات التي تلت ذلك وضعت كل السلط بين يدي شخص واحد، أخذ على عاتقه إسقاط كل المؤسسات وإعادة تشكيلها وفقا لرؤيته.
وبالنظر إلى مجريات الأمور في الوقت الحالي فإننا أمام طريق يؤدي إلى استفتاء من أجل دستور تم تكوين لجنته قبل العملية الانتخابية بشهرين فقط؛ هاته اللجنة التي عينها الرئيس شخصيا من شخصيات معروف ولاؤها له دون أن يكون للأحزاب أي دور فيها، كل هذا في ظل التقارير الدولية التي تنتقد العملية بأكملها.
لجنة صياغة الدستور ودورها
كان الرئيس قيس سعيد أعلن في الأيام الأولى من أيار/ مايو عن تشكيل لجنة تقوم بالإشراف على صياغة الدستور؛ وتتولى تقديم مقترحاتها إلى الهيئة الوطنية الاستشارية حول تطلعات التونسيين انطلاقا من المطالب التي كانوا قد رفعوها، واستنادا إلى الاختيارات التي عبر عنها المشاركون في الاستشارة الإلكترونية التي أطلقها سعيّد مطلع العام الجاري.
وتعرض اللجنة الاستشارية تقريرها النهائي في 13 يونيو/حزيران الجاري كأقصى حد على منسق “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة”، وأستاذ القانون الدستوري، الصادق بلعيد؛ على أن يناقش لاحقا في لجنة الحوار الوطني التي ستقدم المقترحات للرئيس في أجل أقصاه 20 حزيران/ يونيو الجاري.
على أن يتم بعد اختتام هذه الأشغال ونشرها بالرائد الرسمي للجمهورية تأليف هذه الرؤى ضمن مشروع دستور جديد يوضع للاستفتاء في الـ25 من يوليو/ تموز المقبل.
هذه اللجنة عقدت أولى جلساتها يوم السبت الماضي، بحضور بعض الشخصيات والأحزاب، فيما قاطعها الاتحاد العام للشغل والأحزاب التي لها صيت داخل البلاد، في وقت وجهت الدعوة لبعض منظمات المجتمع المدني.
تصريحات رئيس “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة”
رغم قلة خرجاته الإعلامية إلا أن الصادق بلعيد، رئيس “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة”، كانت له مقابلة إعلامية أماطت اللثام عن العديد من النقاط التي تجعل من الدستور الجديد دستورا لفئة معينة دون أخرى.
في خرجته الإعلامية أكد الصادق بلعيد أن لجنته لا يمكن أن يتواجد فيها من هم غير موافقين على القرارات التي جاءت بها 25 يوليوز/ حزيران، ليغلق بذلك الباب أمام كل من له رؤية خاصة لما يمكن أن تكون عليه البلاد.
كما أكد أستاذ القانون الدستوري أن لجنته هي المخولة الوحيدة بتوجيه الدعوات إلى من يمكنهم الحضور، ويمكنهم الرفض أو القبول، مشيرا إلى أنه لن يتم الإعلان عمن رفض الحضور، وزاد: “هناك من سيحضر فقط للاطلاع أو تناول فنجان قهوة والمغادرة بعد ذلك”.
وأضاف الصادق بلعيد أن الأحزاب غير قادرة على لعب دور في العملية السياسية، وأنه من أجل بناء دولة قوية كان يجب إعادة البناء كله، مشبها الواقع الحالي بالمنزل المتهالك، وجب معه إسقاط كل شيء وإعادة البناء من جديد.
تقرير لجنة البندقية ورد فعل قيس سعيد
أصدرت لجنة البندقية، وهي تسمية مختصرة للجنة الأوروبية للديمقراطية عن طريق القانون -تأسست عام 1990- وتعتبر جهازا استشاريا لمجلس أوروبا في القضايا الدستورية، تقريرا تضمن انتقادات لإجراء استفتاء على دستور جديد في تونس.
وتطرق التقرير لـ”غياب قواعد واضحة ومحددة سلفا لإجراء الاستفتاء”، المقرر إجراؤه في 25 يوليو/ تموز المقبل، واعتبر أن تعديل قانون هيئة الانتخابات يجب أن تسبقه مشاورات مكثفة تشمل القوى السياسية والمجتمع المدني.
من جهته، انتقد قيس سعيد هذا التقرير، معتبرا إياه تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد، وطالب في الآن نفسه وزير الخارجية بتعليق عضوية البلاد في لجنة البندقية وطرد ممثليها.
المثير للانتباه أن قيس سعيد تحدث عن طرد ممثلي اللجنة رغم أنها استشارية وليس لها تواجد في دولة معينة، بقدر ما ترفع تقارير في ما يتعلق بالمسائل القانونية والدستورية للبلدان، وهو الأمر الذي دفع الكثيرين إلى القول إن هذا التعاطي استمرار في نهج الرئيس التونسي في إظهار نفسه في الخرجات الإعلامية المتلفزة على أنه يواجه الجميع.
الهيئة المستقلة للانتخابات فوق المساءلة
بعد أن شهدت الهيئة إعادة هيكلة من طرف الرئيس وتعيينات قام بها شخصيا من خلال مراسيم، ورغم وصفها بـ”الفاسدة”، إلا أنه أعاد تعين العديد من الشخصيات التي كانت فيها، دون أن يتم الإعلان عن الجوانب التي كانت فاسدة.
وفي إطار التحضير للاستفتاء قام الرئيس قيس سعيد بإصدار عديد المراسيم التي تعتبر خطة عمل الهيئة، ولعل أهمها هو تمكينها من تكليف المشاريع دون الحاجة إلى المرور بالمناقصة والطرح، وهو الأمر الذي اعتبره الكثيرون مخالفا للقانون.
كما تم إعطاء أوامر للوزارات والبنك المركزي على أساس توفير جميع الإمكانيات المادية والمعنوية للهيئة بصفة عاجلة، مع تيسير المساطر. وأكدت المراسيم أن لدى الهيئة السلطة الكاملة في تحديد المتطلبات، مع وجوب انصياع المؤسسات العمومية لطلباتها.
ولم يفت قيس سعيد التأكيد من خلال مرسوم عمل الهيئة أن نفقاتها تعفى من الرقابة المسبقة للمصاريف العمومية، ما يفتح الباب أمام تبذير المال العام دون محاسبة، وفق منتقدي القرار.
تحالف ضد الاستفتاء وقمع أولى تظاهراته
في ظل هذا الوضع الذي أصبح يتم فيه الترويج للدستور الجديد على أنه أمر واقع ولا بد منه، أعلنت 5 أحزاب تونسية، الخميس الماضي، إطلاق حملة لإسقاط الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد.
وجاء ذلك من خلال بيان مشترك لكل من حزب العمال وحزب القطب والحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، تلاه أمين عام حزب العمال حمة الهمامي، في مؤتمر صحافي عُقد بأحد فنادق العاصمة التونسية.
وصرح الهمامي بأن الأحزاب المذكورة ستطلق “الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء على الدستور انطلاقا من رفض المشاركة فيه وصولا إلى الدعوة إلى مقاطعته”، مضيفا أنه “سيتم القيام بجملة من الأعمال الميدانية والإعلامية المستقلة بهدف حماية البلاد من مخاطر التفكك والتصدي لكل أشكال انتهاك السيادة الوطنية وضرب الحريات العامة والفردية”.
واسترسل المتحدث ذاته: “سيتم الانفتاح على كل القوى والشخصيات والفعاليات السياسية الديمقراطية والتقدمية التي تلتقي مع الحملة في أهدافها واستقلاليتها من أجل إسقاط الاستفتاء”؛ وهو الأمر نفسه الذي سار عليه الأمناء العامون لباقي الأحزاب، مؤكدين عزمهم التصدي لتحول تونس إلى دولة مارقة، والعودة إلى مسار العمل بالدستور وتطويعه لأمر الحاكم بأمره.
وبعد إطلاق الحملة، أعلن عن أولى التظاهرات الاحتجاجية التي خصص لها محيط الهيئة المستقلة للانتخابات مكانا من أجل إيصال رسالة المتظاهرين.
وتمت مواجهة هذه التظاهرة بعنف من القوى الأمنية التي منعت وصولها إلى محيط الهيئة؛ كما تم تعنيف قيادات الأحزاب المشاركة.