مصر.. مقتل “طلاب الجلالة” يعري أعطاب التعليم الجامعي الخصوصي

مشاركة المقال

مدار: 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2024

لقي 13 طالبًا مصرعهم وأصيب 33 آخرون في حادث انقلاب حافلة على طريق الجلالة السريع، أحد الطرق الحيوية التي تربط العاصمة المصرية القاهرة بمدينة العين السخنة، مساء الاثنين، مما أثار المزيد من القلق حول إجراءات السلامة المتعلقة بنقل الطلاب وجودة الخدمات المقدمة في المؤسسات التعليمية المصرية.

وزارة الصحة والسكان المصرية قالت إنها دفعت بـ30 سيارة إسعاف لنقل المصابين إلى مجمع السويس الطبي، وسط متابعة من متخصصين للتأكد من تلقيهم الرعاية الطبية اللازمة. أما النائب العام المصري فأمر بفتح تحقيق في ملابسات الحادث المروع.

وكشفت التحقيقات الأولية أن سائق الحافلة كان يقود بسرعة كبيرة، وانحرف عن مساره في منعطف خطر، كما أظهرت الفحوصات تعاطيه مواد مخدرة، وتم التحفظ على السائق، وأمرت النيابة العامة بحبسه احتياطيًا على ذمة التحقيق.

ومع ذلك، عبر بعض الناجين وأهالي الضحايا عن استيائهم من تحميل السائق وحده مسؤولية الحادث، وأكدوا أن العطل الميكانيكي في الحافلة، وخاصة فشل المكابح، كان السبب الرئيسي وراء انقلاب الحافلة، وقال أحد الناجين: “شممنا رائحة حريق داخل الحافلة قبل الحادث، وحاول السائق تفادي الوقوع من على الجبل بانقلاب الحافلة.”

الحادث أثار غضبا واسعا بين زملاء وذوي الضحايا، ونظم عدد من الطلاب وقفة حداد داخل حرم الجامعة، حيث علقوا صور وتفاصيل الضحايا على الجدران، مرددين أسماءهم بشكل جماعي تحت وسم “شهداء الجلالة”.

وفي رد فعل استنكاري للحادث المأساوي، دعا الطلاب إلى تغيير اسم “الجلالة” إلى “جامعة الموت” مع تكرار المخاوف على حياتهم بسبب سوء حالة الطريق منها وإليها، بالإضافة إلى تردي عدد من الخدمات الأخرى، على الرغم من المصروفات الباهظة المطلوبة منهم كل عام.

لاحقا أعلن الطلاب إضرابهم عن الدراسة إلى حين تحقيق مطالبهم، ومن بينها الانتهاء السريع من تجهيز المستشفى الجامعي الخاص بجامعة الجلالة، وتكليف لجنة مختصة للبدء بإنشاء وحدة الطوارئ بالجامعة إلى حين ذلك، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة للمصابين، وإقامة نقاط إسعاف على كامل الطرق الخاصة بالجامعة، وإحداث موقف عام تحت إشراف المحافظة، وسكن يتسع للدفعات الحالية (12 ألف طالب)، وتطوير الطرق المؤدية إلى الجامعة، وجميع الطرق المجاورة، والبدء بتشغيل مدينة الجلالة وتوفير مرافق حكومية بها، وتجهيز الطرق بالكمائن والرادات لتجنب مثل هذه الحوادث، وإضافة صيدلية ونقطة للمطافئ داخل الجامعة.

كما دعا الطلاب إدارة الجامعة إلى محاسبة المسؤولين، ومراعاة أعداد القبول بما يتناسب مع الخدمات المقدمة، وتحسين جودة المعيشة في السكن من حيث شبكة الاتصالات وتحسين جودة المرافق، ومراقبة الشركات الخارجية الخاصة بنقل الطلبة وتنظيم عملها عن طريق التحاليل والفحوصات الدورية للسائقين.

كما دعت منظمات طلابية وشبابية إلى فتح تحقيق شامل لا يقتصر على تحميل السائق وحده المسؤولية، بل يمتد لمحاسبة الجامعة والجهات الحكومية المعنية بسلامة الطرق والنقل وحماية أرواح المواطنين وعلى رأسهم الطلاب، واتخاذ إجراءات حاسمة تضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث المأساوية وتوفير بيئة تعليمية آمنة للجميع.

وشدد المتضامنون على أن تكرار حوادث السير على طريق الجلالة يكشف عن “إهمال كبير” في معايير الأمان والسلامة، مؤكدين أن تدهور البنية التحتية وغياب الرقابة على وسائل النقل يزيد من مخاطر تكرار تلك المآسي.

من جهتها، أعلنت إدارة الجامعة عددا من القرارات في هذا السياق، من بينها تشكيل فريق دعم صحي ونفسي ودراسي لحالات المصابين، نظرًا لأن آثار ما بعد الصدمة قد تؤثر على أدائهم الدراسي بعد تلك اللحظات العصيبة.

كما أعلنت تحمل كافة نفقات العلاج دون التقيد بالحد الأقصى للتغطية التأمينية للطلاب، وتقديم منحة بنسبة 50٪ لكل المصابين بالحادث، وذلك حتى تمام التخرج.

وأعلنت الجامعة أيضا دراسة التوسع في السكن الجامعي في مدينة الجلالة ليشمل الجميع، بالتعاون مع الجهات المسؤولة، وتوفير وسيلة نقل آمنة عاجلة للمقيمين في قرية بورتو من وإلى الجامعة دون أي أعباء مالية، حتى يتم توفير سكن لهم في مدينة الجلالة، فضلا عن دعم طلاب الجامعة نفسيًا في مواجهة الحادث، وتحليل طلباتهم المشروعة وتنفيذ ما يقع في نطاق صلاحيات إدارة الجامعة على الفور.

كما شملت القرارات زيادة التوعية بين الطلاب حول مخاطر استخدام باصات غير آمنة، ومناشدة الطلاب لاستخدام وسائل النقل الرسمية المراقب عليها، مع توفير كافة السبل التي تضمن راحة وسلامة الطلاب على الطريق.

طريق الجلالة، الذي افتتح عام 2018، وُعد بأن يكون أحد الطرق الأكثر أمانًا في مصر، ولكنه شهد العديد من الحوادث المميتة منذ ذلك الحين. يمتد الطريق بطول 82 كيلومترًا ويربط القاهرة بالعين السخنة، وهو جزء من شبكة الطرق الجديدة التي تم الترويج لها كجزء من خطة تطوير البنية التحتية في مصر. لكن على الرغم من وعود السلامة، يستمر الطريق في حصد أرواح المسافرين، وخصوصًا الطلاب الذين يستخدمونه بشكل يومي.

ويثير تكرار مثل هذه الحوادث تساؤلات بشأن سياسات الجامعات الخاصة والأهلية في مصر، التي تقدم نفسها كبديل لمؤسسات التعليم الحكومية، حيث تُعد جامعة الجلالة، التي أسستها الحكومة المصرية لتكون “منار”ة للتعليم العالي في الشرق الأوسط، و”نموذجًا” للجامعات التي تسعى لجذب الطلاب من خلال بنية تحتية حديثة وبرامج تعليمية متميزة، بحسب تصريحات مسؤولي التعليم العالي حينها، لكن خلف هذه الصورة، تظهر مشكلات عميقة تتعلق بسلامة الطلاب.

في سياق متصل، تبلغ مصروفات الطلاب الرسمية في جامعة الجلالة 120 ألف جنيه (حوالي 2400 دولار أمريكي) سنويًا، وهي من بين أغلى الجامعات في البلاد. ورغم ذلك، لا يحصل الطلاب على خدمات سكن كافية أو وسائل نقل آمنة. ويدفع هذا الكثير من أولياء الأمور إلى اختيار السكن خارج الحرم الجامعي، ما يجبر الطلاب على السفر يوميًا لمسافات طويلة على طرق خطرة مثل طريق الجلالة.

وتواجه الجامعات الخاصة والأهلية اتهامات بكونها مؤسسات ربحية تهتم أكثر بجني الأموال من تقديم تعليم وخدمات آمنة.

جامعة الجلالة ليست الوحيدة التي تتعرض لمثل هذه الأزمات. يعاني الطلاب في معظم الجامعات الخاصة من نقص حاد في الخدمات الأساسية، مع تحميلهم تكاليف باهظة للرسوم الدراسية والخدمات، في حين تفتقر تلك الجامعات إلى معايير السلامة والبنية التحتية اللازمة لحماية طلابها، حسب ما يعبر عنه العديد من مرتادي هذه المؤسسات.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة