مدار: 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2025
تحولت الصناعة العراقية من رافد رئيسي للاقتصاد الوطني ومصدر لمئات الآلاف من الوظائف، إلى قطاع يصارع الاندثار الكامل، قطاع بات يواجه اليوم ما يصفه خبراء بـ”مجزرة اقتصادية” ممنهجة، لم تكن نتيجة حرب أو تقادم فني فحسب، بل نتاج تراكم سياسات حكومية خاطئة حوّلت البلاد إلى سوق استهلاكي يعتمد على الاستيراد، وخدمت مصالح المتنفذين على حساب الاقتصاد الوطني. تقرير من جريدة “الطريق” العراقية يسلّط الضوء على هذه القضية.
يتفق خبراء ومراقبون على أن الانهيار لم يكن عفوياً، فالأمين العام لاتحاد نقابات عمال العراق عدنان الصفار، والخبير الاقتصادي صالح الهمّاشي، وعضو مجلس النواب السابق عبد الخالق العزاوي، يجمعون على أن “غياب الرؤية” و”تفكك المنظومة الإنتاجية” و”الاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية” هي الأسباب الجذرية التي أوصلت القطاع الصناعي إلى حافة الهاوية، وفق ما نقلته “الطريق”، مضيفة أنه، بدلاً من حماية المنتج المحلي وتطويره، أغرقت الحكومات المتعاقبة السوق بالاستيراد العشوائي، مما جعل المنافسة مستحيلة.
قبل عام 2003، كانت المصانع العراقية تنتج ما يصل إلى 250 سلعة وتوفر فرص عمل لنحو نصف مليون عامل، أما اليوم، فقد تحول قرابة 80% من هذه المصانع وخطوط الإنتاج إلى “خردة”، بحسب العزاوي، وحتى المصانع التي لا تزال قائمة، فإن نحو 70% منها تعمل بأقل من 20% من طاقتها التصميمية، كما يؤكد الهمّاشي، وكانت النتيجة تسريحاً جماعياً لآلاف العمال، وخسارة كوادر فنية مدربة شكّلت يوماً العمود الفقري للصناعة، يضيف المصدر نفسه.
ويرى عدنان الصفار أن هذه السياسات “تصب في مصلحة رجال الأعمال والمستثمرين والمتنفذين وأحزاب السلطة”، محذراً من أن ما يسمى بفرص الاستثمار تحول في كثير من الأحيان إلى “بوابات للفساد وغسل الأموال”. ويشير إلى أن أصول الشركات العامة من أراض ومعدات، والتي تمثل ثروة للشعب، أصبحت مهددة بالبيع في مزادات علنية، مما يقضي على أي أمل حقيقي في إحياء الصناعة.
ولا يقتصر الأثر على الجانب الاقتصادي المباشر، بل يمتد إلى الأمن الوطني، فالخبير صالح الهمّاشي يشدد على أن “المعادلة الاقتصادية في العراق لن تستقيم ما لم يُعَد النظر في مفهوم الأمن الاقتصادي بوصفه ركيزة للأمن الوطني”، فإعادة بناء الصناعة لم تعد ترفاً، بل ضرورة استراتيجية يمكن أن توفر ما بين 600 إلى 700 ألف فرصة عمل خلال سنوات قليلة، وترفع الناتج المحلي غير النفطي بنسبة لا تقل عن 5%، وتعيد التوازن إلى سوق العمل والمجتمع، وبدون خطة وطنية شاملة، سيبقى الاقتصاد العراقي رهينة للمنتج الأجنبي وهشاً أمام الأزمات، توضح الصحيفة العراقية “الطريق.
 
                                                                 
															
