كيف أقرّ مجلس الأمن قرارا يكرّس الإدارة الاستعمارية الأمريكية لقطاع غزة

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مدار: 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025

أقر مجلس الأمن الدولي، الاثنين 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة يؤيد خطة الرئيس دونالد ترامب بشأن إدارة قطاع غزة المنكوب. 

ويقضي القرار بتسليم السيطرة على القطاع لما سمي بـ “مجلس السلام” بقيادة واشنطن، بالإضافة إلى هيئة أخرى تسمى “هيئة الاستقرار الدولية” ذات مهام “أمنية”، سيتم نشرها أيضا في غزة. في نهاية المطاف يخضع الهيكلين لدونالد ترامب، وستعملات بتنسيق وتشاور دائمين مع إسرائيل.

ولم يواجه مشروع القرار أي تصويت بالفيتو من الدول الدائمة العضوية، بينما صوتت الجزائر لصالحه، إذ حصل على تأييد 13 عضواً، بينما امتنعت كل من روسيا والصين عن التصويت.

القوى والفصائل الفلسطينية وصفت القرار بأنه “أداة للوصاية وشراكة دولية في إبادة شعبنا”، مبيّنةً أنه يتجاوز المرجعيات الدولية ويمهد لترتيبات ميدانية خارج الإرادة الوطنية، وأكدت أن أي قوة دولية بالصيغة المطروحة ستتحول إلى “شكل من أشكال الاحتلال الأجنبي الإضافي” و”أداة جديدة للعدوان”.

وكانت حذّرت منظمة “القانون من أجل فلسطين”، في موجز سياساتي، من أن مشروع القرار لا  يستند إلى إطار قانوني دولي، بل يهدف إلى خلق “نظام موازٍ” قائم على الأمن والسيطرة الأجنبية. 

ويرى كريغ مخيبر، الخبير في القانون الدولي والمسؤول السابق في مفوضية حقوق الإنسان، أن قرار مجلس الأمن الدولي، الداعم لخطة ترامب بشأن قطاع غزة، “يتجاهل القانون الدولي، ويعاقب الفلسطينيين، ويكافئ المسؤولين عن الإبادة الجماعية”.

وحسب قراءة لمخيبر في قرار مجلس الأمن، فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن مجلس الأمن يسلّم السيطرة على غزة والناجين من الإبادة الجماعية للولايات المتحدة، الشريك في ارتكاب الإبادة الجماعية، وينص على مشاركة النظام الإسرائيلي في صنع القرار.

من خلال هذه الخطة، لن يسمح للفلسطينيين بالمشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بحقوقهم، وحكمهم، وحياتهم.

“لم تتصرف الأمم المتحدة بمثل هذه الطريقة الاستعمارية الفجة (والتي تتجاوز صلاحياتها قانونيًا)، ولم تَدُس باستهتار على حقوق شعب ما، منذ أن قسمت فلسطين في عام 1947 ضد رغبة السكان الأصليين، ممهدة الطريق لـ 80 عامًا من النكبة.”، يقول مخيبر.

ضمن ذلك، يتجاهل مجلس الأمن الاستنتاجات الأخيرة التي توصلت إليها محكمة العدل الدولية، ويُرجع إلى الوراء حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وهو حق غير قابل للتصرف، إذ ينص القرار سطر غامض ومشروط بشكل مفرط وغير ملزم يقول إنه “بعد” أن تقرر الهيئات التي يقودها ترامب أن الفلسطينيين قد استوفوا معايير “إصلاح وتنمية” غير محددة، “قد تتوفر الشروط أخيرًا لمسار ذي مصداقية نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية”.

بدلاً من الإعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره كحق قانوني ملزم، كما أكدت فتوى محكمة العدل الدولية لعام 2024 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 10/24، تقدمه الخطة على أنه مجرد “تطلعات للشعب الفلسطيني”، مرهون بإعادة الإعمار والإصلاح وفق تقييم جهات فاعلة خارجية.

في الجهة المقابلة، يعزز القرار إفلات الإسرائيليين من العقاب على جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبوها.

ويمكّن القرار “مجلس السلام” الذي يترأسه ترامب من العمل كإدارة انتقالية تحكم كل غزة، وتسيطر على جميع الخدمات والمساعدات، وتتحكم في حركة الناس من وإلى غزة، وتتحكم في إطار عمل وإعادة إعمار وتمويل غزة، كما يتضمن تفويضًا مصاغًا بشكل خطير وواسع النطاق للقيام بـ “أي مهام أخرى قد تكون مطلوبة”. ويمنح القرار سلطة مسبقة لمجلس ترامب لإنشاء “هيئات تشغيلية” و”سلطات معاملات” غير محددة، حسب تقديره الخاص.

بالنسبة لمنظمة “القانون من أجل فلسطين”، فإن مشاركة شخصيات فلسطينية غير منتخبة في “مجلس السلام” المقترح لا ينفي طابعه الأجنبي المفروض، فكل قوى الاحتلال عبر التاريخ تعاونت مع ممثلين محليين.

وللنظر في حجم المفارقات التي تضمنها إجراء مجلس الأمن، ينص القرار على إنشاء، ما يصفه كريغ مخيبر، قوة احتلال مسلحة بالوكالة وهي “قوة الاستقرار الدولية”، للعمل تحت إشراف “مجلس السلام” الذي يترأسه ترامب. ومن المفترض أن يكون لهذه القوة قيادة يوافق عليها مجلس ترامب، وسيتم تحديد أعضائها “بالتعاون مع” إسرائيل، وستعمل مع للسيطرة على الناجين الفلسطينيين في غزة من الإبادة الجماعية.

وهكذا، ستُكلَّف هذه القوة بتأمين الحدود (أي سجن الفلسطينيين)، وتثبيت البيئة الأمنية في غزة (أي قمع أي مقاومة للاحتلال أو الفصل العنصري أو الإبادة الجماعية)، ونزع السلاح من غزة (لكن ليس من النظام الإسرائيلي)، وتدمير قدرات الدفاع العسكري لغزة (لكن ليس قدرات إسرائيل)، وتفكيك أسلحة المقاومة الفلسطينية (لكن ليس أسلحة النظام الإسرائيلي)، وتدريب الشرطة الفلسطينية (من أجل السيطرة على الشعب الفلسطيني داخل غزة).

وستقوم “قوة الاستقرار الدولية” بـ “مراقبة وقف إطلاق النار”، وهو وقف إطلاق نار مضمون أمريكيًا سمح باستمرار الهجمات الإسرائيلية على غزة كل يوم منذ إعلانه. أي مراقبة لوقف إطلاق النار من قبل مثل هذه القوة ستركز بشكل أساسي على الجانب الفلسطيني – وليس على إسرائيل كقوة احتلال.

يركز كريغ مخيبر مآلات القرار في أنه “يمنح كل من ‘مجلس السلام’ الاستعماري وقوة الاحتلال بالوكالة ‘قوة الاستقرار’ التابعة له ولاية لمدة عامين وإمكانية التمديد بالتشاور مع إسرائيل (ومصر) ولكن ليس مع فلسطين”.

القرار يتناقض مع مضامين القانون الدولي نفسه. مجلس الأمن يستمد جميع سلطاته من ميثاق الأمم المتحدة. وهذا الميثاق، بصفته معاهدة، هو جزء من القانون الدولي – وليس فوقه. وعليه، فإن المجلس ملزم بقواعد القانون الدولي، بما في ذلك، وبشكل خاص، القواعد العليا، المسماة بالقواعد الآمرة (jus cogens) والالتزامات تجاه الكافة (erga omnes)، مثل تقرير المصير وعدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة. ويكشف تجاهله الصارخ لاستنتاجات محكمة العدل الدولية حول هذه المسائل إلى أي درجة تُعدّ العديد من بنود هذا القرار غير قانونية في الواقع ومتجاوزة للصلاحيات (ultra vires) (خارج نطاق سلطة المجلس).

يلاحظ غريغ خيبر، الذي استقال من مفوضة حقوق الإنسان في عام 2023 بسبب رسالته التي أدانت فشل الأمم المتحدة في حماية المدنيين في غزة واتهمت إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية، أن  تداعيات التصرف المارق من قبل مجلس الأمن الدولي ستمتد آثارها إلى ما هو أبعد بكثير من فلسطين. فمجلس الأمن، إذا لم يتقيد بالقانون الدولي، يصبح أداة خطيرة للقمع والظلم. وهذا بالضبط ما شهدناه في هذه الحالة، حيث تجاهل المجلس القانون الدولي وسلّم فعليًا الناجين في غزة إلى الشركاء في ارتكاب الإبادة الجماعية.

يتابع الخبير الدولي أن مثل هذه المخططات معيبة جوهريًا منذ البداية، لأنها تسعى لفرض نتائج بلا قانونية (بموجب القانون الدولي)، وبلا شرعية (بإقصائها للفاعلية الفلسطينية)، وبلا أي أمل عملي في النجاح (نظرًا لرفضها شبه العالمي في فلسطين وعبر العالم). بالنسبة لأولئك الملتزمين بالعدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون، فإن المهمة واضحة. يجب معارضة هذه الخطة في كل عاصمة، وعند كل منعطف.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة