لا جورنادا/ مدار: 17 حزيران/ يونيو 2022
روزا ميريام إليزالدي*
كان السابع من يونيو/ حزيران الجاري أحد الأيام السيئة التي واجهها لويس ألماغرو، الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية (OAS)، حين توجه له أحد الشباب قائلا: “قاتل ودمية البيت الأبيض، محرض على الانقلاب في بوليفيا”، معبرا في ما بعد عن أنه لا يمكن لألماغرو أن يأتي لإعطاء دروس في الديمقراطية ويداه ملطختان بالدماء.
ولم يكن وضع وزير الخارجية أنطوني بلينكن أفضل من ذلك، ففي وقت كان بإحدى غرف مؤتمر قمة الدول الأمريكية في لوس أنجلوس، وبخه العديد من الصحافيين لاستخدامه حرية الصحافة قصد توفير غطاء لقتلة الصحافيين ولمعاقبة دول معينة واستبعادها من هذا الاجتماع. “ديمقراطية أم نفاق؟”، جملة تكرر كثيرا صداها عبر مكبر الصوت في ذلك اليوم.
في الواقع، انطلقت هذه القمة وسط تعثر دبلوماسي كبير للولايات المتحدة، بعدما أعلن العديد من رؤساء أمريكا اللاتينية أنهم لن يشاركوا فيها بسبب استبعاد كل من كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، بأمر من البيت الأبيض، في وقت كانت تدعي وزارة الخارجية الأمريكية أنها منفتحة وليست لها قيود في ما يخص الدعوة للاجتماع.
يقول موقع الخارجية الأمريكية على الإنترنت: “أظهرت الولايات المتحدة، وستواصل ذلك، التزامها بعملية شاملة تتضمن مشاركة من الأشخاص والمؤسسات التي تمثل التنوع الهائل في نصف الكرة الأرضية، بما يشمل أصوات السكان الأصليين وغيرها من الأصوات التي كانت مهمشة تاريخيا”.
من الواضح أن النفاق ملح هذه القمة، إذ إن وسائل الإعلام والمحللين الأمريكيين الرئيسيين أعلنوا أن اجتماع 6-10 يونيو/ حزيران فشل قبل أن يبدأ. وذكرت صحيفة واشنطن بوست في 7 يونيو/ حزيران أن “قمة الأمريكيتين هذا الأسبوع في لوس أنجلوس سيتم تذكرها من خلال غياباتها وليس اتفاقياتها المحتملة”، مركزة في تناولها الموضوع على الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي كان أكثر الشخصيات السياسية ذكرا على شبكات ووسائل الإعلام الأمريكية في 7 و8 يونيو/ حزيران، حتى أكثر من الرئيس الأمريكي جو بايدن.
ولخص ريتشارد.ن.هاس، الذي كان مستشارا لوزير الخارجية السابق كولن باول، ومدير تخطيط السياسات في الوزارة، الكارثة بشكل رائع في تغريدته التي جاء فيها: “يبدو أن قمة الأمريكيتين كارثة، قمة بأهداف ذاتية معينة. ليس للولايات المتحدة اقتراح تجاري أو سياسة هجرة أو حزمة بنية تحتية، لكن في المقابل يتم التركيز على من سيكون ومن لن يكون”.
ومثلما كان متوقعا للاجتماع فلم يتم إعلان قائمة المدعوين إلا قبل 72 ساعة فقط من بدايته. يبدو أن اللامبالاة تهيمن على غرف النقاش التي لا يذهب إليها أحد تقريبا، وفقا للشهود. ومع ذلك، لم تفوت حكومة الولايات المتحدة أي فرصة من أجل تأمين ظهور أفضل للمشاركة من خلال الاعتماد على جماعات المجتمع المدني التي تراهن عليها، التي التقت بمبعوثيها من ميامي، ودفعت لهم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومنحتهم المزيد من الأموال. وقد وعد بلينكن بصندوق جديد بقيمة 9 ملايين دولار لدعم “الصحافة المستقلة” لأولئك الذين يتلقون بالفعل 20 مليون دولار أمريكي سنويا لتعزيز “تغيير النظام” في كوبا.
ويجري هذا المهرجان السياسي في ما هو في الأساس ملجأ، لأن شرطة لوس أنجلوس تلقت أكثر من 15 مليون دولار لضبط القمة وعسكرة مدينة تشتهر بالتشرد وأحزمة الفقر. وفي غضون ذلك، تظل النخبة في الحزب الديمقراطي الأمريكي بعيدة عن الواقع في بلدها، حيث تهزها المذابح اليومية والعجز المتزايد عن تلبية توقعات المواطنين وتوقف معظم القرارات والمشاريع التشريعية. إنهم يكررون كليشيهات عقيدة مونرو – أمريكا للأمريكيين – ويظهرون ما يبدو أنه التزام بالانعزالية في ما يتعلق بأمريكا اللاتينية.
ومن النادر أن تأخذ الولايات المتحدة في الحسبان السمات المميزة لجيرانها في أمريكا اللاتينية: ثقافيا ولغويا ودينيا وتقليديا… باختصار، كل الأمور التي يمكن أن تمنح وتعزز السبل الحقيقية لفهم الحياة وما يحيط بها. قد يبدو الأمر غير مفهوم في هذه المرحلة، لكن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه أمريكا اللاتينية يتم تفصيلها وتنفيذها من مناهج أيديولوجية حصرية، مع قرارات مبسطة تنتهي بإيذاء الجميع، بما يشمل على وجه الخصوص الولايات المتحدة نفسها.
وفي تحد للعاصفة، أقيمت القمة الشعبية من أجل الديمقراطية على أبواب “اجتماع أصدقاء البيت الأبيض”، برعاية حوالي 250 منظمة، معظمها من النقابات المحلية.
تسير القمة المضادة في شوارع لوس أنجلوس في 10 يونيو/ حزيران، سواء سمحت أو لم تسمح السلطات التي بذلت كل ما في وسعها لإسكات الاجتماع البديل، لكن الحصار الإعلامي لم يحقق النجاح المتوقع.
وقد انتشر ألماغرو وبلينكن على وسائل التواصل الاجتماعي لأسباب خارجة عن إرادتهما، ولن يكونا آخر من يثبت بشكل مباشر كيف يبدو غضب المضطهدين.