[رأي]. عن حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد في فلسطين

مشاركة المقال

مدار: 09 تشرين الأول/ أكتوبر 2024

معاد الجحري*

في السابع من أكتوبر 2023 ضربت المقاومة الفلسطينية بقوة في عمق الكيان الصهيوني، فأصيب الأخير بإهانة غير مسبوقة وجرح غائر في نرجسيته. كان هذا إيذانا بانطلاق معركة طوفان الأقصى المجيدة التي مازالت مستمرة وقد أقفلت سنة من عمرها، قابلها عدوان صهيوني شامل اتخذ شكل ومضمون حرب إبادة جماعية حقيقية للشعب الفلسطيني، وفي غزة على وجه الخصوص. طيلة هذه المدة عربد العدو الذي أصيب بالسعار ودمر وقتل واغتال قامات نضالية عالية وقادة كبارا، لكنه ما انتصر، لا، بل فشل في تحقيق أهدافه المعلنة:

– فشل في القضاء على المقاومة، التي يختزلها على مستوى الخطاب في حماس، إذ مازالت تقوم بعمليات نوعية في غزة وفي الضفة، حيث تتطور بشكل لافت للنظر وحتى في قلب الكيان.

– فشل في التهجير الجماعي الذي كان هدفا معلنا: تهجير سكان الضفة للأردن وسكان غزة لسيناء.

– فشل في فك الارتباط بين المقاومة والشعب الذي مازال ملتفا حولها أيما التفاف رغم الإبادة والتجويع.

– فشل في استرجاع أسراه لدى المقاومة.

– فشل في تقسيم صفوف المقاومة التي تقاتل كل كتائبها جنبا إلى جنب وتصنع المستقبل وأسس العيش المشترك.

– فشل في إذكاء حرب أهلية في صفوف الشعب الفلسطيني رغم التوجه العميل والمعادي للمقاومة من طرف سلطة أوسلو.

– فشل في تفكيك وحدة الساحات كما تجسدها، قولا وفعلا، المقاومة اللبنانية رغم هول الدمار الذي تتعرض له بيروت وتصفية قيادتها، ودعم المقاومة العراقية واليمنية ومحور المقاومة عموما بقيادة إيران. وعلى صخرة هذه الوحدة والقوى الداعمة لها تكسرت النعرات والفتن والسموم والتشكيكيات و”نظريات” المؤامرة والنزعات الاستسلامية التي نشطت هذه الأيام وطفت بكثرة على السطح كالطحالب بوضع السنة مقابل الشيعة والعرب مقابل الفرس والأكراد والأمازيغ، واليهود مقابل المسلمين وهكذا…

إن معركة طوفان الأقصى المتواصلة هي أطول معركة في تاريخ الصراع مع هذا السرطان الذي زرع في منطقتنا من طرف الإمبريالية الغربية، وهي حرب تحرير شعبية طويلة الأمد تستنزف العدو الذي يعتبر من هذا المنظور، أي المنظور الإستراتيجي، نمرا من ورق؛ وهذا لا يعني الاستهانة بقوته إمكانياته الحالية، العسكرية والاقتصادية والدعم السخي الذي يستفيد منه من طرف الإمبريالية الأمريكية بوجه خاص، التي تعد شريكا مباشرا في الحرب بالمال واللوجستيك والاستخبارات والسلاح والذخيرة، وحتى اتخاذ القرار، ناهيك عن الدعم السياسي والإعلامي وكذا الدعم المباشر وغير المباشر للأنظمة العربية الرجعية عميلة الإمبريالية والصهيونية.

لقد أكدت هذه الحرب نهاية عهد الانتصارات الخاطفة للعدو في حروبه التقليدية مع الأنظمة، وهذا في الحقيقة منذ حرب بيروت سنة 1982، حيث صمدت المقاومة في وجهه لمدة 3 أشهر بغض النظر عن النتيجة التي انتهت بها وكانت لمصلحة العدو.

معركة طوفان الأقصى هي حرب عادلة وثورية تفرضها ضرورة التحرر من الاستعمار والقضاء على الصهيونية وتفكيك كيان الاحتلال وتقرير المصير وعودة أصحاب الأرض إلى أرضهم وديارهم، بل هي حرب وجودية في وجه حرب ظالمة وغير مشروعة تهدف إلى إبادة الشعب الفلسطيني برمته وتهجيره وتشتيته عبر شتى بقاع الأرض. إن مقاومة الاستعمار من طرف الشعوب المستعمرة والمضطهدة حق وواجب في الوقت نفسه. ولقد خاضت عدد من هذه الشعوب عبر التاريخ حروب تحرر وطني طويلة وضاريةـ  وهذا حال الشعب الفلسطيني قبل النكبة منذ الثورة الفلسطينية الكبرى أيام عز الدين القسام إلى يومنا هذا، دفاعا عن نفسه في وجهه الطمس والمحو والتشريد والإبادة.

إن ما قامت به المقاومة المسلحة يوم السابع من أكتوبر 2023 كان أمرا جريئا وضروريا ومشروعا للأسباب المذكورة أعلاه، وما عاناه سكان غزة من حصار شامل وجائر برا وجوا وبحرا منذ 2007. العدو يريد النهب والسيطرة والإبادة والشعب يريد الحرية والحياة الكريمة والتمتع بخيرات بلاده بعيدا عن الاستعمار والتبعية.

وبفضل المقاومة المسلحة ووحدتها وصمودها تعاظم تعاطف وتضامن ودعم الشعوب للقضية الفلسطينية، ليس كقضية إنسانية فضفاضة، بل كقضية تحرر وطني. إن التاريخ لن ينسى التظاهرات الشعبية العارمة في مختلف القارات، بما في ذلك البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكندا وغيرها؛ ناهيك عن أسيا وأمريكا اللاتينية. لن ينسى العالم التظاهرات الرائعة للطلبة بدعم من الأساتذة في ألمع الجامعات الغربية، كما لن ينسى تظاهرات اليهود، وبخاصة أغلب يهود أمريكا، ضد الإبادة التي يقترفها الكيان الصهيوني، وهم لا يعترفون أصلا بهذا الكيان ويؤكدون أن قيامه أمر مناقض لتعاليم اليهودية وعصيان لأمر إلهي. وشملت التظاهرات الشعبية عددا من بلدان منطقتنا، وخاصة اليمن والمغرب والأردن والبحرين وتونس. فيما حال القمع دون ذلك في أنظمة الاستبداد والعمالة، وعلى رأسها كل من السعودية ومصر. ولو تحركت الملايين في مصر، القلب النابض للعالم العربي كما كانت تسمى، لساهم هذا في قلب الموازين بشكل من الأشكال. أما في الجزائر، ورغم الأدوار والمواقف الإيجابية للدولة الجزائرية، فقد احتكر النظام القضية لوحده ولم نشهد تحركات شعبية تذكر في هذا البلد الذي شهد واحدة من أكبر الثورات المسلحة في العالم ضد الاستعمار.

 طبعا هذا الدعم متفاوت حسب القوى المعنية من حيث المضمون السياسي للحل الذي يتراوح بين حل الدولتين بالنسبة للبعض و حل الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني، الذي أعتبره الحل الماركسي السديد للقضية الفلسطينية، وهو الحل الذي تتعاظم مصداقيته يوما بعد يوم. وتوالت قرارات الاعتراف بدولة فلسطين وقرارات عدد من الهيئات الأممية، ومنها قرارات ملزمة من طرف محكمة العدل الدولية، لكن وضعت كلها في الثلاجة وتم تجاهلها بسبب تهاون وتواطؤ المنتظم الدولي وتحكم مجلس الأمن في هيئة الأمم المتحدة وطبيعة البنية التنظيمية والقانونية لهذه المنظمة ومصالح القوى العظمى. لكن أهمية هذه القرارات تكمن في رمزيتها وفي الاستناد إليها لإضعاف العدو والضغط عليه، كما تكمن في تعزيز مكانة المقاومة.

وبفضل كل هذا، وأساسه العميق، مرة أخرى، المقاومة المسلحة وصمودها ووحدتها، تراجعت السردية الصهيونية بل تعرضت لضربة موجعة في مراكز النظام الرأسمالي نفسه.

باختصار معركة طوفان الأقصى رفعت القضية الفلسطينية الى المرتبة الأولى ضمن القضايا العالمية، بعدما كاد نهج أوسلو العبثي الاستسلامي المشؤوم أن يعصف بها.

وفي المغرب كانت هذه الفترة سنة من دعم المقاومة وسنة من النضال ضد ما يسمى تجاوزا التطبيع، وهو في واقع الأمر تحالف شامل للنظام المخزني مع كيان الاحتلال المجرم والعنصري. وتم هذا بفضل الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، التي تضم 19 هيئة سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية، من بينها حركة “ب د إس”، بمرجعيات مختلفة ديمقراطية وتقدمية وإسلامية معارضة للنظام القائم.

بفضل هذه الجبهة نظمنا 8 مسيرات شعبية كبرى و8 أيام وطنية عرفت تظاهرات في مختلف مناطق المغرب ووصل عددها في بعض الأحيان إلى 60 منطقة، ونظمنا 180 مسيرة شعبية محلية في عدة مدن و600 تظاهرة محلية مع أعمال جليلة في مجال المقاطعة ومناهضة التطبيع التربوي. ولقد نجحت الجبهة لأن مكوناتها، ليس دون صعوبات، ركزت على قضية التحرر الوطني.

إن قيادة المقاومة هي اليوم في يد الاتجاه الإسلامي المقاوم، وهذه حقيقة ساطعة، لكن لا يصح بتاتا عدم الانخراط من طرف البعض وكأنه يشترط أن يقود لكي ينخرط، ذلك أن قيادة حركة سياسية ثورية لا تسلم بمقتضى مرسوم وإنما تستحق كوسام عبر الكفاح المتواصل. 

واضح أن الحرب تتسع وقد تطول ولا نرى ما يؤشر على توقفها، لذا فدعم المقاومة ومناهضة التطبيع يجب أن يستمر ويتصاعد ويجب العمل في عمق الشعب. كما ينبغي اتخاذ مبادرات نضالية موحدة في الزمان على صعيد منطقتنا كما على الصعيد الدولي كيوم للتظاهر أمام السفارات الأمريكية وقنصلياتها، وهو أمر ممكن ومتاح تماما. إن القمة العالمية للشعوب التي تقوم على مناهضة الرأسمالية والعنصرية والصهيونية والباترياركا هي إحدى الإطارات المؤهلة للقيام بذلك.

يجب تسليح الشباب نظريا لمعرفة حقيقة ما يجري، وهذا عنصر ضروري لتجديد العزم والتصميم على مقاومة العدو بمختلف الأشكال المتاحة والتحلي بروح التضحية والجرأة على الانتصار كما هو ضروري للثبات على المبادئ في ظل رياح وعواصف الصراع الطبقي الذي يتصاعد ويخبو قبل أن يتصاعد ثانية. قد تتعرض المقاومة لضربات قوية كما شاهدنا ولكن ليس هذا أمرا جديدا في التاريخ. يجب التعامل مع هذا بمقولة المعلم ماو تسي تونغ العالية الدقة: نضال ففشل ثم نضال ففشل ثم نضال حتى النصر.

إن الحروب نشأت مع بروز الملكية الفردية وانقسام المجتمع إلى طبقات، لذا على العديد من القوى التي تنسب نفسها للحركة الشيوعية العالمية التخلص من أخطاء الماضي، ماضي التجربة السوفياتية لما أيد الاتحاد السوفياتي قرار التقسيم المشؤوم، كما عليها ربط التضامن الأممي مع الشعب الفلسطيني بالنضال ضد الرأسمالية وبناء الاشتراكية كحضارة جديدة على أنقاضها.

*معاد الجحري: عضو اللجنة المركزية للنهج الديمقراطي العمالي وعضو السكرتارية الوطنية للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع.

**مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن مواقف مدار.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة