نيوفريم / مدار: 08تشرين الأول/ أكتوبر 2020
يتعرض البورونديون لسوء المعاملة، وكل يوم تزداد الأوضاع تفاقما في بلدهم المضيف “تنزانيا”، لاسيما من خلال القيود المفروضة على سبل عيشهم، واختفاء الكثير منهم، ما ساهم في انتشار مزاعم بأن هناك حالات اختطاف في المخيمات.
في عام 2016، فر بيير من بوروندي الواقعة شرق إفريقيا تجنبا للعنف الواسع الذي احتاج البلاد منذ 2015، وحط الرحال في أحد مخيمات اللاجئين المكتظة في تنزانيا على أمل العثور على الأمان. لكن بعد مرور ما يقرب خمس سنوات من حياته كلاجئ، وجد مدرس الثانوية السابق نفسه أمام وضع مشابه للذي عاشه في بلاده، لاسيما من ناحية انعدام الأمن والخوف، وهي الأسباب نفسها التي جعلته يترك بوروندي.
وقال بيير، البالغ 38 عاما، والذي أصبح مقيما في مخيم متنديلي للاجئين رفقة زوجته وطفله الصغير: “الحكومة (التنزانية) تجعل الحياة صعبة علينا هنا للغاية، لكن العودة إلى بوروندي حبلى بالمخاطر، فقد قتل العديد من زملائي، فيما من نجوا من التصفية مازالوا قابعين في السجن. لقد غادرت لأنني لم أرغب في أن أصبح ضحية أخرى”.
ووفقا لما يتم تداوله بين اللاجئين وعمال الإغاثة والجماعات الحقوقية فقد تسببت الحكومة التنزانية خلال الأشهر العديدة الماضية في خلق وضع مضطرب للاجئين البورونديين في البلاد. كما عبرت الجماعات الحقوقية عن أن الهدف من هذه الممارسات التي تقوم بها الدولة المضيفة هو إجبار اللاجئين على العودة إلى بلادهم، رغم مخاوفهم على حياتهم حال عودتهم.
في عام 2015، اتخذ الرئيس البوروندي الراحل، بيير نكورونزيزا، الذي كان يترأس أيضًا المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية – الحزب الحاكم لقوات الدفاع عن الديمقراطية (CNDD-FDD)، قرارا مثيرا للجدل، عندما أعلن سعيه إلى الترشح لولاية ثالثة، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات اجتاحت آنذاك العاصمة بوجومبورا.
وأدى إعلان النتائج الانتخابية، التي أفضت إلى إعادة انتخاب نكورونزيزا، إلى أزمة سياسية وإنسانية مطولة في البلاد خلفت مئات القتلى. وفي ظل هذا الوضع المتأزم فر أكثر من 400000 بوروندي طالبين اللجوء، خصوصا في الدول المجاورة، على مدار السنوات الخمس الماضية، ومازال الكثير منهم محشورين إلى حد الساعة داخل مخيمات اللاجئين المكتظة، التي تعاني من نقص مزمن في التمويل، لاسيما في تنزانيا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا.
وفقًا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين فإن تنزانيا لوحدها تستضيف حاليا 162859 لاجئا بورونديا موزعين على ثلاثة مخيمات – ندوتا ونياروغوسو ومتنديلي – في منطقة كيغوما الشمالية الغربية بالقرب من حدود بوروندي.
الترحيب واقع أصبح في طي النسيان
لقد عرفت تنزانيا تاريخيا بأنها لطالما فتحت أبوابها مرحبة بالبورونديين الفارين من العنف السياسي والعرقي، ولعل خير مثال على ذلك هو عندما اندلعت الحرب الأهلية البوروندية عام 1993، ما حذا بتنزانيا إلى قبول لاجئين بورونديين بأعداد غفيرة، كما خولت لهم الاستفادة من قطع أراضي زراعية من أجل تشجيعهم على الاندماج في المجتمع.
لكن على مدار السنوات القليلة الماضية، سحبت تنزانيا سجادة الترحيب باللاجئين. في عام 2017، تم التراجع عن الوضع الذي كان يستفيد منه اللاجئون البورونديون، وفي الفترة بين مارس 2017 ويوليو 2018، تم إغلاق جميع نقاط الدخول والاستقبال الحدودية الـ 19 في وجه طالبي اللجوء البورونديين والكونغوليين. وفي عام 2018، أعلنت الحكومة انسحابها من الإطار الذي كان ينظم الاستجابة للاجئين بحجة “الأمن ونقص الأموال”، ما أدى بشكل أساسي إلى إنهاء الأنشطة التي كانت تستهدف دمجهم في المجتمعات المضيفة.
وفي آب/غشت من العام الماضي، اتفقت بوروندي وتنزانيا على خطة من شأنها إعادة جميع اللاجئين البورونديين، أي ما يقارب 200000 لاجئ، ما أثار مخاوف كبيرة من استغلال ذلك في عمليات إعادة قسرية. وما زاد من القلق إزاء ذلك الرسائل المتضاربة والتعليقات المبهمة للسلطات التنزانية حول مستقبل اللاجئين.
قال كانجي لوجولا، وزير الشؤون الداخلية في تنزانيا، في الفترة التي تم فيها الاتفاق حول إعادة اللاجئين، لهيئة الإذاعة البريطانية، إن “أمام اللاجئين مهلة حتى 1 أكتوبر للعودة إلى الوطن، بعد ذلك سنعيدهم سواء أرادوا ذلك أم لا”، كما هدد الأفراد والمنظمات غير الحكومية العاملة في قضايا اللاجئين في تنزانيا بأنهم “سيواجهون غضب رئيس تنزانيا جون ماجوفولي إذا عارضوا خطط وتوجهات الحكومة لإعادة اللاجئين إلى بلدانهم”.
ماغوفولي، الذي واجه انتقادات واسعة النطاق بسبب أسلوبه الاستبدادي في الحكم، أمر اللاجئين “بالعودة إلى ديارهم” وأصر على أن بوروندي “مستقرة”، على الرغم من تحذير الأمم المتحدة من انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق والخطيرة التي تُرتكب ضد المواطنين البورونديين، وعبرت غير ما مرة عن أن السلطات المحلية ورابطة الشباب التابعة للمجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية – قوات الدفاع عن الديمقراطية (رابطة شباب CNDD-FDD)، والملقبة بـ”إمبونيراكوري”، كانت تنفذ “عمليات قتل واختفاء واعتقال واحتجاز تعسفي في حق مواطنين دون أن تكون لذلك أي تبعات، مع أعمال تعذيب وسوء معاملة واغتصاب تجاه أعضاء المعارضة”.
كما أغلقت السلطات التنزانية الأسواق المشتركة التي اعتمد عليها اللاجئون للحصول على سبل عيش تكميلية وفرضت إغلاقًا على المخيمات العام الماضي، مع عدم السماح للسكان بمغادرة محيط هذه المخيمات. وبالمثل، تم إغلاق الأنشطة الزراعية والتجارية المدرة للدخل داخل المخيمات وحولها.
وفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين فقد تم تقديم المساعدة لأكثر من 21 ألف لاجئ من أجل العودة إلى بوروندي العام الماضي، كما أعيد حوالي 10 آلاف إلى بلادهم هذا العام. وقد استهدفت المساعدات لاجئين من بلدان مختلفة، ورغم أن السواد الأعظم كان تقريبا من تنزانيا، إلا أن هناك أعدادا ولو أنها تعتبر قليلة من كينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إن ما معدله 600 لاجئ بوروندي تتم إعادة توطينهم كل أسبوع، وتعتبر هذه الأرقام أقل بكثير من هدف تنزانيا المعلن لإعادة 2000 لاجئ أسبوعيا ابتداء من أكتوبر من العام الماضي.
واتصلت “نيو فريم” بوزارة الداخلية التنزانية، المكلفة بإدارة مخيمات اللاجئين، من أجل استقاء الأخبار عدة مرات، ولكنها لم تتلق أي رد.
العودة الطوعية..
طبقاً لأميرة، وهي عاملة تقدم الدعم والمساعدة في المخيمات، فإن السلطات التنزانية واصلت فرض القيود وإغلاق الأسواق الصغيرة عند ظهورها، كما هدمت الملاجئ المرتبطة بالأسواق، بالإضافة إلى منع الحكومة اللاجئين من استغلال القطع الزراعية الصغيرة التي كانوا يستفيدون منها سابقا في المخيمات، مضيفة: “يعتمد الناس الآن بدوام كامل على المساعدات، وقد فرض ذلك ضغطًا كبيرًا على العائلات”.
وفقًا لتينا غيلي، كبيرة مستشاري المفوضية السامية لشؤون اللاجئين المكلفة بمنطقة الشرق والقرن الأفريقي ومنطقة البحيرات الكبرى، فإن برنامج اللاجئين البورونديين يعاني بالفعل من “نقص حاد في التمويل”، إذ تم تلقي 17٪ فقط من الميزانية المتأتية من المانحين والبالغة 150.7 مليون دولار، بالإضافة إلى أن اللاجئين لم يتلقوا سوى 83٪ من حصصهم الغذائية منذ يونيو/ حزيران بسبب نقص الدعم التمويلي الخاص ببرنامج الغذاء العالمي، كما أنه من المتوقع أن ينخفض هذا بشكل أكبر في الأسابيع المقبلة.
لقد حذرت جماعات حقوقية من أن تدهور الأوضاع في المخيمات، الذي يتفاقم بشكل مستمر نتيجة نقص التمويل وحظر سبل العيش البديلة التي كان يلجأ إليها اللاجئون، ما يجبرهم على اختيار العودة إلى بوروندي رغم الوضع القائم، الذي يعتبرونه غير آمن لهم. وعبر بعض اللاجئين البورونديين عن أنهم وقعوا على برنامج العودة لأن الحياة كانت صعبة للغاية في المخيمات، وهو ما أكده لويس مودج، مدير مكتب هيومن رايتس ووتش في وسط أفريقيا، عندما قال عن سبب عودة اللاجئين بالرغم من قلقهم وخوفهم: “لم يشعروا بالأمان ولم يُسمح لهم بحياة ذات معنى”.
ويردف لويس مودج: “في بعض الحالات، يمكنك بالتأكيد التحقق من أن بعض هؤلاء الأشخاص أُجبروا على العودة إلى بلادهم رغم التوقيع على أن الترحيل تم بمحض إرادتهم”، كما أضاف: “إنهم (السلطات التنزانية) يمارسون ضغوطًا شديدة للغاية على اللاجئين من خلال جعل حياتهم اليومية أكثر صعوبة، لاسيما مناخ الخوف الذي لا يترك أمامهم أي مجال سوى العودة إلى بلدهم الأصل، والذي يمكن أن يتعرضوا فيه للأذى”.
ويضيف مودج أن هيومن رايتس ووتش “قلقة” من المعلومات التي ترشح حول تصرفات تنزانيا، التي في أحيان عديدة تعتبر انتهاكا لكل من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 واتفاقية اللاجئين الأفريقية لعام 1969، اللتين وقعت عليهما، وبموجبهما تحظر الإعادة القسرية للاجئين إلى أماكن قد تكون حياتهم أو حريتهم فيها مهددة. ووفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين فإن هذا ينطبق أيضًا على الضغط غير المباشر على اللاجئين حتى لا يكون لديهم خيار سوى العودة إلى بلد يواجهون فيه خطرا جسيما أو تهديدا لحياتهم.