مدار: 15 نيسان/ أبريل 2022
لم تكن واشنطن تطيق أن توجد حكومة ثورية في قيادة كوبا، على بعد 90 ميلاً فقط من سواحل فلوريدا.
قدر رئيس المخابرات السرية الكوبية في أحد المناسبات أن فيدل كاسترو تعرض لما يناهز 634 محاولة اغتيال.
فمن سيغار متفجر إلى حبوب سامة، مازالت الأساليب القذرة التي اعتمدتها الولايات المتحدة لاغتيال الزعيم الكوبي تسم التاريخ المظلم للأجهزة الأمريكية إبّان الحرب الباردة.
وتكشف وثائق رفعت عنها السرية حديثا أن بريطانيا تعاونت مع أجهزة المخابرات الأمريكية ضد كاسترو أوائل الستينيات.
وأظهرت مستندات صادرة عن وزارة الخارجية البريطانية، بقيت سرية لمدة ستة عقود ولم يتم رفع السرية عنها إلا مؤخرًا في الأرشيف الوطني، أن دبلوماسيين بريطانيين ناقشوا “اختفاء” كاسترو مع وكالة المخابرات المركزية.
وفي تشرين الثاني/ نونبر 1961، ذهب توماس بريميلو، وهو دبلوماسي بريطاني رفيع المستوى في واشنطن، مع زميله آلان كلارك لإجراء مقابلة مع مسؤولي “السي آي إيه”.
كلارك، الذي كان يزور أمريكا من منصبه في السفارة البريطانية في هافانا، عرض على المخابرات الأمريكية نافذة على كوبا.
وبعد التدخلات الافتتاحية، توجه مسؤول في وكالة المخابرات المركزية إلى كلارك عما “إذا كان اختفاء فيدل كاسترو نفسه ستكون له تداعيات خطيرة” في كوبا.
وأظهر محضر الاجتماع الذي أعده بريميلو، ووضعت عليه علامة “سري وشخصي”، أن الثنائي البريطاني لم يعترض على التلميح غير الدقيق لاغتيال كاسترو.
ورد كلارك بأن “راؤول كاسترو سيتم ترشيحه خليفة لفيدل”، و”قد ينجح في أخذ مكان فيدل إذا أتيح الوقت الكافي”.
وبصراحة أكثر، أضاف كلارك: “إذا اغتيل فيدل، فليس من المؤكد أنه ستكون هناك سيطرة سلسة. إن جهاز [الدولة]، الذي كان يبدو قوياً بما يكفي للتعامل مع التحول التدريجي، قد لا يتعامل مع أزمة مفاجئة”.
وتطرح الكشوف الجديدة الأسئلة حول مدى معرفة بريطانيا بجهود واشنطن السرية للإطاحة بكاسترو.
وجاءت هذه المناقشات بعد أشهر من قطع البيت الأبيض العلاقات الدبلوماسية مع هافانا، ومحاولة غزو فاشل في خليج الخنازير في كوبا.
وبعد أيام قليلة من اجتماع المملكة المتحدة ووكالة المخابرات المركزية، أجاز الرئيس جون كينيدي عملية النمس، وهي برنامج سري لتحييد كاسترو بأي وسيلة ضرورية.
وبينما كانت المملكة المتحدة متعاطفة بشكل عام مع هدف البيت الأبيض المتمثل في إزاحة كاسترو، كان المسؤولون البريطانيون أكثر انتقادًا لإستراتيجية الولايات المتحدة، وبشكل أكثر وضوحًا خلال الغزو الفاشل لخليج الخنازير.
كما توترت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب قضية معاقبة كوبا طوال عام 1962.
واعتبر كلارك أثناء اجتماعه مع وكالة المخابرات المركزية أن “الثورة جلبت بعض الخير الملموس لعدد كبير من الناس”، مضيفًا أن “الأشخاص الذين استفادوا لم يدركوا بعد الثمن الذي كانوا يدفعونه وسيتعين عليهم دفعه”.
وأظهرت الملفات التي رفعت عنها السرية أن السفارة البريطانية في هافانا واصلت تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن حول الوضع العسكري والسياسي والاقتصادي في كوبا.
وفي يناير 1962، أرسلت بريطانيا تقريرًا إلى البنتاغون حول عرض عسكري في هافانا، مليء بالرسومات التخطيطية للجهاز العسكري الكوبي.
كان “يعتمد إلى حد كبير على ملاحظاتنا المباشرة؛ لدينا السفير ورئيس الديوان على المدرجات، وثلاثة أعضاء من الموظفين في الحشود التي تصطف على طول الطريق، واثنان آخران يشاهدان الإجراءات على التلفزيون”، تقول إحدى المراسلات.
وجاء في مراسلة أخرى أن الأمريكيين كانوا ممتنين: “هذا فقط لأقول كم هو ممتن للغاية البنتاغون للتقارير الممتازة … حول العرض العسكري. أكثر ما أعجبهم هو الجهد المبذول فيه والنتائج التفصيلية التي حصلتم عليها جميعًا”.
وفي مارس 1962، أعرب البنتاغون مرة أخرى عن “مدى امتنانه لجميع المعلومات السابقة حول الوضع العسكري في كوبا”.
وبعد أشهر حددت الولايات المتحدة “الأهداف ذات الأولوية” لبريطانيا في جمع المعلومات العسكرية في كوبا.
كتب أحد المسؤولين البريطانيين عقب مناقشة سرية للغاية مع البنتاغون: “جميع هذه ‘الأهداف’ تقريبًا موجودة في منطقة هافانا، وقد تم اختيارها لأنها كلها تقريبًا في مناطق قد يتمكن أعضاء السفارة من زيارتها”.
المصدر: declassifieduk