السودان… وسط الدمار والمجاعة، يكافح مئات الآلاف من النازحين للبقاء على قيد الحياة في دارفور.

مشاركة المقال

مدار+ بيبلز ديسباتسش: 19 كانون الأول/ ديسمبر 2024

مع استمرار الحرب الدائرة بين القوات المتصارعة في السودان في شهرها الواحد والعشرين، تتزايد الخسائر في عاصمة شمال دارفور المحاصرة، الفاشر، التي تم قطع الإمدادات الغذائية عنها وسط تفشي المجاعة، بينما تتعرض الأسواق المحلية للقصف.

أصبحت حياة مئات الآلاف، خاصة في مخيم زمزم للنازحين داخليا، الذي يعاني من المجاعة، مهددة بشكل خطير، بموازاة تصعيد هجمات قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.

بعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع الجيش السوداني في الولايات الأربع الأخرى في دارفور، أكملت تقريبا حملتها للتطهير العرقي في دارفور الغربية، وقد حاصرت المدينة منذ مايو/ أيار للسيطرة على آخر معقل للجيش في المنطقة الغربية للسودان. في الوقت الذي كانت فيه قوات الدعم السريع تقصف كل ما يظهر أمامها في طريقها إلى المدينة، لم تبذل القوات السودانية جهودا كافية لحماية المدنيين. على العكس من ذلك، يبدو أن الجيش مهتم فقط بحماية مقره الرئيسي، مما أسفر عن عديد الضحايا، حيث لجأ إلى القصف الجوي العشوائي للمناطق السكنية المكتظة لاستهداف قوات الدعم السريع.

أسفرت الاشتباكات بين الحليفين السابقين، بعد أن دفع الصراع على السلطة البلاد إلى حرب أهلية منذ منتصف أبريل 2023، إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في السودان. وقال صالح محمود، رئيس جمعية المحامين في دارفور، إنه في الفاشر وحدها، لقي الآلاف حتفهم.

في ليلة السبت، 14 ديسمبر/ كانون الأول، استهدفت قوات الدعم السريع حي أولاد الريف في وسط المدينة بطائرات مسيرة، ما أسفر عن مقتل 38 مدنياً وإصابة آخرين، مما اضطر الأطباء إلى تعليق العمليات في اليوم السابق في آخر مستشفى رئيسي يعمل في المدينة بعد أن استهدفت طائرات مسيرة تابعة لقوات الدعم السريع المستشفى بأربعة صواريخ، الأمر الذي ترك أسِرته مغطاة بالحطام الناتج عن تدمير جدرانه وأسقفه.

وفي وقت سابق، في 11 ديسمبر/ كانون الأول، تعرض مخيم زمزم في الضواحي الجنوبية للفاشر لجولة أخرى من قصف المدفعية الثقيلة، مما ألحق الضرر بملاجئ العديد من النازحين وقتل 8 منهم، في حين أصيب العديدون وهم على الأرجح لن يحصلوا على رعاية طبية. خرج مستشفى منظمة أطباء بلا حدود في المخيم عن الخدمة منذ 2 ديسمبر/ كانون الأول.

اضطر المرضى – بمن فيهم من أصيبوا في اليوم السابق عندما بدأت قوات الدعم السريع هجماتها الأخيرة على المخيم وقتل أكثر من 10 – إلى الفرار مع الأطباء الذين كانوا يعالجونهم عندما استؤنف القصف في صباح اليوم التالي، ما أسفر عن مقتل أربعة آخرين وتشويه أكثر من عشرة.

قال أطباء منظمة أطباء بلا حدود في بيان لاحق من في ذلك اليوم، إن “المستشفى الآن فارغ، حيث تم إخلاء آخر ثلاثة مرضى في وحدة العناية المركزة، الذين لا يزالون يعتمدون على الأوكسجين، في ظروف خطيرة”، ووصفوا الوضع بأنه “كابوس حي للنازحين في مخيم زمزم.”

جحيم الحرب الأهلية في دارفور

تأسس واحد من أكبر مخيمات دارفور، زمزم، في عام 2003 مع بداية الحرب الأهلية في دارفور، التي أسفرت بنهاية العقد عن تهجير 2.5 مليون شخص وقتل ما يصل إلى 300,000 آخرين نتيجة العنف والجوع والأمراض.

كانت ميليشيات الجنجويد التي أنشأها الجيش السوداني خلال هذه الحرب لتنفيذ الفظائع – بما في ذلك القتل الجماعي والاغتصاب وحرق القرى – قد تجمعت لاحقاً لتشكيل قوات الدعم السريع في 2013 تحت قيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي” في المخيم. في حين تولى عبد الفتاح البرهان، القائد الإقليمي للجيش السوداني في دارفور خلال تلك الحرب، قيادة الجيش لاحقا.

أصبح البرهان وحميدتي من المقربين جداً من الدكتاتور عمر البشير الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 1990. وعندما اجتاحت الثورة ديسمبر/ كانون الأول – وهي الاحتجاجات الشعبية المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت في نهاية عام 2018 – وأدت إلى الإطاحة بالبشير في أبريل/ نيسان 2019، شكّل البرهان وحميدتي معاً المجلس العسكري.

من خلال باستخدام قوة قواتهم المشتركة، نظما قمعا عنيفا للحركة المؤيدة للديمقراطية التي استمرت في التظاهر حتى 15 أبريل/ نيسان 2023، حينما انفجر الصراع على السلطة داخل المجلس العسكري بين البرهان وحميدتي ليصبح حرباً مفتوحة.

وفي الأشهر العشرين التي تلت ذلك، أجبرت الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أكثر من 14 مليون شخص على الفرار من منازلهم، مما تسبب في أكبر أزمة نزوح في العالم.

بعد أن بدأت هجمات قوات الدعم السريع على الفاشر في أبريل، تم تهجير نحو 350,000 شخص من هذه المدينة والمناطق المحيطة بها، في حين انتقل عدد كبير منهم، مع العديد من النازحين من مخيمات أخرى تعرضت للهجوم، إلى مخيم زمزم بحثاً عن مأوى، ليرتفع عدد سكان المخيم من 350,000 قبل الحرب إلى تقديرات حاليا تتراوح بين 500,000 إلى 800,000.

جعل هذا الارتفاع في عدد السكان في المخيم المكتظ والمعتمد على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، الظروف أكثر خطورة، خاصة منذ مايو/ أيار عندما تم قطع الإمدادات الغذائية بعد أن حاصرت قوات الدعم السريع الفاشر.

إعلان المجاعة

أعلنت شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET)، في 1 أغسطس/ آب، عن حدوث مجاعة في مخيم زمزم، وقالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف): “هذه المجاعة من صنع الإنسان بالكامل”.

بعد ثلاثة أيام، أسقطت طائرات الجيش السوداني براميل متفجرة على المخيم ومن فيه من نازحين جوعى، ما أدى إلى تدمير 20 منزل وإصابة العديدين، بمن فيهم الأطفال. وفي نوفمبر/ تشدين الأول، أفادت تقارير أنه تم إنشاء مواقع دفاعية داخل المخيم لاستخدام نازحيه كغطاء، مما أدى إلى هجمات من قبل قوات الدعم السريع على المخيم.

في الأثناء، ظلّت قوافل الطعام التابعة لبرنامج الغذاء العالمي (WFP) غير قادرة على الوصول إلى زمزم لمدة أربعة أشهر منذ إعلان المجاعة في أغسطس/ آب، حتى أواخر نوفمبر/ تشرين الأول حين وصلت أول قافلة إلى المخيم. ومع استئناف قصف قوات الدعم السريع على المخيم في ديسمبر/ كانون الأول، تم قطع إمدادات الغذاء مرة أخرى.

قال آدم الرجال، المتحدث باسم التنسيق العام للنازحين واللاجئين في دارفور: “الغالبية العظمى من سكان المخيم، حوالي 60-70٪، هم من النساء والأطفال وكبار السن”.

وأضاف: “كلا الطرفين المتحاربين يستخدمان هذه الحرب كفرصة للقضاء على الشهود الناجين لجرائم الحرب” التي ارتكبها الجيش السوداني والميليشيات، والتي تطورت لاحقا لتشكل قوات الدعم السريع خلال الحرب الأهلية في دارفور. 

خلال محاكمة جرت في 11 ديسمبر/ كانون الأول فيما يتعلق بالوضع في السودان،  ذكر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من خلال تقديمه لشهود أن: “شهادات مفصلة عن القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب واستهداف المدنيين وحرق ونهب القرى بأكملها جرت في دارفور خلال العقد الأول من الألفية”.

هذا وتطرق الرجال فيما يخص الإبادة الحالية إلى أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قد “استعملوا الجوع كجزء من الحرب الحالية”، مضيفًا أن أكثر من 100 من 170 مخيما للنازحين في دارفور يعانون من المجاعة.

وفي تحذيرها في أغسطس/ آب بشأن المجاعة في زمزم، أضافت “FEWS NET” أن “من الممكن أن تكون المجاعة… مستمرة أيضا في مخيمات أبو شوق والسلام للنازحين، لكن الأدلة المتاحة محدودة مما يقلل من القدرة على تأكيد أو نفي هذا التصنيف”، وواصلت التحذير من أن المجاعة تهدد باجتياح “بقية مدينة الفاشر”.

قصف الأسواق يعمق أزمة الغذاء

انتشرت المجاعة بشكل كبير خلال الأشهر الأربعة التي تلت حصار الفاشر، في وقت تستمر فيه هجمات قوات الدعم السريع في تقييد إمدادات الطعام من الخارج، بينما يقوم الجيش السوداني بقصف الأسواق الريفية القريبة، مما يساهم في نقص الغذاء.

من أبرز هذه الأسواق مدينة كابكابية، الواقعة على بعد 180 كيلومترًا غرب الفاشر، والتي اضطد القادة المحليون فيها إلى إغلاق السوق خشية من الهجوم، لكن هذا القرار جاء  متأخرا، لا سيما وأنه في 11 ديسمبر/ كانون الأول، وأثناء السوق الأسبوعي الذي كان يتجمع فيه سكان القرى المحيطة لشراء الأساسيات، أسقطت طائرات الجيش السوداني ثمانية قنابل في الصباح، مما دمر المتاجر وقتل أكثر من مئة وأصاب عدة مئات آخرين، بمن فيهم الأطفال.

وقال الجيش السوداني إنه دمر مركبة قتالية مع طاقمها و”شاحنة تحمل أسلحة وذخائر”. قُتل 45 شخصًا آخر، بينهم أكثر من عشرة أطفال، وأصيب أكثر من 200 آخرين في 4 ديسمبر/ كانون الأول عندما قصف الجيش السوق في مدينة الكمّة. هذا وورد أن المدينة التي تضم أكثر من 45,000 أسرة نازحة، معظمهم من الفاشر، قد تعرضت لحوالي 70 غارة جوية أسفرت عن مقتل مئات، معظمهم في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني. تم إغلاق السوق في مليت أيضا بعد سلسلة من الغارات الجوية، بما في ذلك في 3 ديسمبر/ كانون الأول، التي أسفرت عن مقتل سبعة مدنيين.

المؤسسات الدولية تخفق في دعم الشعب السوداني

قال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجمعة الماضية، إنهم “قلقون للغاية بشأن الهجمات الأخيرة على الأسواق والبنية التحتية المدنية في شمال دارفور”. كما وصف تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع على آخر مستشفى رئيسي يعمل في الفاشر، يوم السبت، بـ”العمل المروع”.

هذا وأعربت المنسقة الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، كليمنتين نوكيتا-سلامي، عن “قلق عميق” من التقارير التي تتحدث عن القصف العشوائي لمخيم زمزم وعيادات صحية وملاجئ للنازحين.

وقال صالح محمود، رئيس جمعية المحامين في دارفور: “هم جميعاً قلقون، مصدومون، ومتفاجئون… لكن لا أحد يفعل أكثر من إصدار بيانات تصف الوضع، وهو ما لا يقدم أي حل”.

وأضاف محمود أن “الموقف معروف جيدًا. الصحفيون والنشطاء ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي جميعهم يصفونه. وما يُنتظر من الأمم المتحدة هو اتخاذ إجراءات لوقف الحرب”، موضحًا أن “لا شيء سوى نشر قوة مشتركة لوقف القتال بين الجانبين يمكن أن يوقف هذه الحرب”. 

هذا وأعرب المتحدث ذاته عن أسفه قائلا: ‘لا تملك المؤسسات الإفريقية الإرادة أو القدرة على قيادة مثل هذه القوة المشتركة. وبالنظر إلى انقسام مجلس الأمن الدولي بين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، فقد أصبح المجلس غير قادر حتى على مناقشة وضعنا بجدية، ناهيك عن التوصل إلى موقف موحد لوقف هذه الحرب”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة