مدار: 02 تشرين الأول/ أكتوبر 2020
اعتبر الحزب الشيوعي السوداني، في بيان صادر عن مكتبه السياسي، يوم أمس الفاتح من تشرين الأول/ أكتوبر ، أن اتفاقية سلام جوبا بصورتها الراهنة لن تحقق السلام المنشود وتشكل تهديدا حقيقيا لوحدة ومستقبل السودان وهي “ليست اتفاقية شاملة أو نهائية كما تدعي أطرافها”، موضحا أن “الأزمة السياسية التي تعيشها بلادنا هي نتاج للتركة المثقلة من المظالم والمشاكل التي ظلت عالقة دون حل منصف منذ خروج الاستعمار قبل أكثر من أربع وستين عام”.
وأبرز أن المشاكل التي تتخبط فيها البلاد، هي نتيجة “سياسات النخب العسكرية والمدنية التي احتكرت السلطة في إطار تبادل الأدوار من أجل السيطرة على موارد البلاد وعلى مصالحها الطبقية الضيقة المرتبطة ب مع دوائر الرأسمالية العالمية على حساب مصالح شعب السودان”.
وأضاف حزب الشهيد عبد الخالق محجوب، أن “هذا الواقع كان سبباً مباشراً لبروز حركات وتنظيمات عبرت عن مظالم مناطق واسعة في كل أنحاء البلاد وبصورة خاصة في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، حيث تطورت الأوضاع إلى المواجهات المسلحة بين بعض سكان هذه المناطق والحكومة المركزية في الخرطوم” ما قاد في آخر المطاف إلى انفصال جنوب السودان.
وذكّر الحزب الشيوعي جماهير السودان بموقف الحزب المبدئي والمعلن من خلال وثائقه وفي منابره المختلفة، حيث أكد بأن “الخيار العسكري لن يفلح أبداً في معالجة مسألة القوميات ويؤدي إلى تفاقم الأزمة العامة وتهديد وحدة الوطن وأنه لا سبيل للخروج من هذا الوضع المتأزم إلا بالحوار المسؤول في ظل وضع ديمقراطي حقيقي يتيح لجميع السودانيين المشاركة في مناقشة هذه القضايا وأسبابها وجذورها والوصول إلى حلول تجد القبول من جماهير الشعب، بعيداً عن وصاية النخب سواء كان ذلك في المركز أو الأقاليم”.
ورفض الحزب الحلول المقترحة من نظام عبد الفتاح البرهان، لأنها مجزأة وتكرر التجارب السابقة، التي نهجها النظام البائد وكان مصيرها الفشل، وستساهم في إطالة معاناة ضحايا مناطق النزاعات وبالتالي ولن تحقق السلام المنشود، مشيرا إلى “أن أطراف هذه الاتفاقية تتكون من نفس جماعات الهبوط الناعم التي التقت بنائب رئيس النظام المخلوع لشؤون التنظيم فيصل حسن إبراهيم في أديس أبابا، والذي أكد بعد عودته قبيل اندلاع ثورة كانون الأول/ ديسمبر أن هذه المجموعة عبرت وأكدت على دعمها للنظام السابق واستعدادها للمشاركة في انتخابات 2020م لتوسيع قاعدة حكم الدكتاتور المخلوع عن طريق المحاصصات السياسية”.
وأضاف أن أطراف اتفاقية جوبا عبرت لاحقاً بعد نجاح الثورة عن دعمها ومساندتها للمجلس العسكري الانتقالي الذي يعتبر امتداداً لنظام البشير، واعتبرت أن أعضاءه شركاء في الثورة، “لذلك ليس من المستغرب اتفاق هذه الأطراف في خرق بنود الوثيقة الدستورية التي نتج عنها اختطاف المكون العسكري لملف المفاوضات، متجاوزاً بذلك صلاحيات المفوضية المعنية بعملية السلام بهدف إبعاد القوى السياسية وأصحاب الشأن في عملية السلام من بينهم ضحايا الحروب ومنظمات المجتمع المدني” حسب البيان ذاته.
وأشار الحزب، الذي فاق عدد منخرطيه المليون في سنوات السبعينيات، أن كل ذلك تم بتأثيرات تدخلات القوى الأجنبية التي بذلت جهوداً ملحوظة في وضع العراقيل أمام استمرار الثورة السودانية ومنع تنفيذ مطالب الجماهير المضمنة في الوثائق التي تم التوقيع عليها من قبل قوى الحرية والتغيير، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحها في نهب موارد السودان وثرواته المختلفة في باطن الأرض والاستيلاء على الأراضي والمراعي من خلال الإبقاء على الاتفاقيات المجحفة التي أبرمت في عهد المخلوع عمر البشير وبغرض إبقاء السودان في المحاور التي لا تخدم مصالح الجماهير.
وسجل الحزب أن هنالك مصالح اقتصادية مشتركة تربط بين أطراف اتفاقية جوبا والتي لا يمكن الحفاظ عليها إلا عن طريق وجودها في مواقع مؤثرة في مفاصل السلطة الانتقالية التي تضمن لهم الحفاظ على الثروات التي تراكمت في أيدي بعض قياداتها والتي نتجت من استثمارات شركات القوات النظامية والأمنية وباحتكار تجارة الذهب ومن المضاربات المالية، فضح الحزب استلام الأموال من دول أجنبية نظير مشاركة قوات تتبع لبعض قيادات هذه الأطراف في الحروب الدائرة في اليمن وليبيا.
وفي السياق نفسه، أشار الحزب أيضا، إلى سعي أطراف هذه الاتفاقية حفاظا على مصالحها إلى فرض واقع سياسي جديد يتيح لها الالتفاف على الفترة الانتقالية وإجهاضها مبكراً من مهامها المضمنة في الوثائق المختلفة، “خاصة تلك المرتبطة بانعقاد المؤتمر الدستوري الذي سيتيح الفرصة للسودانيين لمناقشة القضايا العالقة، وفي سبيل ذلك عمدت أطراف الاتفاقية على مناقشة قضايا قومية ذات أهمية بالغة ترتبط برسم مستقبل السودان ووحدته دون تفويض من الجماهير؛ في إطار خطة مسبقة لإفراغ المؤتمر الدستوري من مضمونه ومحتواه، محذرا من أن تشهد الوثيقة الدستورية تعديلات جوهرية ومؤثرة تهدف إلى تكريس المحاصصات المتفق عليها بين هذه الأطراف.
واستنتج الحزب السوداني المعارض، بناء على تحليل الأوضاع في السودان، أن “اتفاقية جوبا بصورتها الراهنة لن تحقق السلام المنشود؛ بل على العكس من ذلك فإنها سوف تخلق توترات ونزاعات جديدة بين سكان مناطق الحروب وكذلك سكان المناطق الأخرى في السودان التي أدرجت قضاياها ضمن قائمة مسارات منبر جوبا.
ودعا الحزب جماهير الشعب السوداني إلى استعادة دورها من خلال “تطوير مبادراتها في الاعتصامات السلمية وتقديم المذكرات وتنظيم الاحتجاجات والإصرار على تنفيذ المطالب الصادرة في مواثيق الثورة لمنع اختطافها وإجهاضها من قبل الرأسمالية الطفيلية ومن أعوان النظام الدكتاتوري المباد ولمنع فلول النظام السابق من العودة مرة أخرى إلى السلطة عبر بوابة اتفاقية جوبا للسلام التي تفتقر إلى السند الجماهيري المطلوب” معتبرا أن اتفاقية جوبا “ستقود إلى خلق توترات ونزاعات جديدة في المناطق التي ترفض فكرة وصاية أطراف هذه الاتفاقية على مجتمعاتهم بما في ذلك البند الخاص بحماية السكان المدنيين بواسطة المليشيات القبلية حتى لا تعود الأوضاع في بلادنا إلى المربع الأول، والتي كانت محفوفة بالعديد من المخاطر وعلى رأسها التفريط في السيادة الوطنية وانعدام سيادة حكم القانون واستشراء ثقافة الإفلات من العقوبة، والذي انعكس في عدم الاستقرار السياسي لفترة امتدت لأكثر من نصف قرن من الزمان”.
يذكر أن الحزب الشيوعي انخرط في الحراك الذي شهدته السودان في كانون الأول/ ديسمبر 2018 ، وكان ضمن تحالف واسع من القوى، سمي تحالف الحرية والتغيير، واستطاع الحراك الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل الماضي، بعد حكم استمر نحو 30 عاما.