مدار: 18 شباط/ فبراير 2022
دائما ما تكون الشعوب المقهورة ضحية النزاعات المسلحة، لاسيما أن الدمار والظروف الإنسانية التي يفرض تحملها تجعل من حياة أفرادها مستنقعا للمآسي، وجنة لمن يتاجرون بهذه المعاناة؛ ولعل الأمثلة القريبة في مختلف بقاع العالم الأربع أبرز مثال على ذلك.
تعيش أوكرانيا منذ اندلاع الحرب وحتى قبلها وضعا إنسانيا كارثيا، بفعل الدمار الذي لحق بالمنازل واضطرار السكان إلى ترك مدنهم هروبا من ويلات الحرب، في مشهد هروب جماعي تكرر في العديد من المناطق، مع ما يحمله هذا المعطى من تنكيل بالأطفال وكبار السن على الخصوص.
وفي ظل هذه المعاناة، ينضاف عامل آخر، ألا وهو العنصرية والتمييز اللذين تعيش على وقعهما البلاد منذ سنوات، وزادا ترسخا في الأيام الأخيرة، لاسيما من خلال منع من هم ليسوا أوكرانيين أو أوروبيين من الخروج من المدن التي تشهد القصف، في مشهد تعاملت معه حتى وسائل الإعلام الغربية على أنه أمر عادي.
أعداد القتلى والمشردين لا تكف عن الارتفاع
وفقا للتقارير المتعددة، وبالأخص تلك الصادرة عن المفوض السامي لحقوق الإنسان، فإن أرقام الضحايا والمشردين في ارتفاع مستمر، بجميع المناطق.
وحسب التقرير فإنه إلى حدود 14 مارس/ آذار 2022، تم تسجيل 1834 ضحية مدنية في البلاد: 691 قتيلًا و1143 جريحا. وتوزع القتلى ما بين 135 رجلا و99 امرأة و7 فتيات و11 فتى؛ بالإضافة إلى 30 طفلا و409 بالغين لم يُعرف جنسهم بعد.
وتعتقد المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن الأرقام الفعلية أعلى بكثير، ولاسيما في الأيام الأخيرة، في ظل تأخر تلقي المعلومات من بعض المواقع التي دارت فيها أعمال قتالية عنيفة، فيما مازالت العديد من التقارير تنتظر التأكيد.
هذه الأعداد الكبيرة من القتلى والجرحى تنضاف إلى عدد أكبر بكثير من المشردين الذين فقدوا مأواهم، في ظل تقارير أخرى تتحدث عن حدوث اضطرابات في خطوط الكهرباء، وكذلك أنظمة إمدادات الغاز والمياه؛ وذلك في وقت تعرف درجات الحرارة في البلاد انخفاضا كبيرا.
كما أن المستشفيات التي من المفترض أن تكون ملاذا للمصابين أصبح معظمها خارج التغطية، بل إن العديد منها تعرضت للتدمير.
مشكل التعامل مع غير الأوكرانيين
أشارت العديد من التقارير إلى إن الأجانب الذين يعيشون في أوكرانيا واجهوا معاملة غير متساوية وتأخيرات أثناء محاولتهم الخروج من البلاد مع مئات الآلاف من الأوكرانيين، وهو الأمر الذي بدا واضحا من خلال منع أو تأخير الأجانب من ركوب الحافلات والقطارات، في مشهد أبان عن أنه يتم إعطاء الأولوية لإجلاء الأوكرانيين قبل أي أحد.
وهو الأمر الذي اعترفت به السلطات الأوكرانية، قائلة إنها على دراية بالمشكلة، وتتخذ خطوات لضمان السماح للمواطنين الأجانب بمغادرة البلاد، لكن الظروف لم تتحسن بأي شكل من الأشكال.
وفي هذا الإطار قالت جوديث سندرلاند، مديرة قسم أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش: “إنه لوضع مروع ذلك الذي يعيشه من يريدون الخروج من البلاد. يجب السماح لكل شخص رغب في المغادرة أن يستقل وسائل النقل المخصصة لذلك، بغض النظر عن المكان الذي أتى منه”، وأضافت: “يجب على السلطات الأوكرانية عدم التمييز على أساس الجنسية أو العرق، ويجب على الدول المجاورة السماح باستقبال الجميع، مع التزام الحد الأدنى من البيروقراطية”.
ولطالما كانت أوكرانيا وجهة خاصة للطلاب من جميع أنحاء العالم. وفقا للبيانات الحكومية لعام 2020، كان هناك 80 ألف طالب دولي في البلاد، ولعل معظمهم من القادمين من الهند، المغرب، أذربيجان، تركمانستان ونيجيريا. هؤلاء الطلاب والأشخاص القادمون من العديد من البلدان إلى أوكرانيا من أجل العمل وجدوا أنفسهم في مواجهة تمييز كبير في طريقهم للخروج من البلاد.
هذه المستجدات دفعت الاتحاد الإفريقي إلى إصدار بيان في 28 فبراير/ شباط، حث فيه جميع البلدان على “احترام القانون الدولي وإظهار نفس التعاطف والدعم لجميع الأشخاص الفارين من الحرب بغض النظر عن هويتهم العرقية”. كما أعربت العديد من الحكومات التي لديها مواطنين في أوكرانيا عن قلقها بشأن معاملتهم والعقبات التي تحول دون خروجهم من البلاد.
وقال وزير الخارجية النيجيري لوسائل الإعلام في 1 مارس/ آذار إنه تحدث مع السلطات الأوكرانية والبولندية حول الحاجة إلى ضمان قدرة النيجيريين على عبور الحدود.
وفي جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس/ آذار، قال الممثل الهندي الدائم لدى الأمم المتحدة: “نطالب بممر آمن وغير منقطع لجميع المواطنين الهنود، بمن فيهم طلابنا، وخاصة في خاركيف ومناطق الصراع الأخرى”، مركزا على أن ما يقع من تمييز، سواء عند الخروج أو الاستقبال، هو “أمر خطير”.
كما أعرب خبراء الأمم المتحدة في 3 مارس/ آذار عن “قلقهم الشديد بشأن التقارير المستمرة عن تعرض الأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي والأقليات العرقية والإثنية لمعاملة تمييزية أثناء فرارهم من أوكرانيا”، وأشاروا إلى أن “حظر التمييز العنصري هو من الأمور الأساسية في القانون الدولي، مع قابلية التطبيق في حالات النزاع والسلام”.