مدار: 08 آذار/ مارس 2022
تتأثر النساء بشكل أكبر بالتغيرات المناخية التي يشهدها العالم، وفي الوقت نفسه تجدهن وبصفة دائمة في طليعة الجهود العالمية الرامية إلى مكافحة هذه التغيرات.
وأصدرت مجموعة العمل التابعة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أواخر الشهر الماضي تقريرا، حذرت فيه من زيادة الظواهر الجوية المتطرفة وما يرافقها من حاجتنا إلى التكيف العاجل وإيجاد صيغ مستقبلية لحل هذه الإشكالية.
لقد أثبتت الأزمات التي مرت منها البشرية أن النساء أكثر عرضة لتبعات هذه الأزمات؛ ولعل أبرز دليل على ذلك جائحة كوفيد-19، عندما تلقت الوظائف التي تمارسها النساء الضرر الأكبر، بالإضافة إلى زيادة عبء العمل المنزلي والرعاية غير المأجورة المرتبطة بالخصوص بالتعليم المنزلي، ورعاية كل من الأطفال والوالدين المسنين، نظرا لإغلاق دور الرعاية.
وبالمثل تعاني النساء من القدر الأكبر من الحرمان والخسارة خلال حالات الطوارئ المختلفة، سواء تعلق الأمر بما هو اقتصادي أو بيئي أو صحي، أو أي مجال آخر، وهو الأمر الذي ينطبق بشكل أكبر في خضم واقعنا الحالي على التغير المناخي.
تأثير التغيرات المناخية على وضع النساء والفتيات
تطرق التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن النوع الاجتماعي هو أحد العوامل الرئيسية التي ترفع من مدى قابلية التأثر بالتغيرات المناخية؛ فقد أدت أحداث مثل الظواهر الجوية المتطرفة إلى تعطل سبل العيش، ما أثر بشكل كبير على النظافة والصرف الصحي، مع تضاعف هذه التأثيرات على الظروف الصحية والاقتصادية والتعليمية للنساء. وفي عام 2021 وحده، تناول تجمع “ملالا” أن الأحداث المتعلقة بالمناخ ستمنع ما لا يقل عن أربعة ملايين فتاة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل من إكمال تعليمهن.
وعودة إلى تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، صدر في 2017، فإنه عام 2011 ضرب جفاف شديد شرق إفريقيا، وأدت فترة الجفاف الناتجة – التي تركزت تداعياتها في عدم سقوط الأمطار بالشكل المعتاد وضعف الحصاد ونقص المراعي – إلى سقوط أكثر من 11.5 مليون شخص في واحدة من أسوأ أزمات الأمن الغذائي التي شهدتها المنطقة على الإطلاق.
ونتيجة لذلك، حسب التقرير ذاته، شهدت المنطقة لجوء العائلات إلى تزويج بناتهن من أجل الماشية.
هذا الواقع السيئ الذي تعانيه النساء أكدته “اليونيسيف” من خلال حديثها عن أنه غالبا ما تضطر الفتيات والنساء في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى السفر لمسافات طويلة – تصل أحيانًا إلى ثماني ساعات – لجلب المياه النظيفة لأسرهن، فوفق تقدير للمنظمة فإن الفتيات والنساء في جميع أنحاء العالم يقضين حوالي 200 مليون ساعة في اليوم في جمع المياه.
وتؤدي هذه المهام المنزلية أثناء التغيرات المناخية المتقلبة إلى إخراج الفتيات من المدرسة، فعلى سبيل المثال 70% ممن تم إخراجهم من المدرسة أثناء الجفاف في بوتسوانا كانوا من الفتيات. بالإضافة إلى ذلك، أفادت 56% من الفتيات المتمدرسات في البلاد بأنهن يسافرن لمسافات أطول من المعتاد لجلب الماء، الأمر الذي استغرق وقتًا أطول من يومهن ودراستهن.
هذا ويؤدي التغير المناخي إلى تقليل الموارد الطبيعية والاقتصادية المتاحة، ما تنجم عنه زيادة العنف الذي يؤثر بشكل غير متناسب على النساء، الأمر الذي يجعل معالجة عدم المساواة بين الجنسين أمرًا محوريًا لتحقيق العدالة المناخية.
إن الفتيات في جميع أنحاء العالم هن أول من يترك المدرسة أثناء أزمات المناخ من أجل المساعدة في تخفيف عبء الموارد المنزلية النادرة. ومثل العديد من الكوارث المتعلقة بالطقس، ستحدث حالات الجفاف بشكل متكرر مع زيادة درجات الحرارة العالمية والتأثير على دورة مياه الأرض، وهو الأمر الذي سيجعل في كل مرة النساء والفتيات في طليعة المتضررين.
كيف يمكن أن تساهم الإجراءات المناخية في العدالة والمساواة بين الجنسين؟
على الرغم من أن مخرجات قمة المناخ في باريس تبقى مجرد حبر على ورق، ولا يرتجى من ورائها سوى العمل على تعبيد طريق الشركات الكبرى والدول القوية نحو استنزاف الموارد وتغطية تسبب القوى العظمى في ما وصل إليه الوضع المناخي، إلا أنها حملت نقطة جيدة من أجل التفكر فيها.
ولفت اتفاق باريس 2015 النظر إلى الآثار الكبيرة لتغير المناخ على النساء، ودعا إلى نهج “يراعي النوع الاجتماعي” للعمل المناخي. لكن ما لم يتطرق له التقرير هو كيف يمكن القيام بذلك وحل الإشكاليات الرئيسية التي تؤدي إليه، ومن بينها ما هو اقتصادي بدرجة أكبر.
لكن ما يمكن ملاحظته من خلال التحركات السابقة هو أن النساء أصبحن أكثر معارضة للقمم الدولية الخاصة بالمناخ، لأن معظم مخرجاتها تصب في مصلحة الشركات الكبرى، وهو ما تجلى من خلال المظاهرات التي شهدتها العديد من الدول.
كما كان ملحوظا تواجد النساء في المظاهرات المعارضة لقمة المناخ في غلاسكو، التي أشارت إلى أن المسودة الجديدة تنادي بالتخلص من الطاقة القائمة على الفحم، مع توفير إعانات لتلك القائمة على الوقود الأحفوري، معتبرين أن ذلك سيكون سببا في تضرر العديد من النساء في إفريقيا وبلدان آسيا.
لقد كانت النساء في مقدمة الصفوف الاحتجاجية، وتجلى ذلك أكثر فأكثر من خلال مظاهرات الهند التي استمرت فترة ليست بالقصيرة، والتحركات المستمرة في البرازيل، والخطوات التي تم خوضها في كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا ضد شركات النفط الكبرى، نظرا لدورها في تلويث وتدمير سبل العيش في المنطقة.