التحول في الهيمنة والهشاشة البنيوية في النظام العالمي

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مدار: 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2025

أليخاندرو ماركو ديل بونت

كان للتحذير الذي أُطلق في الاجتماع السنوي لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي طابعا وجوديا تقريبًا، وفظاظة غير معهودة في اللغة المخففة عادة للتكنوقراطية العالمية. لم تلطّف كريستالينا جورجيفا، التي تقود صندوق النقد الدولي، من لغتها. كانت رسالتها، الموجهة إلى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية المجتمعين، بمثابة نبوءة: “اربطوا أحزمة الأمان: عدم اليقين هو الوضع الطبيعي الجديد، وقد جاء ليبقى”.

هذا التصريح، ليس من مجرد اعتراف بالظرفية التي تتسم بالتعريفات الجمركية والديون والهشاشة المالية، بل شاهد قبر لعصر كامل. فما ينهار ليس مجرد دورة اقتصادية أو فترة ازدهار، بل النظام الاقتصادي الدولي نفسه الذي ساد لعقود، والذي بُني على ركائز رأس المال المالي غير المنظم والإيمان العقائدي بعصمة الأسواق.

إن القلق الذي يجتاح أروقة واشنطن ليس تقنيًا فحسب، بل هو فلسفي. إنه الإدراك الناشئ بأن الافتراضات الاقتصادية التأسيسية للغرب – الاعتقاد شبه الديني بأن الأسواق الحرة تعادل حتمًا أفضل النتائج الممكنة – تُهزم ليس في معركة ميدانية، بل بطريقة هيكلية، صبورة ومنهجية، على يد خصم مؤسسي يعمل بمنطق مختلف جذريًا.

تحدث هذه الهزيمة الأيديولوجية بينما تغرق الأطراف الهشة من هذا النظام نفسه، أي الجنوب العالمي، الذي كان لعقود مختبر تجاربه، في أزمة ديون أعمق ليست مرحلية، بل بنيوية، وهي التعبير النهائي عن بنية مصممة لنقل الثروة بشكل منهجي.

إن الأرقام الباردة والساحقة لصندوق النقد الدولي – ذلك الدين العالمي الذي يتجاوز 235% من الناتج المحلي الإجمالي للكوكب – يجب ألا تُقرأ كمجرد أرقام، بل كخريطة للضعف غير المتكافئ الذي يميز عصرنا. بالنسبة للاقتصاد الأرثوذكسي، هو خطر موحد؛ أما بالنسبة للنظرة غير التقليدية، فهو أشعة سينية لنظام هيمنة. لا تكمن الهشاشة البنيوية الحقيقية في الدين الإجمالي، بل في توزيعه الجيوسياسي: ديون البلدان النامية، التي غالبًا ما تكون مقدّرة بالعملة الصعبة – الدولار الأمريكي – وتحكمها الشروط الخانقة التي تفرضها مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي نفسه.

أصبح هذا الدين آلية التبعية بامتياز، وأداة متطورة للاستخراج المنهجي للفوائض. إنه يعمل كمضخة شفط، تجبر دول الجنوب، من خلال إلزامها بإعطاء الأولوية لخدمة الدين، على تنفيذ سياسات تقشف تخنق الإنفاق الاجتماعي، وتقلص الاستثمار العام، وتعيدها إلى الاعتماد على المواد الخام كوسيلة وحيدة لتوليد العملات الأجنبية. تضمن هذه الدائرة الخبيثة أن الثروة الجديدة التي تُخلق وموارد تلك الدول لا يُعاد استثمارها محليًا في الصناعات أو المدارس أو المستشفيات، بل تنطلق في رحلة أحادية الاتجاه نحو المراكز المالية في الشمال العالمي في شكل مدفوعات فوائد، مما يديم دورة من التخلف ليست صدفة، بل نتيجة منطقية للتصميم.

يتشابك هذا المنطق في ما لا يمكننا تسميته إلا بـ«إعادة التشكيل الكبرى»: أزمة ثلاثية متزامنة تشمل التراجع النسبي للغرب، والصعود المنهجي للصين، والفخ المستمر لديون الجنوب العالمي.

إن السؤال المركزي، الذي يربط ماضي أمريكا اللاتينية المؤلم بمستقبلها الغامض، هو ما إذا كانت المنطقة محكوم عليها بتكرار تاريخها أم أن التصدعات في النظام الأحادي القطبية تمنحها، لأول مرة، هامشًا. إن التشابه مع «العقد الضائع» في الثمانينيات أمر لا مفر منه ومعبّر، ولكن في اختلافاته الحاسمة يكمن مفتاح مصير لا يزال من الممكن تغييره.

آلية المديونية متشابهة هيكليًا: في ذلك الوقت، تم التعاقد على الدين مع البنوك التجارية الغربية وصندوق النقد الدولي، الذي عمل كذراع مالي لإجماع واشنطن؛ أما اليوم، فإن طيف الدائنين أكثر تنوعًا – أسواق السندات المجهولة، والدولة الصينية، والمؤسسات متعددة الأطراف – ولكن التأثير الخانق على السيادة الاقتصادية متماثل.

إلى جانب هذه الاستمرارية، يُلاحظ تجديد وتكثيف النموذج الاستخراجي. فإذا تم في الثمانينيات ترسيخ التخصص في التصدير الأولي كوسيلة وحيدة لتوليد العملات الأجنبية وسداد الديون، فإننا اليوم نشهد «الاستخراجية في القرن الحادي والعشرين»: التعدين المكشوف على نطاق فرعوني، والزراعة الصناعية أحادية المحصول، وتعميق المرض الهولندي، ذلك الداء الاقتصادي الذي يرفع قيمة العملة المحلية بشكل مصطنع وينتهي بالقضاء على أي محاولة للصناعة الوطنية، مما يخلق اقتصادات كاريكاتورية تصدر السلع الأولية وتستورد حتى أبسط السلع.

لقد تبدّل أسلوب الضبط أيضًا. في السابق، فرض صندوق النقد الدولي «إجماع واشنطن» بوحشية نمط واحد: التقشف، والخصخصة، وإلغاء القيود التنظيمية. أما اليوم، وعلى الرغم من أن الخطاب الرسمي أصبح أكثر مرونة، فإن الأسواق المالية العالمية هي التي تمارس المراقبة. إنها تفرض الانضباط على الحكومات من خلال هروب رأس المال الفوري والزيادة العقابية في هوامش السندات (مخاطر الدولة) إذا تجرأت على الابتعاد عن المسار «المسؤول»، أي المسار الذي يعطي الأولوية للسداد للدائن على التنمية الوطنية.

في هذا المشهد الكئيب، تقتحم الصين المشهد، ليس كمنقذ، بل كعامل تمزق جيوسياسي يغير جميع المعادلات السابقة. فالقروض الصينية، التي تُقدم دون الشروط السياسية الاقتصادية الأرثوذكسية التي تميز صندوق النقد الدولي، تمنح بلدان الجنوب العالمي هامش مناورة لم يكن موجودًا ببساطة في الثمانينيات. بالإضافة إلى ذلك، يضمن التحول العالمي في مجال الطاقة طلبًا هيكليًا ومستدامًا على الموارد الكامنة تحت أرض أمريكا اللاتينية: النحاس، والليثيوم، وفول الصويا. تبرز الصين كطالب هامشي رئيسي، والمشتري الأخير الذي يمكن أن يوفر وسادة من العملات الأجنبية، وهي وسادة لم تكن لدى المنطقة في الثمانينيات عندما انهارت أسعار المواد الخام.

ومع ذلك، فإن الخطر الحقيقي ليس تكرار العقد الضائع في صورته الخالصة، بل الوقوع في نسخة أكثر تعقيدًا وربما أكثر استدامة: «عقد ضائع بخصائص صينية». يكمن الخطر في ترسيخ مجرد استبدال للتبعيات. يمكن الانتقال من التبعية المالية لواشنطن إلى التبعية التجارية والتكنولوجية لبكين، مع تغيير الدائن، ولكن ليس الهيكل التبعي الأساسي. يمكن أن تقع المنطقة في فخ تقسيم دولي جديد للعمل، غير مواتٍ بنفس القدر، حيث تصدر المواد الخام إلى الصين وتستورد المصنوعات الصينية، مما يخنق مرة واحدة وإلى الأبد أي أمل في إعادة التصنيع.

يخلق هذا ديناميكية خبيثة من «التبعية المزدوجة»: الحفاظ على التبعية المالية لأسواق رأس المال الغربية (والدولار) مع تعميق التبعية التجارية مع الصين.

لهذا السبب، يُدخل الوجود الصيني، لأول مرة منذ عقود، متغيرًا من القدرة على الفعل الاستراتيجي. إن مجرد وجود فاعل بديل للإجماع الغربي يكسر احتكار الفكر الواحد ويخلق مساحة للتفاوض لم تكن موجودة من قبل. وبالتالي، فإن مصير أمريكا اللاتينية ليس مكتوبًا في اتفاقيات صندوق النقد الدولي ولا في الخطط الخمسية الصينية. سيعتمد، بشكل حاسم، على قدرة سياسييها – وضغط مجتمعاتهم – على التعلم من الأخطاء الكارثية للماضي.

تملي القراءة الباردة للوضع أن تغيير المسار لن يتحقق إلا إذا تبنت حكومات أمريكا اللاتينية استراتيجية واعية ومخطط لها للتنمية المستقلة تتجاوز مرة واحدة وإلى الأبد مجرد تصدير السلع الأولية إلى أي مشترٍ، سواء كان غربيًا أو صينيًا. ولكي لا يتحقق العقد الضائع 2.0 المخيف، يجب على المنطقة، كحد أدنى، أن تقوم بثلاث حركات استراتيجية واسعة النطاق.

أولاً، يجب عليها تصنيع العلاقة مع الصين: وهذا يعني انتقالًا مدروسًا من تصدير خام الليثيوم إلى تصدير بطاريات الليثيوم، أو من تصدير النحاس إلى تصدير كابلات الألياف البصرية والمكونات الإلكترونية. لن تحدث هذه القفزة بفعل اليد الخفية للسوق، بل تتطلب تخطيطًا حكوميًا وإرادة سياسية يجسدها النموذج الصيني نفسه.

ثانيًا، من الضروري إدارة الديون بذكاء جيوسياسي: استخدام التمويل الصيني – وأي مصدر آخر – ليس لسد الثغرات المالية أو تمويل عجز الاستهلاك، بل لمشاريع البنية التحتية والصناعات الاستراتيجية التي تزيد من القدرة الإنتاجية الداخلية، وفي نهاية المطاف، توليد العملات الأجنبية اللازمة لسداد الديون بشكل مستدام.

ثالثًا، وربما الأهم، تعزيز التكامل الإقليمي بشكل جوهري: الطريقة الوحيدة لكسر منطق التبعية لهيمنة واحدة – سواء كانت تاريخيًا الولايات المتحدة أو قد تكون الصين في المستقبل – هي بناء أسواق إقليمية قوية ومتكاملة وذات سياسات مشتركة. فقط التنسيق القوي بين البلدان سيمنحها الكتلة الحرجة والقوة التفاوضية اللازمة لمواجهة العمالقة العالميين دون أن تُسحق.

إن ما يسمى بـ«الهدوء» الذي يراه بعض محللي مجلس الأطلسي في الأفق الاقتصادي ليس سوى الهدوء المتوتر الذي يسبق إعادة ترتيب عنيفة للنظام الاقتصادي العالمي. يشعر الغرب بقلق حقيقي لأن أدوات قوته التقليدية – الدولار كعملة احتياطية، وصندوق النقد الدولي كشرطي مالي – تتآكل أمام عينيه. أما الصين، من جانبها، فهي لا ترتجل؛ إنها تنفذ ببرود خطة حكومية تمتد لعقود لبناء نظام بديل، مستخدمة سيطرتها على المعادن النادرة وقدرتها على التمويل في الجنوب العالمي كرافعات جيوسياسية أساسية.

وبالتالي، فإن خطر «فخ السلع الأولية» حقيقي أكثر من أي وقت مضى. فالعلاقة مع الصين، إذا لم تُدر باستراتيجية سيادية، يمكن أن تكون غير متكافئة إلى حد كبير وتنتهي بتعزيز النموذج الاستخراجي الذي يُسعى للهروب منه. تحتاج الصين إلى موارد طبيعية وغذاء بكميات هائلة لدعم خطتها الطموحة للتنمية الصناعية المتقدمة. وإذا اكتفت أمريكا اللاتينية بأن تكون المورد السلبي للمواد الخام للمركز الصناعي العالمي الجديد، فلن تفعل سوى إدامة دورها التابع في التقسيم الدولي للعمل، محدّثة بذلك المخطط القديم للمركز والأطراف مع مركز جديد.

المصدر: “El tábano economista“.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

فلسطين

الأقوياء الذين يقفون مع إسرائيل

غلوب تروتر/ مدار: 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 فيجاي براشاد* تمكنت إسرائيل من تنفيذ إبادتها الجماعية، المنقولة على الهواء مباشرة، في غزة بسبب حلفائها الغربيين