مدار: 05 أبريل/ نيسان 2022
تستعد الجمهورية الفرنسية لدخول سباق الانتخابات الرئاسية التي ستجرى على دورين، في ظل حضور مختلف التلاوين السياسية من اليسار إلى أقصى اليمين، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
يعول الكثيرون على هذه الانتخابات قصد تغيير الأوضاع التي شهدت تدهورا كبيرا نتيجة ما عاشته البلاد طيلة العامين الماضيين بفعل الجائحة التي زادت من تسليط الضوء على الوضع الكارثي. كما أن الأيام الأخيرة، في ظل الصراع القائم في أوكرانيا، كانت شاهدة على ارتفاع غير معهود في الأسعار.
نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء ولو بشكل طفيف على المرشحين الذين أحدثوا نوعا من النقاش.
ميلنشون وقيادة مشروع يسار غير متجانس
يدخل اليسار الفرنسي الانتخابات المقبلة كما جرت العادة بأصوات منقسمة، في ظل تركز حزب ميلينشون في المناطق الصناعية، حيث يجتذب العمال والشباب، في حين أن الاشتراكيين والخضر لديهم قاعدة أكثر من الطبقة الوسطى، ويسيطرون على سياسات باريس والمدن الأخرى.
جان لوك ميلينشون، ذو الـ70 عاما، هو زعيم حركة “فرنسا الأبية” اليسارية، وقد شهدت الفترة الأخيرة انتعاش حزبه بعد الاستطلاعات الرأي التي وضعته في المرتبة الثالثة بعد كل من ماكرون وماري لوبان.
ويعد ميلينشون من المتحدثين الجيدين، إذ يعرف كيف يزرع الحماس في مؤيديه، مستعينا في الكثير من الأحيان بتشبيهات غير معتادة، ففي يناير، وضمن تجمع حاشد، قال المرشح اليساري: “ثقوا في سلحفاة حكيمة مثلي بالأناة تنال المبتغى”، مضيفا بشكل ساخر: “لقد سئمت بالفعل بعض الأرانب”.
وميلينشون تروتسكي سابق، وعضو منذ فترة طويلة في الحزب الاشتراكي، قبل أن يغادره عام 2008، مع ما رافق ذلك من اتهامه بالانحراف إلى الوسط.
من الأمور التي يركز عليها المرشح اليساري في سباقه الرئاسي القضايا الاجتماعية، المتمثلة في الهجرة، والرفع في الحد الأدنى من الأجور، والتقليص في سن التقاعد، وإعطاء المستشفيات العمومية أولوية من أجل تحسين الواقع الصحي الذي أبان عن هشاشته في الجائحة، حسبه.
رغم الأرقام المتواضعة.. ماكرون مازال مسيطرا
رغم عدم شعبيته (54٪ من الناخبين الفرنسيين لا يوافقون على أدائه في منصبه وفق استطلاعات أخيرة) من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز إيمانويل ماكرون بفترة ولاية ثانية مدتها خمس سنوات في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي ستعقد جولتها الأولى الأحد المقبل.
ويهدف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بدء حملته لإعادة انتخابه هذا الأسبوع بجولات خارج باريس، وحشود كبيرة في العاصمة، بعد أن حدت الضغوط الدبلوماسية للحرب في أوكرانيا من استجوابه في الداخل – ما أدى إلى تراجع في استطلاعات الرأي في ظل مخاوف من انخفاض الإقبال.
ويأمل ماكرون، البالغ 44 عاما، أن يكون الشهر المقبل شاهدا على تحقيقه إنجازا بأن يصير أول رئيس فرنسي يعاد انتخابه خلال 20 عاما، لكن ذلك لن يكون سهلا في ظل المؤشرات التي تحدثت عن انخفاض شعبيته مؤخرا بنقطتين إلى ثلاث نقاط في استطلاعات الرأي، مع تضييق الفجوة بينه وبين المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان.
وبينما مازال ماكرون هو المفضل، ينظر إلى الأيام القليلة القادمة من الحملة الانتخابية على أنها محفوفة بالمخاطر بالنسبة له، وسط الغضب من ارتفاع في تكلفة المعيشة، وخيبة الأمل في مستوى نقاش الحملة والسياسة بشكل عام.
كل هذا ينضاف إلى ما يعانيه الرئيس الفرنسي من اتهامات لحكومته بالبطء في طرح اللقاحات، والتعاطي مع الجائحة الذي تميز في كثير من الأحيان بالعشوائية، بالإضافة إلى الانتقادات التي طالته من قبل مرشح حزب الخضر، يانيك جادوت، حول دفع رواتب لمستشارين خاصين لم يؤدوا أي دور، وهو الأمر الذي أجاب عنه بأن جميع العقود تحترم القانون.
زمور وخطاب الكراهية
لما يزيد عن الـ20 عاما وزمور يتنقل في مختلف وسائل الإعلام، فقد كان لديه الوقت الكافي لشحذ أسلحته ولسانه باعتباره كاتبا لعمود في صحيفة لوفيغارو، ثم محاورا في Cnews، وهي قناة تابعة لملياردير فرنسي× وفي الفترة الأخيرة وقبيل الانتخابات الرئاسية، خصص كامل وقته من أجل قيادة حملته الانتخابية.
لقد جاب مختلف أنحاء البلاد، مروجا لأطروحاته المبنية على الحقد والعنصرية ضد المسلمين والسود والنساء، كما استفاد من وقت كاف لترويج هذه الأفكار في وسائل الإعلام؛ وفي ظل كل هذا فهو يقدم نفسه على أنه شخصية مناهضة للنظام الحالي، ترغب في محاكمة الواقع السياسي والمالي والإعلامي الراهن.
قد يعتقد كثيرون ممن ليسوا مطلعين على الوضع في فرنسا أن مغامرة زمور فريدة من نوعها، لكنها في الواقع ليست كذلك، فقد اتخذت عديد من الشخصيات المتقلبة في الماضي الموقف نفسه، لاسيما في فرنسا.
إريك زمور هو مرشح تقوم خطاباته على التعليقات المقززة المتكررة، ومع ذلك يجب الاعتراف بأنه قد وجد الوريد الأيمن جاهزا لضخ أفكاره، بحيث يعزف على وتر يعتبر حساسا بالنسبة للجميع، وهو كراهية الأجنبي، ما مكنه من الحصول على تغطية إعلامية مهمة؛ مع السماح له بالإفلات من العقاب في ظل خطاب الكراهية الذي يقوم بترويجه، لاسيما أن فرنسا لها سوابق عديدة في معاقبة كل من تناول الصهاينة بسوء (عبر قانون معاداة السامية).
يريد إريك زمور، المعادي الشديد للمهاجرين، وهو نفسه مهاجر من الجيل الثاني، أن يكون “ملكيًا أكثر من الملك”، وينضاف إلى ذلك مساندته لكل من يريد تصفية الحسابات مع العرب والمسلمين بالأخص، وهذا يعيدنا إلى تصريحاته الشهيرة المتعلقة بأن “المتاجرين بالبشر هم إما من السود أو العرب”؛ فهو لا يترك أي لحظة في خضم السباق الرئاسي إلا ويستحضر هجومه الضاري من خلال حديثه عن الأعراق والتقليل من الإسلاموفوبيا والهيمنة الغربية، والتهرب من الاعتذار عن الكراهية التي يقوم بنشرها تحت ستارة حرية التعبير.