موندويس/ مدار: 24 تشرين الأول/ نوفمبر 2025
بقلم: كريغ مخيبر
يتجاهل دعم مجلس الأمن لخطة ترامب لغزة القانون الدولي، وتعاقب الفلسطينيين، وتكافئ المسؤولين عن الإبادة الجماعية.
بعد أكثر من عامين من الإبادة الجماعية في فلسطين، تحرك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أخيرًا. ولكن بدلاً من العمل على إنفاذ القانون الدولي، وحماية الضحايا، ومحاسبة الجناة، تبنى المجلس قرارًا ينتهك بشكل علني أحكامًا رئيسية في القانون الدولي، ويجرّد الضحايا من القوة ويعاقبهم، ويكافئ الجناة ويمكّنهم.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن القرار يسلّم السيطرة على غزة والناجين من الإبادة الجماعية للولايات المتحدة، الشريك في ارتكاب الإبادة الجماعية، وينص على مشاركة النظام الإسرائيلي في صنع القرار. وبموجب الخطة، لن يُمنح الفلسطينيون أنفسهم أي مشاركة في القرارات المتعلقة بحقوقهم، وحكمهم، وحياتهم.
بتبنيه لهذا القرار، تحول المجلس، في الواقع، إلى آلية للقمع الأمريكي، وأداة لاستمرار الاحتلال غير القانوني لفلسطين، وطرف متواطئ في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.
لم تتصرف الأمم المتحدة بمثل هذه الطريقة الاستعمارية الفجة (والتي تتجاوز صلاحياتها قانونيًا)، ولم تَدُس باستهتار على حقوق شعب ما، منذ أن قسمت فلسطين في عام 1947 ضد رغبة السكان الأصليين، ممهدة الطريق لـ 80 عامًا من النكبة.
قرار من الجحيم
تبنى مجلس الأمن الدولي، يوم الاثنين 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، اقتراحًا أمريكيًا بتسليم السيطرة على غزة إلى هيئة استعمارية بقيادة الولايات المتحدة تسمى “مجلس السلام”، مع نشر قوة احتلال بالوكالة، موجَّهة أيضًا من الولايات المتحدة، تسمى “قوة الاستقرار الدولية”. وكلتا الهيئتين ستخضعان في النهاية لدونالد ترامب شخصيًا. وستعمل كلتاهما بالتشاور مع النظام الإسرائيلي.
في يوم سيذكره التاريخ طويلاً كيوم عار للأمم المتحدة، ورغم امتناع روسيا والصين عن التصويت، إلا أنهما لم يستخدما حق النقض (الفيتو)، ولم تمتلك أي دولة عضو في مجلس الأمن الشجاعة أو المبدأ أو الاحترام للقانون الدولي للتصويت ضد ما لا يمكن اعتباره إلا فضيحة استعمارية أمريكية، وتصديقًا على الإبادة الجماعية، وتنازلاً صارخًا عن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
يرفض القرار ضمنيًا سلسلة من الاستنتاجات الأخيرة لمحكمة العدل الدولية، وينكر علنًا حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويعزز إفلات النظام الإسرائيلي من العقاب، حتى مع استمرار الإبادة الجماعية.
على الرغم من إقرار محكمة العدل الدولية بأن للشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير على أرضه، يجرّد القرار الفلسطينيين من هذا الحق، مُمَكّنًا قوات أجنبية معادية من حكمهم.
وعلى الرغم من استنتاج المحكمة بأن غزة (وكذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية) محتلة بشكل غير قانوني وأن الاحتلال يجب أن ينتهي بسرعة وبشكل كامل، فإن القرار يمدد الاحتلال الإسرائيلي، ويصادق على الوجود غير المحدد لجنود النظام الإسرائيلي، ويفرض فوق ذلك احتلالاً ثانيًا بقيادة الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من استنتاج المحكمة بأن الفلسطينيين ليسوا مضطرين للتفاوض على حقوقهم مع مضطهديهم، وأنه لا يمكن لأي اتفاق أو عملية سياسية أن تتفوق على تلك الحقوق، فإن القرار يُبطل تلك الحقوق ويتركها لتقدير الولايات المتحدة وشركائها الإسرائيليين وغيرهم.
حتى في خضم إبادة جماعية مستمرة يرتكبها نظام فصل عنصري، لا يرد في القرار أي ذكر ولو لمرة واحدة لجرائم الإبادة الجماعية أو الفصل العنصري أو الاستعمار، أو للآلاف من الفلسطينيين الذين لا يزالون محتجزين في معسكرات التعذيب والموت الإسرائيلية، أو لمبادئ المساءلة للجناة أو إنصاف الضحايا.
ولا يُطلب من إسرائيل الوفاء بالتزاماتها القانونية المتمثلة في التعويضات وجبر الضرر، بل تُنقل هذه المسؤولية بدلاً من ذلك إلى مانحين دوليين ومؤسسات مالية دولية، فيما يرقى إلى خطة إنقاذ بمليارات الدولارات للنظام الإسرائيلي. وباختصار، يضمن القرار الإفلات التام للنظام الإسرائيلي من العقاب، فضلاً عن الدفع قُدُمًا بتطبيعه.
إدارة استعمارية
يرحب القرار، ويصادق، ويضم خطة ترامب التي فقدت مصداقيتها إلى حد بعيد (نسخة 29 أيلول/ سبتمبر)، ورغم أنه لا يستشهد بجميع أحكامها الإشكالية، فإنه يدعو جميع الأطراف إلى تنفيذها بالكامل.
يمكّن القرار “مجلس السلام” الذي يترأسه ترامب من العمل كإدارة انتقالية تحكم كل غزة، وتسيطر على جميع الخدمات والمساعدات، وتتحكم في حركة الناس من وإلى غزة، وتتحكم في إطار عمل وإعادة إعمار وتمويل غزة، كما يتضمن تفويضًا مصاغًا بشكل خطير وواسع النطاق للقيام بـ “أي مهام أخرى قد تكون مطلوبة”. ويمنح القرار سلطة مسبقة لمجلس ترامب لإنشاء “هيئات تشغيلية” و”سلطات معاملات” غير محددة، حسب تقديره الخاص.
حتى أن القرار يتصور هيئة تنفيذية من التكنوقراط الفلسطينيين يتلقون الأوامر ويقدمون تقاريرهم إلى “مجلس السلام” التابع لترامب – على أرضهم الخاصة. وفي انتهاك واضح للقانون الدولي، يرفض القرار السيطرة الفلسطينية على أراضيهم في غزة حتى يقرر ترامب ومعاونوه أن السلطة الفلسطينية قد استوفت متطلبات الإصلاح التي حددها ترامب نفسه وكذلك “الاقتراح الفرنسي السعودي” البغيض بالمثل. ولا يتضمن القرار أي وعد على الإطلاق باستقلال الفلسطينيين أو سيادتهم.
بدلاً من ذلك، وفي تناقض مباشر مع استنتاجات محكمة العدل الدولية، يعيد القرار قضية الحرية وتقرير المصير للفلسطينيين إلى الوراء بسطر غامض ومشروط بشكل مفرط وغير ملزم يقول إنه “بعد” أن تقرر الهيئات التي يقودها ترامب أن الفلسطينيين قد استوفوا معايير “إصلاح وتنمية” غير محددة، “قد تتوفر الشروط أخيرًا لمسار ذي مصداقية نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية”.
وأي بصيص أمل في التقدم بقي ضمن تلك الشروط، تم تحطيمه أخيرًا بضربة قاضية ينص فيها القرار على أن أي عملية من هذا القبيل نحو تلك الغايات يجب أن تسيطر عليها الولايات المتحدة نفسها. بعبارة أخرى، منح مجلس الأمن الدولي حق النقض (فيتو) على تقرير المصير الفلسطيني للولايات المتحدة، الراعي الرئيسي للنظام الإسرائيلي والشريك في الإبادة الجماعية.
لا يقدم القرار حتى أملاً بأن الحرمان الممنهج للشعب الفلسطيني في غزة سينتهي. فبينما أعلنت محكمة العدل الدولية أن القيود المفروضة على المساعدات يجب أن تتوقف، يكتفي القرار فقط بـ “التأكيد على أهمية” المساعدات الإنسانية. ولا يطالب بتدفقها وتوزيعها دون قيود.
قوة احتلال بالوكالة
ينص القرار أيضا على إنشاء قوة احتلال مسلحة بالوكالة، تسمى “قوة الاستقرار الدولية”، للعمل تحت إشراف “مجلس السلام” الذي يترأسه ترامب. ومن المفترض أن يكون لهذه القوة قيادة يوافق عليها مجلس ترامب، وستعمل صراحة بالتعاون مع إسرائيل، مرتكبة الإبادة الجماعية (وكذلك مع مصر).
سيتم تحديد أعضائها “بالتعاون مع” النظام الإسرائيلي، وستعمل مع النظام للسيطرة على الناجين الفلسطينيين في غزة.
وستُكلَّف بتأمين الحدود (أي سجن الفلسطينيين)، وتثبيت البيئة الأمنية في غزة (أي قمع أي مقاومة للاحتلال أو الفصل العنصري أو الإبادة الجماعية)، ونزع السلاح من غزة (لكن ليس من النظام الإسرائيلي)، وتدمير قدرات الدفاع العسكري لغزة (لكن ليس قدرات إسرائيل)، وتفكيك أسلحة المقاومة الفلسطينية (لكن ليس أسلحة النظام الإسرائيلي)، وتدريب الشرطة الفلسطينية (من أجل السيطرة على الشعب الفلسطيني داخل غزة)، والعمل لتحقيق الأهداف (الشريرة) لـ “الخطة الشاملة (لترامب)”.
كما تم تفويض القوة بـ “حماية المدنيين” والمساعدة في تقديم العون الإنساني، بالقدر الذي تسمح به الولايات المتحدة (أو ترغب فيه). ولكن، أن تقوم قوة ستتعاون مع إسرائيل بالوقوف في وجه العدوان الإسرائيلي والهجمات على المدنيين، أمر بديهي بطلانه الآن.
وستقوم بـ “مراقبة وقف إطلاق النار”، وهو وقف إطلاق نار مضمون أمريكيًا سمح باستمرار الهجمات الإسرائيلية على غزة كل يوم منذ إعلانه (ما أسفر عن مقتل المئات وتسبب في دمار هائل للبنية التحتية المدنية) ولكنه لا يتسامح مع أي رد انتقامي من المقاومة الفلسطينية. ومن الآمن الافتراض أن أي مراقبة لوقف إطلاق النار من قبل مثل هذه القوة ستركز بشكل أساسي على الجانب الفلسطيني – وليس على النظام الإسرائيلي كقوة احتلال.
بعبارة أخرى، تتمثل مهمة قوة الاحتلال بالوكالة هذه في السيطرة على السكان ضحايا الإبادة الجماعية واحتوائهم ونزع سلاحهم، وليس النظام الذي يرتكبها، وضمان الأمن ليس لضحايا الإبادة الجماعية بل لمرتكبيها.
وفي انتهاك مذهل آخر للقانون الدولي، يأذن القرار لقوات النظام الإسرائيلي بمواصلة احتلال غزة (بشكل غير قانوني) حتى يقرر مجلس السلام الذي تقوده الولايات المتحدة وقوات النظام الإسرائيلي مجتمعة خلاف ذلك. وفي أي حال، ينص القرار على أنه يمكن لقوات الاحتلال الإسرائيلي البقاء في غزة لاحتلال “محيط أمني” إلى أجل غير مسمى.
وأخيرًا، يُمنح كل من “مجلس السلام” الاستعماري وقوة الاحتلال بالوكالة “قوة الاستقرار” التابعة له ولاية لمدة عامين وإمكانية التمديد بالتشاور مع إسرائيل (ومصر) ولكن ليس مع فلسطين.
جنون المستعمرين
وغني عن القول إن هذا القرار قد قوبل بالرفض من قبل المجتمع المدني الفلسطيني، وجميع الفصائل السياسية وفصائل المقاومة الفلسطينية تقريبًا، والمدافعين عن حقوق الإنسان وخبراء القانون الدولي من جميع أنحاء العالم.
فمن حيث القانون الدولي، يُعتبر احتلال فلسطين غير قانوني، وللشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير، وله الحق في مقاومة الاحتلال الأجنبي والهيمنة الاستعمارية والأنظمة العنصرية مثل إسرائيل. لا يسعى هذا القرار فقط لإنكار هذه الحقوق، بل يذهب إلى حد دعم الوجود الإسرائيلي غير القانوني، ويأذن بآلياته الخاصة للاحتلال الأجنبي والهيمنة الاستعمارية.
علاوة على ذلك، يستمد مجلس الأمن جميع سلطاته من ميثاق الأمم المتحدة. وهذا الميثاق، بصفته معاهدة، هو جزء من القانون الدولي – وليس فوقه. وعليه، فإن المجلس ملزم بقواعد القانون الدولي، بما في ذلك، وبشكل خاص، القواعد العليا، المسماة بالقواعد الآمرة (jus cogens) والالتزامات تجاه الكافة (erga omnes)، مثل تقرير المصير وعدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة. ويكشف تجاهله الصارخ لاستنتاجات محكمة العدل الدولية حول هذه المسائل إلى أي درجة تُعدّ العديد من بنود هذا القرار غير قانونية في الواقع ومتجاوزة للصلاحيات (ultra vires) (خارج نطاق سلطة المجلس).
وعليه، فإن تداعيات هذا التصرف المارق من قبل مجلس الأمن الدولي ستمتد آثارها إلى ما هو أبعد بكثير من فلسطين. فمجلس الأمن، إذا لم يتقيد بالقانون الدولي، يصبح أداة خطيرة للقمع والظلم. وهذا بالضبط ما شهدناه في هذه الحالة، حيث تجاهل المجلس القانون الدولي وسلّم فعليًا الناجين في غزة إلى الشركاء في ارتكاب الإبادة الجماعية.
والمتابعون للمجلس سيدركون جيدًا أن الفيتو قد استُخدم مرارًا في المجلس لإنكار الحقوق الفلسطينية. وفي هذه الحالة، عندما كان بالإمكان استخدامه لحماية الحقوق الفلسطينية، لم يكن للفيتو أي أثر. في دقيقة واحدة من التصويت، فقد مجلس الأمن كل شرعيته.
مسار للمستقبل
إن المحاولة الأمريكية لفرض شكل من أشكال الاستعمار يعود إلى القرن التاسع عشر على الشعب الفلسطيني الذي عانى طويلاً في غزة، مثلها مثل المخطط الاستعماري الفرنسي السعودي الذي سبقها، محكوم عليها بالفشل. مثل هذه المخططات معيبة جوهريًا منذ البداية، لأنها تسعى لفرض نتائج بلا قانونية (بموجب القانون الدولي)، وبلا شرعية (بإقصائها للفاعلية الفلسطينية)، وبلا أي أمل عملي في النجاح (نظرًا لرفضها شبه العالمي في فلسطين وعبر العالم).
قد تكون الولايات المتحدة قادرة على تهديد ورشوة ما يكفي من الدول لدعمها في تصويت بالأمم المتحدة، لكن تأمين ما يكفي من القوات والأفراد الآخرين لتنفيذ القرار على الأرض، ضد إرادة السكان الأصليين، قد يكون مسألة أخرى تمامًا. وسيكون الحفاظ على الدعم مع بدء تداعي الخطة (وهو أمر حتمي) أكثر صعوبة.
في غضون ذلك، وبالنسبة لأولئك الملتزمين بالعدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون، فإن المهمة واضحة. يجب معارضة هذه الخطة في كل عاصمة، وعند كل منعطف. يجب الضغط على الحكومات لإنهاء تواطؤها في الانتهاكات الإسرائيلية، والتجاوزات الأمريكية، وفي هذا المخطط الاستعماري البغيض. يجب عزل النظام الإسرائيلي. يجب مضاعفة الجهود نحو المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. يجب فرض حظر عسكري، وحظر على الوقود والتكنولوجيا. يجب أن يواجه الجناة الإسرائيليون ملاحقات قضائية في كل محكمة متاحة. ويجب أن تضج الشوارع بالهدير المحق للملايين من أجل الحرية الفلسطينية من خلال المظاهرات، والإضرابات، والعصيان المدني، والعمل المباشر.
وععندما ينهار هذا البيت الورقي الاستعماري، سيكون حل آخر أكثر عدلاً جاهزًا ليحل محله. إذا نهضت الأغلبية العالمية من ركوعها أمام الإمبراطور، وأكدت قوتها الجماعية، متصرفة بموجب آلية “الاتحاد من أجل السلام” للجمعية العامة للأمم المتحدة لتجاوز الفيتو الأمريكي، وتبني تدابير مساءلة لعزل ومعاقبة النظام الإسرائيلي، ونشر حماية حقيقية لفلسطين، فحينئذٍ قد تعيش الأمم المتحدة لتقاتل يومًا آخر. وإذا لم تفعل، فمن المؤكد تقريبًا أنها ستذبل وتموت، ضحية لجروح ألحقتها بنفسها، وليس أعمقها ذلك القرار المخزي الصادر في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025.
نّشر هذا المقال لأول مرة باللغة الإنجليزية على موقع “موندويس“، بتاريخ 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025.

