لينيا إنترناسيونال/ مدار: 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025
بقلم: غوادى كالفو.
عندما أُعلن في الرابع عشر من نيسان/ أبريل 2014 أن جماعة بوكو حرام الارهابية النيجيرية قد اختطفت مئتين وستاً وسبعين طالبة من مدرسة ثانوية في مدينة شيبوك بولاية بورنو، شمال شرق البلاد، بدأ جزء كبير من العالم يدرك أن ما كان يحدث في ذلك البلد الأفريقي منذ عام 2009 لم يكن أمراً يمكن الاستهانة به.
لم يكن ذلك الاختطاف في ذلك السياق سوى جريمة أخرى في المسيرة الحافلة للجماعة، التي كانت في طريقها لتصبح واحدة من أكثر الجماعات نشاطاً وتأثيراً إعلامياً في القارة.
منذ ذلك الحين، لم يُحرز أي تقدم يُذكر في قضية شيبوك، حيث لا تزال غالبية الفتيات، مئتان وتسع عشرة، في عداد المفقودات. ورغم أن القضية لا تعود إلى العناوين الرئيسية إلا عندما تظهر إحداهن بين الحين والآخر، بعد أن تنجح في الفرار بسبب إهمال من خاطفيها أكثر من كونه نتيجة لتحرك السلطات. بفضلهن على وجه التحديد، عُرف أن العديد من هؤلاء الشابات قد تحولن إما إلى زوجات للإرهابيين، أو سبايا جنسيات، أو تم بيعهن لإحدى شبكات الإتجار بالبشر.
منذ ذلك الوقت، استمرت عمليات الجماعة بشكل متواصل، وهي التي عرفت في عام 2015 أول انشقاق منها، مما أدى إلى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية غرب إفريقيا (ISWAP). ومنذئذ، تخوض بوكو حرام حرباً متقطعة مع هذا التنظيم، أسفرت عن مقتل مئات المسلحين من كلا الطرفين، بمن فيهم أميراهما الرئيسيان في عام 2021 بفارق أشهر قليلة. ففي أيار/ مايو، انتحر أبو بكر شيكاو عندما وجد نفسه محاصراً من قبل إخوته السابقين، وهو الذي دفع ببوكو حرام إلى دوامة العنف التي لم تهدأ إلا بعد اختفائه. بينما قُتل زعيم ولاية غرب إفريقيا، أبو مصعب البرناوي، نجل مؤسس بوكو حرام محمد يوسف، في القتال في شهر آب/ أغسطس.
يتركز نشاط كلتا التنظيمين الإرهابيين في ولايات شمال شرق البلاد، وتحديداً في يومبي وبورنو، على الرغم من أنهما بدأتا منذ عام 2020 في التوسع غرباً وجنوباً، حيث تم تحديد معسكرات ليست بعيدة عن مدينة أبوجا، عاصمة البلاد.
وبغض النظر عن أن مركز نشاطها يتركز بالقرب من بحيرة وحدود تشاد، حيث تستقر الجالية المسلمة كما هو الحال في جميع أنحاء شمال البلاد، والتي تشكل حوالي خمسين بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم مئتين وأربعين مليون نسمة، فقد فضل الإرهابيون إسناد عملياتهم لجهات خارجية، وتوكيلها لعصابات المافيا المحلية التي تعمل باسم المتطرفين. كمثال على ذلك، الهجوم على قطار شركة السكك الحديدية النيجيرية (NRC) على خط أبوجا-كادونا في آذار/ مارس 2022، والذي خلف اثني عشر قتيلاً وأسفر عن مئة وخمسين اختطاف بغرض الابتزاز.
كما كلّف المتشددون هذه العصابات المحلية بشن هجمات وعمليات اختطاف للمدارس في ولايات وسط الشمال (كادونا، النيجر، بينوي، كوارا، زامفارا)، حيث تضاعفت هذه العمليات بلا توقف. تُحل معظم هذه الاختطافات بعد دفع الفدية، وإذا لم يتم ذلك، يُجند الشباب في صفوف الإرهابيين.
وفي الولايات المسيحية الجنوبية، هاجم الإرهابيون الوهابيون عدداً لا يحصى من الكنائس والمعابد والمدارس والمجتمعات التابعة لتلك العقيدة، واختطفوا قساوسة ورجال دين. كمثال ذلك، الهجوم على كنيسة القديس فرانسيس كزافييه المسيحية، في مدينة أوو بولاية أوندو، جنوب شرق البلاد، في حزيران/ يونيو 2022، مما أسفر عن مقتل حوالي خمسين شخصاً.
أدت هذه العمليات، منذ عام 2020 حتى الآن، إلى مقتل ما يقدر بين خمسة عشر وعشرين ألف شخص، سقط منهم سبعة آلاف فقط في العام الحالي.
هذه هي الأسباب التي دفعت دونالد ترامب، في إحدى جعجعاته المعتادة، إلى التهديد بالتدخل في هذا البلد الواقع في خليج غينيا، لإنهاء ما أسماه “إبادة جماعية للمسيحيين”. وإن كانت المجتمعات المسلمة والوثنية تعاني منها أيضاً، وهي التي لا يرثي لحالها أحد.
ترامب، نحن لا نخشاك.
في هذا السياق، وبينما تستمر العمليات العسكرية في الفشل في احتواء النشاط المتمرد، تستمر عمليات الإرهابيين وعصابات الجريمة في نشاطاتها وفقاً لاحتياجاتها الخاصة.
وبينما يُنتظر أن يتذكر ترامب مرة أخرى “الإبادة الجماعية للمسيحيين” ويطلق تحذيراً آخر لا يغير شيئاً، يعاني الشعب النيجيري من عواقب هذا الصدى المستمر للعنف، الذي، بدلاً من أن يخبو، يتجدد كل يوم.
إلى جانب الهجمات المختلفة ضد وحدات الجيش والمساجد الشيعية والكنائس المسيحية، إضافة إلى الاشتباكات العرضية بين العسكريين والإرهابيين، والتي تضاف إليها “الحرب” بين الفصائل المختلفة التي انتظمت فيها جماعات داعش (بوكو حرام، ولاية غرب إفريقيا، وأنصارو – طليعة حماية المسلمين في بلاد السودان)، وحتى الآن على نطاق أضيق، تنظيم القاعدة تحت مسمى “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، والتي تحدث بشكل شبه يومي، يصبح واقع الشعب النيجيري أكثر قتامة في كل لحظة.
في هذا السياق، يُسجل الاختطاف الأخير لما لا يقل عن ثلاثمئة طالب واثني عشر معلماً، ليصبح ثاني أكبر عملية اختطاف في الأسبوع الأخير. وقع الحادث في مدرسة سانت ماريا الكاثوليكية في أغوارا، بمجتمع بابيري، في ولاية النيجر بوسط البلاد، وهي أكبر الولايات الست والثلاثين التي تنقسم إليها نيجيريا.
وفقاً لمصادر الشرطة، وقعت عمليات الاختطاف في الساعات الأولى من صباح الجمعة الثاني والعشرين، وبعدها تم نشر عمليات مختلفة من قبل القوات العسكرية والأمنية للعثور على الجناة، دون تحديد نوع الجناة المقصودين، سواء كانوا مجرمين عاديين أم إرهابيين.
في وقت لاحق، عُرف أن حوالي خمسين طفلاً من المجموعة الأولية تمكنوا من الفرار من خاطفيهم، وتفرقوا في الغابة وعادوا من اتجاهات مختلفة إلى عائلاتهم. بينما تم اقتياد البقية في النهاية من قبل المهاجمين إلى أعماق تلك الغابات نفسها.
يُعد هذا الحادث ثالث عملية اختطاف جماعي للطلاب تحدث في ولاية النيجر في السنوات العشر الماضية. وكانت آخرها قد وقعت في أيار/ مايو 2021، عندما تم اختطاف حوالي مئتي طالب من مدرسة دينية في بلدية تيجيدا. وخلال فترة احتجازهم، لقي ستة طلاب على الأقل حتفهم على أيدي الإرهابيين.
يوم الاثنين السابع عشر، تم اختطاف ما لا يقل عن خمس وعشرين فتاة من مدرسة داخلية للبنات في ولاية كيبي، المجاورة لولاية النيجر، بينما قُتلت نائبة المديرة أثناء العملية.
في هذا السياق، أمر الرئيس بولا تينوبو نائبه لوزير الدفاع بالسفر للاطلاع على الأحداث والترتيبات لعملية الإنقاذ.
لم تعلن أي من الجماعات التي تنشط في هذه المنطقة أو أي عصابة إجرامية مسؤوليتها عن هذه الأعمال.
وفقاً لخبراء محليين، تُعزى هذه العمليات إلى رعاة يخوضون صراعاً مسلحاً طويلاً مع المزارعين حول حقوق المرور إلى حقول الرعي.
وفي حادث منفصل، أعلن تنظيم ولاية غرب إفريقيا مسؤوليته عن مقتل جنرال في ولاية بورنو، بعد فشل طلب الفدية. وفي ولاية كوارا، تم اختطاف حوالي أربعين من المصلين من كنيسة مسيحية أثناء القداس الذي كان يُبث مباشرة لآلاف الأشخاص. وطالب الخاطفون بحوالي مئة مليون نايرا، أي ما يعادل سبعين ألف دولار أمريكي.
الهجمات المستمرة، التي أصبحت عامة في شكل اختطافات جماعية لكونها إحدى مصادر تمويلهم، سواء نفذها جهاديون أو مقاتلون انفصاليون أو عصابات مجرمين عاديين، والتي امتدت على طول نيجيريا بأكملها، أياً كان منفذها، فإنها دائماً ما تستحضر “déjà vu” لشيبوك.

