مدار: 14 مايو/ أيار 2022
سلطت الأزمة الروسية-الأوكرانية الحالية الضوء من جديد على المهاجرين واللاجئين، بعد أن كان يتم النظر إليهم كأضرار ثانوية للأوضاع الاقتصادية؛ وهذه المرة، ومثلما شاهد العالم أجمع، كان هناك تباين في التعاطي مع هؤلاء حسب جنسياتهم.
لكن اللافت للانتباه أن إثارة قضية المهاجرين واللاجئين أخذت في الخفوت، رغم أن الوضع لم يشهد أي تغيير، ما يدفعنا إلى الحديث عن الأرقام التي مازالت مرعبة في ما يخص عدد من راحوا ضحايا الأمل في غد أفضل، وعما تغير منذ بدء الأزمة وكيف تعاطت الدول الأوروبية مع هذا المعطى الجديد.
ومازال البحر يحصد الأرواح
في تقرير أخير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تم تناول أرقام مهولة حول الضحايا من المهاجرين، بحيث تطرق إلى مقتل وفقدان ما يزيد عن 3000 شخص أثناء محاولتهم عبور وسط وغرب البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، العام الماضي في اتجاه أوروبا، داعيا في الآن نفسه إلى تقديم دعم عاجل لمنع الوفيات وحماية اللاجئين وطالبي اللجوء الذين يشرعون في رحلات خطرة برا وبحرا.
وتوزعت هذه الأرقام التي تعود إلى عام 2021 بين 1924 شخصا تم الإبلاغ عنهم في عداد القتلى أو المفقودين في المسار الذي يتم سلكه وسط وغرب البحر الأبيض المتوسط، و1153 شخصا لقوا حتفهم أو فقدوا على الطريق البحري شمال غرب إفريقيا، المؤدي إلى جزر الكناري. وبمقارنة مع العام الذي سبق، أي 2020، فقد تم الإبلاغ آنذاك عن 1776 شخصا ما بين قتلى ومفقودين في مختلف المسارات. ومن المثير للقلق تسجيل التقرير أنه منذ بداية العام الحالي لقي 478 شخصا آخرين مصرعهم أو فقدوا في البحر.
وتناول التقرير أن معظم الوسائل المستعملة في عملة الهجرة، وبالأخص البحرية، هي قوارب مطاطية معبأة وغير صالحة للإبحار، وانقلب الكثير منها أو انكمش ما أدى إلى خسائر في الأرواح.
ولم تفت الوثيقة ذاتها الإشارة إلى أن رحلة بحرية من دول غرب إفريقيا الساحلية مثل السنغال وموريتانيا إلى جزر الكناري تعتبر بمثابة تحد، نظرا لطولها، والمخاطر التي تلفها، بحيث تستغرق ما يصل إلى 10 أيام، ما يجعل العديد من هذه الرحلات تنحرف عن مسارها، أو تضيع بطريقة أخرى دون أن تخلف أثرا في هذه المياه.
كل هذه الأرقام التي تتناول وضع المهاجرين القادمين من دول الجنوب، وبالأخص من إفريقيا، تجعلنا نحاول تناول ما وصلت إليه الأوضاع في أوكرانيا.
ازدواجية المعايير في التعامل مع اللاجئين والمهاجرين
خلال الشهرين الأولين من الأزمة الروسية-الأوكرانية، فر أكثر من 5 ملايين شخص من أوكرانيا، ما أدى إلى خلق حالة غير مسبوقة في البلدان المجاورة لأوكرانيا، وهو الأمر الذي أدى إلى دخول أكثر من 350.000 شخص إلى سلوفاكيا، تقسموا ما بين من اختاروا الاستقرار فيها ومن حبذ استكمال الرحلة نحو بلدان غربية أخرى.
هذا الوضع الجديد الذي وجد الأوكرانيون أنفسهم في خضمه دفع العديد من الناس إلى التبرع بالطعام أو الدواء أو الملابس أو المال، بحيث عرضوا غرفهم وشققهم الاحتياطية للاجئين الأوكرانيين مجانا، كما قامت الشركات والمعاهد بمنح مناصب وظيفية مصممة خصيصا للأوكرانيين من جميع المؤهلات، بالإضافة إلى توفير السكك الحديدية الوطنية والعديد من شركات الحافلات السفر المجاني للمواطنين الأوكرانيين. لكن الأهم من ذلك هو أن أعمال التضامن هذه ليست خارج إرادة الدولة، وليست لها أي معارضة. وعلى العكس من ذلك توفر الدولة نفسها قدرا كبيرا من البنية التحتية للطوارئ والإقامة والرعاية الصحية، كما قدم وزير المالية السلوفاكي وعودا بتقديم الدعم المالي للأشخاص الذين يستضيفون اللاجئين الأوكرانيين. وهذا يمثل خروجا جذريا عن دور الدولة في “أزمات الهجرة” السابقة عندما نأت بنفسها عن المساعدات الإنسانية.
ومع ذلك، بعد أشهر من فتح الحدود أمام اللاجئين من أوكرانيا، يوجد بالفعل نمط محدد من الإقصاء العنصري والعرقي على الحدود وفي البنية التحتية الإنسانية، بحيث تم حرمان العديد ممن ينحدرون من بلدان أخرى، ولاسيما ذوو البشرة غير البيضاء، من الدخول أو الحصول على مستوى معادل من المساعدة الإنسانية داخل أوكرانيا، وكذلك عند دخول الأراضي السلوفاكية.
وهناك تقارير عن أفارقة منعوا من دخول سلوفاكيا، وطلاب من دول غير أوروبية يواجهون بشكل روتيني صعوبات في مغادرة أوكرانيا، بسبب عدم حصولهم على التأشيرة المطلوبة. وبالإضافة إلى ذلك، أثبتت مقاطع فيديو كيف أن أعضاء من مختلف الجماعات اليمينية المتطرفة يضايقون الأشخاص ممن ليسوا من ذوي البشرة البيضاء على الحدود، وينشرون بشكل روتيني رسائل عنصرية مهينة على وسائل التواصل الاجتماعي حول الوضع على الحدود.
ومن الأمور التي أثارت الانتباه في ما يخص وضع المهاجرين واللاجئين تعاطي الاتحاد الأوروبي الذي قام بتفعيل إجراء 2001/55 /EC من قبل مجلس العدل والداخل في الاتحاد، من أجل إنشاء آلية لمنح الحماية المؤقتة بشكل مبسط للأوكرانيين الفارين، لكن يستثني من هذه الآلية قصد الحصول على الحماية العديد من مواطني الدول الثالثة المقيمين في أوكرانيا. وفي حين أن الدول الأعضاء لها الحرية في تضمين هذه المجموعات في آليات الحماية الخاصة بها، فإن التوجيه على مستوى الاتحاد الأوروبي لا يمنح مستويات الحماية نفسها لأجزاء كبيرة من المواطنين غير الأوكرانيين الفارين من مناطق الحرب.
هذه المعاملة الانتقائية لم يعان منها فقط مواطنو دول العالم الثالث، فهناك المواطنون الأوكرانيون من أصل غجر الروما الذين يرزحون تحت تمييز منهجي على الحدود وخارجها، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك التي تعززها التقارير عن العديد من الأمثلة عن اللاجئين الغجر الذين حرموا من المستوى نفسه من المساعدة الإنسانية، وتعرضوا لهجمات عنصرية علنية في الأماكن العامة، وهناك العديد من الشهادات في سلوفاكيا من الغجر الأوكرانيين الذين تم إهمالهم علانية على الحدود، بينما يتم توفير الإقامة والطعام والمواصلات للأوكرانيين “البيض”.
وفي تقرير تلفزيوني، وصف قس سلوفاكي من الروما، من أبرشية بالقرب من الحدود الأوكرانية، الوضع بأنه تمييز عنصري، ويأسف لعدم وجود “الحماس” النسبي عندما يتعلق الأمر بمساعدة اللاجئين الغجر. هذا البعد العنصري للتضامن تم طرحه من قبل المنظمات غير الحكومية للروما، ومنذ ذلك الحين قام المفوض الحكومي لأقليات الغجر بنشر فريق دائم على الحدود من أجل “مراقبة ومنع الممارسات والتوجهات التمييزية”.
ماذا تغير في السياسات الغربية المناهضة للهجرة؟
إن التضامن وتعبئة البنية التحتية الإنسانية في الدول المجاورة لأوكرانيا، الذي ظهر في أعقاب الأزمة الحالية، أمر رائع؛ وقد أظهر أن هذه البلدان لا تمتلك فقط الموارد والقدرات اللازمة لإطلاق عملية إنسانية واسعة النطاق، لكن تمتلك أيضا درجة كبيرة من الإرادة السياسية والحماس في المجتمع لدعم مثل هذه الجهود والمشاركة فيها، على الرغم من الأمثلة التي تناولت التباين في التعاطي مع أصحاب الجنسية نفسها.
وهو الأمر الذي يفتح سلسلة من الأسئلة حول طبيعة سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي بشكل عام ودوله الشرقية على وجه الخصوص. ولعل أبرز هذه الأسئلة ما إذا كان التضامن الحالي مع اللاجئين الأوكرانيين مجرد انحراف مؤقت عن الموقف المناهض للهجرة لدول شرق الاتحاد الأوروبي؟ وهل يمكن أن يؤدي هذا الانحراف إلى إدارة أكثر انفتاحا في ما يخص ملف للهجرة؟ وهل يمكن أن يجبر حكومات هذه البلدان على إعادة التفكير في آلية منح اللجوء التي عفا عنها الزمن، والتي تتسم بالعنصرية؟.
ومن أجل الاطلاع أكثر على أن هذه الأسئلة لها راهنيتها، خصوصا في ظل هذا التقلب في المواقف، نستذكر ما جرى في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 حين تجمع آلاف اللاجئين من الشرق الأوسط على الحدود البيلاروسية البولندية، لكن رد الاتحاد الأوروبي والبولندي آنذاك كان مختلفا عما نشهده الآن، فبدلا من فتح الحدود وقبول طالبي اللجوء أقامت السلطات البولندية سياجا وتمركزت قوات عسكرية على حدودها، وتم نشر قوات خاصة من أجل تسهيل الإعادة القسرية للأشخاص الذين تمكنوا من دخول بولندا.
ويتحدث العديد من المتدخلين في شؤون اللاجئين أنه ليست هناك رغبة من أجل تغيير الأمور ومحاولة إيجاد حلول في ما يتعلق بالمهاجرين واللاجئين، لاسيما أن التعاطي مع الأزمة الأوكرانية تم من خلال فتح الباب أمام تشريعات خاصة، ولم يتم في أي فترة الحديث عن أزمة المهاجرين بشكل عام، بل تم في كل مرة التركيز على الحدث الحالي في أوكرانيا دون غيره.