المصير المأساوي للفلسطينيين في سجون الاحتلال

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مدار+ بيبز ديسباتش: 15 آب/ أغسطس 2025

فيجاي براشاد*

حتى آب/أغسطس 2025، يقبع 10,800 من المعتقلين والأسرى السياسيين الفلسطينيين في غياهب السجون الإسرائيلية. ومنذ عام 1967، استشهد 320 أسيراً داخل هذه السجون.

كان من الصادم أن نقرأ عن استشهاد أحمد سعيد طزازعة (20 عاماً) في 3 آب/أغسطس 2025 داخل سجن مجدو الإسرائيلي. قبل أشهر فقط، ظهرت تقارير تفيد بأن قوات الاحتلال قد قتلت أسيراً فلسطينياً آخر في مجدو، وهو وليد خالد عبد الله أحمد (16 عاماً)، في 24 آذار/ مارس. كلا الشابين، وهما في الحقيقة طفلان، تم اعتقالهما من الضفة الغربية؛ أحمد من جنين ووليد من سلواد. في البداية، لزم الإسرائيليون الصمت حيال استشهاد وليد، لكنهم وافقوا لاحقاً على تشريح جثمانه.

التقرير مؤلم. كشف تشريح جثمان وليد أنه عانى من هزال شديد في عضلات ودهون الجسم، وتجمعات هوائية في الصدر والبطن (والتي “يحتمل أن تكون ناجمة عن صدمة حادة”)، وكانت هناك أدلة على وجود وذمة واحتقان في أمعائه الغليظة (“بما يتفق مع إصابة رضية”). وأكد التشريح أنه استشهد بسبب التجويع والضرب على أيدي حراس السجن الإسرائيليين.

يتذكر خالد أحمد، والد وليد، أن ابنه لم يكن طالباً متفوقاً فحسب، بل كان أيضاً هداف فريقه المحلي لكرة القدم. قال خالد: “كان وليد يستعد للانضمام إلى المنتخب الوطني الفلسطيني”. استشهد وليد قبل ثلاثة أيام من استشهاد سليمان العبيد، المعروف بلقب “بيليه الفلسطيني”، بنيران إسرائيلية أثناء انتظاره في طابور للحصول على الطعام لعائلته في غزة. في غضون أيام قليلة، خسرت كرة القدم اثنين من ألمع نجومها بسبب الإبادة الجماعية الإسرائيلية.

اليوم، يقبع 10,800 من المعتقلين والأسرى السياسيين الفلسطينيين في سجون الاحتلال. ومنذ عام 1967، استشهد 320 أسيراً سياسياً داخل هذه السجون. في 12 آب/أغسطس 2025، نشرت جمعية نادي الأسير الفلسطيني تقريراً يفصل أوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. يكشف التقرير حقائق موجعة بسبب الظروف القاسية التي يصفها. تشير الجمعية إلى أن إدارة السجون الإسرائيلية، “بطريقة ممنهجة ومخطط لها”، قد “جردت الأسرى من إنسانيتهم” إلى درجة تسببت في “إنهاكهم الجسدي والنفسي، والذي قد ينتهي باستشهادهم”. الكلمات الثلاث التي استخدمتها لوصف الوضع العام هي “التعذيب”، و”التجويع”، و”القسوة”. منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، استشهد 76 أسيراً فلسطينياً قيد الاعتقال.

صدمات كهربائية

استشهد أكثر من 2,000 فلسطيني على أيدي قوات الاحتلال عند نقاط توزيع الغذاء. مع وضع هذه الأرقام في الاعتبار، من الصعب أن نستوعب حقاً ما يحدث للفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. ومع ذلك، يجب فهم هذه الوحشية ضمن سياق أوسع، وهو تمزيق إسرائيل لاتفاقية أوسلو.

تقوم إسرائيل بتطهير عرقي في غزة من خلال قصف إبادي، وتجريف القرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، وتشجيع توطين الإسرائيليين في تلك الأرض، والاستيلاء القسري على القدس بأكملها. القصف على غزة مستمر، وفي الضفة الغربية والقدس، يعتقل الإسرائيليون قيادة المقاومة السياسية ويعذبونهم في سجونهم. وبالتالي، فإن القصف في غزة والاعتقالات في الضفة الغربية والقدس جزء لا يتجزأ من إلغاء اتفاقيات أوسلو.

أصدرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين تقريراً مروعاً عن تعذيب الفلسطينيين على أيدي قوات الاحتلال في سجن جلبوع شمال إسرائيل. يقتحم حراس السجن الإسرائيليون الزنازين لإجراء التفتيش، ويقيدون المعتقلين، ويأخذونهم إلى ساحة السجن، ثم يضربونهم، ويهينونهم، ويعرضونهم لصدمات كهربائية. ثم يؤخذون إلى أماكن الاستحمام، ويُغرقون بالماء، ثم يُصعقون مرة أخرى. يروي محامٍ من الهيئة الوضع قائلاً: “تُنفّذ الصدمات الكهربائية باستخدام مسدسات صعق متخصصة، والتي تُستخدم أيضاً كأسلحة لضرب المعتقلين على رؤوسهم. ولأنها مصنوعة من المعدن الصلب، فإنها تسبب جروحاً عميقة، وتترك العديد من الأسرى ينزفون، بينما يسخر منهم الحراس ويضحكون. مستوى التعذيب شديد لدرجة أن العديد من المعتقلين يفقدون وعيهم”. إن استخدام هذا العنف لا يهدف فقط إلى أن يفقد المعتقلون وعيهم، بل أن يفقدوا أيضاً إحساسهم بذواتهم ويُحرموا تماماً من سلامة العقل الأساسية. قال رائد أبو الحمص، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين: “الهدف واضح: إنهاكهم عاطفياً، ودفعهم إلى حالة من الانهيار النفسي. هذا ليس عملاً معزولاً. إنه جزء من سياسة إسرائيلية متصاعدة داخل السجون”.

إذا تم تحطيم إحساس القيادة السياسية لفلسطين بذاتها، فإن المنظمات السياسية للمقاومة ستعاني. وبالتالي، فإن الصدمات الكهربائية وحشية تماماً كالقنابل التي تُلقى على المدنيين الجائعين في غزة: كلاهما يهدف من خلاله الإسرائيليون إلى سحق أي مقاومة فلسطينية لاحتلال أراضيهم.

يحتوي سجن مجدو، وهو أحد أسوأ السجون الإسرائيلية ضمن مجموعة من السجون الرهيبة، على أقسام عزل خاصة لكبار القادة السياسيين الفلسطينيين مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات. مروان البرغوثي (مواليد 1959) هو قيادي بارز في حركة فتح، اعتُقل خلال الانتفاضة الثانية، وهو في السجن منذ ثلاثة وعشرين عاماً وأربعة أشهر. ووجد الاتحاد البرلماني الدولي أن معاملته عند اعتقاله “استبعدت أي إمكانية لمحاكمة عادلة” وأنه لا ينبغي احتجازه. خلال السنوات القليلة الماضية، ضُرب البرغوثي في زنزانته حتى كُسرت أضلاعه. محاولة تحطيم روحه المعنوية مستمرة بلا هوادة. أحمد سعدات (مواليد 1953)، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قضى في السجن ثلاثة وعشرين عاماً وثلاثة أشهر – أي أقل بشهر واحد من البرغوثي. كان قد اعتقل في البداية من قبل السلطة الفلسطينية واحتُجز في سجن أريحا، حيث استولى عليه الإسرائيليون بشكل غير قانوني ونقلوه إلى مجدو. الهدف من أسر هؤلاء القادة واحتجازهم لفترات طويلة هو منع نشوء بؤرة ارتكاز في المجتمع الفلسطيني من شأنها أن تعيد إحياء السياسة الفلسطينية. هذا ما يسميه المنظّر السياسي الإسرائيلي باروخ كيمرلنغ “الإبادة السياسية” (Politicide)، أي موت السياسة. إسرائيل لا تقتل الفلسطينيين للاستيلاء على الأرض فحسب، بل تقتل أيضاً إمكانية وجود سياسة فلسطينية.

الإبادة السياسية

اللافت في مجموعات مثل جمعية الأسرى الفلسطينيين، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومؤسسة الحق، أنها وقفت باستمرار مع الأسرى السياسيين الفلسطينيين ولم تسمح بنسيان مقاومتهم أو التقليل من شأنها. في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، حظر الإسرائيليون ست مجموعات فلسطينية – الضمير، والحق، ومركز بيسان للبحوث والإنماء، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فلسطين، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية. واتهم الإسرائيليون هذه المجموعات بأنها على اتصال بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أعلن الحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية هذه المنظمات “جمعيات غير مشروعة”. يمثل هذا تصعيدا في مستوى الإبادة السياسية. الآن، لا تُعامل القوى السياسية – مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – كجماعات إرهابية فحسب، بل تُحظر حتى المنظمات التي تتحدث باسم الأسرى.

كان أحمد سعيد طزازعة شاباً يستحق أن يعيش حياة كاملة وطويلة. في أيلول/ سبتمبر 2024، اعتقل في منزله في قباطية. اقتحم الإسرائيليون مدينته في شمال الضفة الغربية، وذهبوا إلى منزل وألقوا بفلسطينيين من الطابق الثالث. اعتقل أحمد، ونقل إلى مجدو، وعُذّب، ثم قُتل. الطريقة التي عاملوه بها في السجن كانت أكثر وحشية من الطريقة التي ألقوا بها رفاقه الفلسطينيين من الطابق الثالث.

*فيجاي براشاد: مؤرخ ومحرر وصحافي هندي. وهو زميل كاتب ومراسل رئيسي في “غلوب تروتر”. وهو محرر في “لفت وورد بوكس” ومدير معهد القارات الثلاث للبحث الإجتماعي. ألف أكثر من 20 كتاباً، بما في ذلك “الأمم الأكثر عتمة” و “الأمم الأكثر فقراً“. أحدث كتبه هي “عن كوبا: تأملات في 70 عاماً من الثورة والنضال” (مع نعوم تشومسكي)، و “النضال يجعلنا بشراً: التعلم من حركات الاشتراكية“، و(أيضاً مع نعوم تشومسكي) “الانسحاب: العراق، ليبيا، أفغانستان، وهشاشة القوة الأمريكية“.

تم إنتاج هذا المقال بواسطة “غلوب تروتر“.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

فلسطين

فلسطين لا تحتمل الانتظار

غلوب تروتر + مدار: 20 آب/ أغسطس 2025 غييرمو ر. باريتو* لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية بتسليم جزء من ألمانيا للنازيين. لن ينتهي الصراع بتسليم