انزلاق ساحل العاج نحو الديكتاتورية يُفجّر غضب الشارع

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مدار + بيبلز ديسباتش: 14 آب/ أغسطس 2025

في مشهد يعكس غلياناً شعبياً عميقاً، خرج عشرات الآلاف من مواطني ساحل العاج إلى شوارع العاصمة أبيدجان، في رفض قاطع لانزلاق بلادهم نحو حكم الرجل الواحد. الاحتجاجات التي اندلعت في 9 آب/أغسطس لم تكن مجرد رد فعل على سعي الرئيس الحسن واتارا، البالغ من العمر 83 عاماً، لانتزاع فترة رئاسية رابعة، بل كانت تعبيرا احتجاجيا ضد منظومة سياسية واقتصادية يرى كثيرون أنها لا تزال تدور في فلك الاستعمار الجديد، حيث تلعب فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، دوراً حاسماً في إدامة نظام يخدم مصالحها على حساب سيادة الشعب ولقمة عيشه. 

خرج آلاف الإيفواريين إلى شوارع أبيدجان، عاصمة الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، يوم السبت الماضي، احتجاجًا على استبعاد قادة المعارضة من الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ومن المقرر أن تُجري ساحل العاج، أكبر اقتصاد في منطقة غرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية، انتخابات رئاسية في تشرين الأول أكتوبر من العام الجاري. وكانت منعت اللجنة الانتخابية، في وقت سابق من هذا العام، أربع شخصيات معارضة رئيسية، بمن فيهم الرئيس السابق لوران غباغبو والرئيس التنفيذي السابق لبنك كريدي سويس تيجان تيام، من الترشح.

وتجمع المتظاهرون صباح السبت في يوبوغون، وهي ضاحية مكتظة بالسكان في العاصمة أبيدجان، رافعين لافتات كُتب عليها: “كفى!”، و”لا ديمقراطية حقيقية بدون عدالة حقيقية”، و”نحن ملايين نقول نعم لغباغبو وثيام”.

وكان أعلن واتارا، البالغ من العمر 83 عامًا، في الشهر الماضي أنه سيترشح لولاية رابعة. وتوجد خلافات حول هذا الترشح بعد قام واتارا بتغيير الدستور في عام 2016 لإزالة القيود على فترات الرئاسة.

“تحالف تكتيكي مؤقت”

ورغم أن هذا المشهد يبدو كصراع بين أقطاب السياسة، إلا أن التحليل العميق الذي يقدمه آشي إيكيسي، الأمين العام للحزب الشيوعي الثوري لساحل العاج، يكشف عن حقيقة أكثر تركيبا. ففي حين يمثل غباغبو، بميوله الاشتراكية والإفريقية، قاعدة شعبية في أوساط الطبقة العاملة، فإن خصمي واتارا الرئيسيين، هو وتيجان تيام، “يتشاركان القاعدة الاجتماعية ذاتها” المكونة من كبار الموظفين ورجال الأعمال، ويملكان “علاقات قوية مع القوى الإمبريالية الغربية”.

هذه الوحدة الظاهرية للمعارضة، التي جمعت حزب تيام (الحزب الديمقراطي لساحل العاج) وحزب غباغبو (حزب الشعوب الإفريقية)، هي، بحسب إيكيسي، تحالف تكتيكي ومؤقت. “بمجرد رفع الحظر عن مشاركتهما، سينتهي هذا التحالف”. فالصراع في جوهره ليس بين رؤى متناقضة لمستقبل البلاد، بل بين أجنحة مختلفة من النخبة الحاكمة تتنافس على السلطة، وكلاهما يعمل ضمن بنية الاستعمار الجديد.

التدخل الفرنسي

لكن، لماذا تستمر باريس في دعم نظام واتارا رغم انزلاقه الديكتاتوري؟ يوضح إيكيسي أن فرنسا، وإن كانت “تطلب على استحياء من واتارا التنحي”، إلا أنها “في الواقع تدعم توجهه الديكتاتوري لأنها لم تجد بعد بيدقاً آخر ليحل محله”. فواتارا، الذي وصل إلى السلطة عام 2011 بتدخل عسكري فرنسي مباشر أطاح بغباغبو، يمثل “الركيزة” الصلبة للاستعمار الفرنسي في غرب إفريقيا. وفي ظل الإطاحة بأنظمتها العميلة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وعدم استقرار حلفائها في السنغال وبنين وغينيا، فإن أي “انتكاسة” لسلطة واتارا “ستكون خسارة كبرى” لنفوذها الاستعماري الجديد.

التاريخ الحديث للبلاد شاهد على هذا التدخل. ففرنسا، بحسب الأمين العام للحزب الشيوعي الثوري لساحل العاج، هي التي أججت الحرب الأهلية عام 2002 لإضعاف رئاسة غباغبو الاشتراكية، وقسمت البلاد، وقمعت الاحتجاجات المدنية المناهضة لوجودها، وأخيراً “تلاعبت” بانتخابات 2010 لصالح واتارا، قبل أن تقصف القصر الرئاسي وتقتل الآلاف من الجنود والمدنيين لتنصيبه في السلطة.

النمو الاقتصادي: “قناع برّاق”

كثيراً ما تروج وسائل الإعلام الغربية لإرث واتارا الاقتصادي، مشيرة إلى تحقيق نمو بلغ متوسطه 6% خلال فترة حكمه. لكن خلف هذا القناع البراق، تكمن قصة مختلفة من المعاناة الشعبية. يؤكد أتسيه ديزيريه، نائب الأمين العام للكونفدرالية العامة لعمال ساحل العاج، أن “الثروة التي ينتجها العمال لا تعود عليهم بالنفع”. ويضيف: “لم يكتسب العمال شيئاً منذ وصول واتارا إلى السلطة، رغم كل النضالات التي قُمع معظمها بالفصل والاعتقالات وتعليق الرواتب”.

هذه “المكاسب الهزيلة” والقليلة تلتهمها اليوم تكاليف المعيشة المرتفعة في ظل ركود الأجور؛ أما التحسينات في البنية التحتية، والتي جاءت ضمن خطط إعادة الإعمار بعد الحرب، فقد كان ثمنها باهظاً، ويوضح إيكيسي أن ديون البلاد قفزت من 2,000 مليار فرنك إفريقي (حوالي 3,55 مليار دولار أمريكي) إلى أكثر من 30,000 مليار (حوالي 53,2 مليار دولار أمريكي)، مضيفاً أن “الاستثمار في البنية التحتية لا يمثل سوى 60 بالمائة من القروض. أما الباقي فقد تم اختلاسه من قبل الموجودين في السلطة”.

في ظل هذا الواقع، لم تكن احتجاجات التاسع من آب/أغسطس مجرد مظاهرات سياسية، بل حملت أيضاً مطالب اقتصادية واجتماعية ملحة، دعت إليها النقابات واليسار، من أجل زيادة الأجور، وتقديم أسعار مجزية للمزارعين، وإعفاءات ضريبية للمؤسسات الصغيرة والقطاع غير الرسمي.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

فلسطين

فلسطين لا تحتمل الانتظار

غلوب تروتر + مدار: 20 آب/ أغسطس 2025 غييرمو ر. باريتو* لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية بتسليم جزء من ألمانيا للنازيين. لن ينتهي الصراع بتسليم