لا يزال إرث توماس سانكارا حيًا في منطقة الساحل: المراسلة 33 (2025)

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي + مدار: 14 أغسطس/ آب 2025

فيجاي براشاد

في الأشهر التي أعقبت انقلاب عام 1987 في بوركينا فاسو، والذي أودى بحياة الرئيس توماس سانكارا، بدأ عمّال الطباعة الحريرية في العاصمة واغادوغو بإنتاج قمصان تحمل صور سانكارا. وسرعان ما انتشرت هذه الصور في جميع أنحاء البلاد. تولّى بليز كومباوري، وزير العدل السابق لدى سانكارا، حكم البلاد حتى عام 2014، ومنذ البداية، كان يُشتبه في تورطه بتدبير اغتيال سانكارا، لكن الأمر استغرق حتى عامي 2021–2022 لتدينه محاكم بوركينا فاسو. وبحلول ذلك الوقت، كان قد فرّ منذ زمن إلى كوت ديفوار، حيث لا يزال فاراً من العدالة. وخلال فترة حكمه، ادّعى كومباوري أنه من أتباع سانكارا، وهو إرث سياسي لم يكن في مقدوره التنكّر له.

بعد انضمامه إلى الجيش في سن العشرين، أصبح كومباوري رفيقًا مقرّبًا لسانكارا وشارك في انقلاب عام 1983 الذي أوصله إلى السلطة. لم يكن انقلابه على أستاذه (الذي يكبره بسنتين فقط) متوقعًا لمن لم يُقدّروا سطوة المال في بلدٍ فقيرٍ للغاية. ينحدر كومباوري من مقاطعة أوبريتينغا، التي تسجّل أعلى معدلات الفقر في البلاد. كانت أجندة سانكارا تهدف إلى قلب الإرث الاستعماري لبوركينا فاسو، بدءًا من تغيير اسمها من جمهورية فولتا العليا إلى “بوركينا فاسو”، أي أرض الناس النزهاء، وكان كومباوري جزءًا من تلك المسيرة. لكن الرغبات الشخصية يصعب أحيانًا سبر أغوارها، وهي غالبًا ما تكون الهدف المفضّل لوكالات الاستخبارات الأجنبية.

سعيدو ديكو (بوركينا فاسو)، تمثال الماء، 2020.

شهدت السياسة في بوركينا فاسو سلسلة من الانقلابات المتعاقبة – في أعوام 1966 و1974 و1980 و1982 و1983 و1987 و2014 و2022 – ومع ذلك، لا يوجد ما يميّز البلاد على نحو يفسّر هذا التواتر، فمنذ عام 1950، شهدت ما لا يقل عن أربعين دولة من أصل أربع وخمسين دولة إفريقية انقلاباً – بدءاً من الإطاحة بالنظام الملكي بمصر في يوليو/ تموز 1952 على يد الضباط الأحرار (بقيادة جمال عبد الناصر)، وصولاً إلى انقلاب أغسطس/ آب 2023 في الغابون بقيادة الجنرال بريس أوليغي نغيما.

الانقلاب ليس سوى المظهر الخارجي للبنية الاستعمارية الجديدة التي تعيش في ظلها دول مثل بوركينا فاسو والغابون؛ فالنظام الاستعماري، وخصوصاً الصيغة الفرنسية منه، لم يسمح يوماً للدولة بأن تتطور إلى ما هو أبعد من جهازها القمعي، ولم يفسح المجال أمام نشوء برجوازية وطنية مستقلة اقتصادياً وثقافياً عن رأس المال الغربي. إن غياب الدولة التنموية والبرجوازية الوطنية المستقلة جعل النخب في هذه البلدان تؤدي دور الكمبرادور: إذ مكّنت الشركات الأجنبية من نهب الثروة الوطنية، وحصلت على أجر زهيد مقابل ذلك، ومنعت نشوء عملية سياسية ديمقراطية حقيقية، بما في ذلك جعل الاقتصاد أكثر ديمقراطية من خلال النقابات العمالية. وتلك هي فخاخ الاستعمار الجديد.

لا تملك الدول العالقة في هذا الفخ مساحة سياسية كافية لتجاوز واقعها الطبقي الداخلي أو افتقارها إلى السيادة في مواجهة رأس المال الأجنبي. ومع محدودية فرص كسب العيش، ينخرط كثير من الشباب من البلدات الصغيرة والمناطق الريفية في الجيش. وهناك، يجدون فرصة لمناقشة معاناة بلدانهم، وفي بعض الحالات، كما حدث مع سانكارا، لاعتناق أفكار تقدمية.

لقد أتاحت القطيعة التي أحدثها سانكارا عام 1983 مع التاريخ الاستعماري لبلاده تطبيق عدد من هذه الأفكار، من بينها: إعادة توزيع الأراضي لتعزيز السيادة الغذائية، تأميم الموارد لمكافحة النهب الأجنبي، بناء تحالفات عسكرية إقليمية للتصدي للتدخل الإمبريالي، رفض المساعدات الأجنبية التي تقوّض السيادة الوطنية، تعزيز الوحدة الوطنية وتحرير المرأة.

وعلى مدار أربع سنوات، سارت حكومته على هذا النهج التقدمي، متحدّية نظام الديون والتقشف الذي يفرضه صندوق النقد الدولي، لكن تم اغتياله في النهاية.

وارين سار (بوركينا فاسو)، المقاتلون القدماء 2، 2014.

من المهم أن نتذكر أن بليز كومباوري أُطيح به عام 2014 إثر انتفاضة شعبية قادها سكان المناطق غير المخططة عمرانياً (العشوائيات)، والحركات الشبابية، وقوى مدنية أخرى. كان ذلك هو المزاج العام آنذاك. لكن هذه الانتفاضة لم تتمكن من ترسيخ السلطة، فآلت المكاسب إلى حكومة مدنية ضعيفة، ومجموعات عسكرية متنافسة، وفي بعض مناطق بوركينا فاسو، إلى فصائل تابعة لتنظيم القاعدة التي ازدادت جرأة بعد تدمير الدولة الليبية عام 2011 على يد حلف شمال الأطلسي.

كان تنفيذ مطالب احتجاجات 2014 الشعبية هو الهدف المعلن لانقلاب يناير/ كانون الثاني 2022 العسكري الذي نفذته الحركة الوطنية من أجل الحماية والاستعادة، وهي مجموعة من الضباط الملتزمين بإرث سانكارا. تولى قيادة هذه الحركة في البداية المقدم بول-هنري داميبا، ثم خلفه بعد الإطاحة به في سبتمبر/ أيلول 2022 النقيب إبراهيم تراوري. بدا الأمر حينها وكأنه إحياء للقطيعة التي أحدثها سانكارا.

يأتي أحدث ملف لنا في معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي بعنوان “الساحل يسعى إلى السيادة” (آب/ أغسطس 2025). وقد أعدّ فريقنا الإفريقي هذا الملف بحثاً وكتابةً، ويقدّم تقييماً تاريخياً لسياسات كلٍّ من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، التي توحّدت اليوم في إطار تحالف دول الساحل (AES).

تحدّد كلمة “السيادة” في العنوان جوهر حجّتنا: فمهما كانت الانتخابات التي أجرتها هذه البلدان في الماضي، فإنها لم تُعمّق الإمكانات الديمقراطية في مجتمعاتها، ولم تُحصّن اقتصاداتها في مواجهة النفوذ الأجنبي. فجميع دول التحالف الثلاث غنية بمناجم الذهب، بينما تتمتع النيجر على وجه الخصوص باحتياطات من اليورانيوم عالي الجودة (الكعكة الصفراء)، ومع ذلك لم تتمكّن أيٌّ منها من السيطرة الكاملة على مواردها أو مؤسساتها الاقتصادية، بل بقيت خاضعة للنظام النقدي الفرنسي والشركات الغربية.

ليس من الضروري وجود ديكتاتورية سياسية صريحة لخنق سيادة بلد مثل بوركينا فاسو؛ فقد فاز كومباوري في انتخابات 1991 بنسبة 100% من الأصوات، وفي انتخابات 1998 بنسبة 90%، وفي 2005 و2010 بنسبة 80%، ومع ذلك كان ذلك استبدادًا فاقعًا لا يمتّ للديمقراطية بصلة. أما الحركة الوطنية من أجل الحماية والاستعادة (MPSR)، وهي التي تواصل أجندة سانكارا وروح احتجاجات 2014، فهي أكثر ديمقراطية بكثير من النظام الذي وصل كومباوري إلى الحكم في كنفه.

لم تنطلق انتفاضة 2014 في بوركينا فاسو من الأحياء العشوائية فقط، بل أيضًا من النوادي الليلية. ففي عام 2013، أسّس فنان الريغي سامس’ك لو جاه (كريم سما) ومغني الراب سموكي (سيرج بامبارا) حركة “مكنسة المواطن” (Le Balai Citoyen)، وهي حركة شعبية استلهمت اسمها من حملات تنظيف الشوارع التي كان يقودها سانكارا، ومن التزامه بـ”كنس” النخب القديمة ورأس المال الأجنبي. وفي النوادي الليلية بأنحاء البلاد، كان سامس’ك لو جاه يرفع عالياً إرث سانكارا:

سانكارا، سانكارا، سانكارا، يا رئيسي،
سانكارا، سانكارا، سانكارا من بوركينا.
جئتَ رجل نزاهة لتبني إفريقيا الكريمة.
من خلال تضحيتك العظمى، منحتَ حياتي معنى.
دمك هو الروح التي تغذّي إلى الأبد
أملنا في إفريقيا الكريمة.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

فلسطين

فلسطين لا تحتمل الانتظار

غلوب تروتر + مدار: 20 آب/ أغسطس 2025 غييرمو ر. باريتو* لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية بتسليم جزء من ألمانيا للنازيين. لن ينتهي الصراع بتسليم