مدار: 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2025
دفعت الحرب منذ اندلاعها، في نيسان/أبريل 2023، السودان إلى أزمة إنسانية وسياسية غير مسبوقة، حيث وجد المدنيون أنفسهم عالقين في مواجهة عنيفة بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو.
القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع السودانيين، وهما المكونان المركزيان لما كان يسمى بـ “اللجنة الأمنية” وكانت تضم أيضا المخابرات والشرطة، وصل مرحلة تناحرية بعد أن بات غير ممكن أن يتعايشا في هرم السلطة المستولى عليها بانقلابي 11 نيسان/ أبريل 2019 و25 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، من أجل قطع الطريق على الثورة.
في الظاهر، قاد إلى هذا النزاع خلاف حول الإيقاع الذي سيجري به دمج الدعم السريع في مؤسسة الجيش، إذ أراد البرهان أن يحدث ذلك في سنتين بينما أصرّ حميدتي على عشر سنوات، إلا أن جذور الحرب تمتد إلى تنافس أعمق على السلطة وموارد البلاد، وصراع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية.
يمثل طرفا النزاع جناحين عسكريين لهما مصالح متناقضة؛ فالبرهان يقود المؤسسة العسكرية الرسمية المرتبطة بهياكل الدولة التقليدية والنظام القديم، ويحظى بدعم سياسي من مصر وتركيا. في المقابل، بنى دقلو (حميدتي) قوته شبه العسكرية على الجنجويد والمليشيات وشبكات قبلية وتجارية واسعة، ترتبط بشكل وثيق بتجارة الذهب وعلاقات خارجية معقدة، أبرزها مع دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا.
منذ اليوم الأول، تحولت العاصمة الخرطوم ومدن أخرى إلى ساحات قتال مفتوحة، وامتدت المواجهات إلى مناطق حساسة مثل دارفور وكردفان، مصحوبة بانتهاكات واسعة النطاق ضد المدنيين. وتشير الأرقام إلى نزوح أكثر من 14 مليون شخص، بينما يواجه الملايين خطر المجاعة والأمراض، مما فاقم من الكارثة الإنسانية.
وتلعب القوى الإقليمية والدولية دوراً محورياً في مسار هذا الصراع. فمصر، التي تعتبر استقرار السودان جزءاً من أمنها القومي والمائي، قدمت دعماً سياسياً ولوجستياً للجيش السوداني. على الجانب الآخر، تشير تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية إلى أن الإمارات تعد داعماً رئيسياً لقوات الدعم السريع، عبر قنوات مالية وتسليحية وشبكات لتهريب الذهب. وقد عزز تقرير لوكالة “أسوشييتد برس” هذه الاتهامات بالكشف عن وجود أسلحة إماراتية الصنع في دارفور، وهو ما دفع الحكومة السودانية إلى اتهام أبوظبي مباشرة والتلويح بقطع العلاقات الدبلوماسية.
أما الولايات المتحدة، فقد اتخذت موقفاً دبلوماسياً يركز على الدعوة لوقف إطلاق النار وتشكيل حكومة مدنية. وشاركت واشنطن في “البيان الرباعي” الصادر في سبتمبر 2025 إلى جانب الإمارات والسعودية ومصر، والذي دعا إلى هدنة إنسانية تليها مرحلة انتقالية، لكن البيان واجه انتقادات لتجاهله ملف المحاسبة عن الجرائم المرتكبة. ويرى مراقبون أن الدور الأمريكي يهدف إلى إدارة التوازن بين حلفائه الإقليميين بما يحافظ على نافذة دمج إسرائيل في المنطقة وترسيخ التطبيع في المستقبل.
تستمر روسيا في الحفاظ على نفوذها من خلال شبكات التعدين والتهريب المرتبطة بمجموعة “فاغنر” السابقة أو الكيانات التي خلفتها، مستفيدة من حالة الفوضى.
أدت الحرب بعد أكثر من 900 يوم من اندلاعها إلى انهيار شبه كامل للدولة السودانية، مع تفكك الاقتصاد وتفشي المجاعة وتدهور الخدمات الأساسية. ومع ذلك، وسط هذا المشهد، تواصل القوى المدنية السودانية نشاطها. فلجان المقاومة في الأحياء لا تزال تنظم المساعدات الإنسانية، ويعمل الأطباء في ظروف بالغة الصعوبة، في محاولة للحفاظ على بنية المجتمع المدني التي قادت ثورة 2019.
يوجه أطراف الحرب اتهامات واضحة بارتكاب جرائم الحرب، بما فيها التطهير العرقي والاغتصاب والقتل الجماعي واستخدام التجويع كسلاح. وتصر الأمم المتحدة إنه لا حل في السودان دون وقف الحرب.

