73 عاماً على مجزرة عصابات “الهاغانا” في حولا جنوب لبنان.. دون محاسبة

مشاركة المقال

مدار: 03 تشرين الثاني/ نونبر 2021

كاثرين ضاهر

هاجمت فرقة من عصابات “الهاغانا” بلدة حولا الحدودية جنوب لبنان فجر 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1948، بقيادة السفاح مناحيم بيغن. وتم تطويق البلدة ضمن مخطط للاستيلاء على القرى اللبنانية المحاذية لفلسطين، حيث قامت العصابات باعتقال جميع من صادفته في طريقها، رجالاً ونساءً، بعدها عمدت إلى إعدام الرجال المعتقلين وأيديهم مرفوعة على الجدران رمياً بالرصاص، ثم دمرت المنازل الثلاثة التي جمعتهم فيها، فوق رؤوسهم، واستشهد الجميع إلّا ثلاثة أشخاص رووا تفاصيل المجزرة لاحقاً، فسقط نحو 80 شهيداً، دفنوا في قبور جماعية مكان استشهادهم؛ أما النساء والأطفال فكانوا سيلاقون المصير نفسه لولا تدخل مراقبي الأمم المتحدة في الوقت المناسب.

بعد المجزرة، قامت القوات الصهيونية بمصادرة الممتلكات والمواشي وهدم وإحراق منازل البلدة، وفرّ من بقي على قيد الحياة فيها إلى الأحراج والقرى المجاورة. أما القسم الأكبر من أهالي البلدة فنزحوا باتجاه بيروت، حيث أقامت لهم الدولة اللبنانية بيوتاً من صفيح في مخيم ضبيه، مكثوا فيها نحو ستة أشهر، ثم عادوا إلى حولا في أيار/ مايو 1949، بعد توقيع “اتفاق الهدنة” مع الكيان الغاصب، ليجدوا منازلهم خراباً، فنصبوا الخيام على أنقاض المنازل وبدؤوا ترميمها؛ ثم قاموا بشراء قطعة أرض وتأهيلها لتصبح مقبرة خاصة، نقلوا رفات شهداء المجزرة إليها وباتت تُعرف اليوم باسم “مدافن الشهداء”.

“حولا” المقاومة…

تميّزت حولا بمقاومتها منذ وجدت، فكانت عصية على التطويع، حيث واجهت الإقطاع والاحتلال الفرنسي، وأيضاً القوات الصهيونية منذ العام 1948، بانضمام أهلها للقتال ضمن صفوف جيش الإنقاذ والحرس الشعبي وقوات الأنصار؛ وأيضاً انخرطوا في نضالات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية دفاعاً عن الأرض والشعب، ومنهم من انخرط في باقي أطياف المقاومة، كما شاركوا ومازالوا في نضالات الحركات العمالية والنقابية والتحركات الشعبية.

هو تاريخ الصهاينة منذ تقسيم فلسطين عام 1947، والنكبة عام 1948… 73  عاماً مرت على أول مجزرة وحشية ارتكبها الصهاينة في لبنان… ومازالت حولا الشاهدة، رافضة بجهود أبنائها، لاسيما رابطة إنماء حولا، إلا أن تبقى بلدتهم “الشهيدة”، التي حرصت منذ 27 عاماً على تأسيسها، على حمل هذه القضية إلى أعلى مستوياتها في الدولة اللبنانية، ولاسيما وزارة الخارجية، لإيصال هذا الملف إلى المحافل الدولية ومحكمة العدل الدولية.

وأصدرت الرابطة كتيب “حولا الشهيدة” عام 1998، الذي أعده رئيسها آنذاك، أيسر حجازي، وتضمن وقائع مجزرة حولا، وشهادات من ناجين.

وأفاد حجازي، حسب الوثيقة، “مدار”، بأنه “في أيار/ مايو 1948، وأثناء الليل، دخلت فرقة صهيونية إلى القرية وقتلت ثلاثة رجال من البلدة (الشيخ عبد الخالق مزرعاني، وعبد شبيب شريم ومحمد ياسين)؛ فكانت تلك الأحداث أولى الاعتداءات الصهيونية ضد بلدة حولا، لتستمر فترة الذعر حتى شهر آب/ أغسطس 1948، موعد دخول جيش الإنقاذ الذي شكل من أبناء الدول العربية لإنقاذ فلسطين من الاغتصاب، وكان دخوله بموافقة الدولة اللبنانية، واتخذ من تلة ‘الشيخ عباد’ المطلة على حولا منطقة لتمركزه، وقدّم أهالي البلدة المساعدة الممكنة، وحمل شبابها السلاح، وخاضوا عدة معارك ضد الصهاينة إلى جانبه”.

وأردف المتحدث ذاته: “بقي جيش الإنقاذ مرابطاً فترة ثلاثة أشهر على تلك التلة، لكنه انسحب فجأة مساء الخميس 27 تشرين الأول/ أكتوبر، وبعدها سارع الصهاينة إلى الانتقام من حولا وأبنائها عبر اللجوء إلى خدعة في 31 تشرين الأول/ أكتوبر، إذ دخلوا البلدة متنكرين بزي جيش الإنقاذ (الكوفية والعقال) ضمن عصابات شتيرن والهاغانا؛ وبينما كان الأهالي ينتظرون مجيء قوات عربية لتحل محل القوات المنسحبة ظنوا أن القوات القادمة جيش عربي فسارعوا لاستقبالها، الأمر الذي ساعد الصهاينة على شن أكبر حملة اعتقالات في صفوف المرحبين من شباب وشيوخ وأطفال ونساء”.

أما الشاهد حسين محمد رزق (أبو فهد)، آخر من عايش مجزرة حولا، فروى بعض تفاصيلها، (قبل وفاته في 2 شباط/فبراير 2005)، إذ نشر فيديو توثيقي لحديثه على الصفحة الرسمية لـ “رابطة إنماء حولا”، أمس، يقول: “في ذلك اليوم المشؤوم ظننا أن القادمين إلى بلدتنا هم من ‘جيش الإنقاذ’ الذي خلف في عصابات ‘الهاغانا’ خسائر فادحة قرب ‘العباد’، وكنا ننتظرهم بفارغ الصبر، لاسيما أن البلدة كانت تعيش عز انتصارها للقضية الفلسطينية، وتدرك خطر التوسع الصهيوني. ركضنا صوبهم، فعدنا أمامهم والبنادق في ظهورنا، ثم جمعونا في الساحة وقسمونا فرقاً ثلاثة، أنا ورفاقي أخذونا إلى بيت فارس حسين مصطفى، وأتى أحدهم بعد دقائق وقال: ‘ديروا وجوهكم صوب الحيط’، وأطلق النار علينا. أصبت في فخذي ويدي ووقعت كالجميع على الأرض، وعندما ذهبوا فتحت عيني ولم أرَ غير الظلمة، وفجأة فجروا المنزل على رؤوسنا، وهبط عليّ جسر خشبي، وعندما استيقظت وجدت جانبي، محمد الشيخ عبد سليمان مصاباً أيضاً، وتساعدنا وتمكنا الفرار بصعوبة كبيرة من بين زخات الرصاص التي أطلقت علينا، حتى وصلنا إلى خراج البلدة، ونقلنا إلى المستشفى حيث استشهد زميلي متأثراً بجراحه”.

عنوان: “شهداء مجزرة حولا”، نصب تذكاري.

يُشار إلى أن عدوانية الصهاينة ضد “حولا” تواصلت ولم تقف عند هذا الحد، ومن نجا من المجزرة استشهد بلغم ما أثناء حراثة أرضه، أو سقط بفعل شظية أو رصاصة. واستمرت الاعتداءات على البلدة قصفاً وتدميراً منذ العام 1956 حتى عام 1978 تاريخ الاحتلال الثاني لحولا، ووقعت اعتداءات ذهب ضحيتها العشرات.

وفي عدوان آذار/مارس 1978 بدأ العدو ممارسته الجبانة في حق أبناء البلدة مجدّداً باحتلال مقنّع بتجنيد العملاء وممارسة كافة أنواع البطش والاعتقال والتهجير، إذ استخدم كافة الأساليب العدوانية لإفراغ المنطقة من أهلها، فإثر أي تحرك أو عملية عسكرية كان يعمد إلى الاعتقال، وبعده الإبعاد؛ تارة يأخذ شكلاً جماعياً وطوراً فردياً، فهجّر أكثر من 80 % من عدد سكان البلدة.

ويُذكر أن الاحتلال الصهيوني للبلدة استمر 22 عاماً، إلى أن تم الانسحاب عام 2000، فكانت “حولا” بوابة التحرير.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة