مدار + وكالات: 17 حزيران/ يونيو 2022
أعلنت وزارة الداخلية البريطانية أن الوزيرة بريتي باتيل وافقت على طلب الولايات المتحدة تسليمها جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس الذي تلاحقه واشنطن بتهمة نشر كميات كبيرة من الوثائق السرية المسربة.
وقال موقع ويكيليكس بعد الإعلان إنه “يوم مظلم لحرية الصحافة وللديموقراطية البريطانية”، وأعلن أن أسانج سيستأنف القرار.
ويطالب القضاء الأميركي بتسلم أسانج لمحاكمته بتهمة نشره اعتبارا من 2010 أكثر من 700 ألف وثيقة سرية عن أنشطة عسكرية ودبلوماسية أميركية لا سيما في العراق وأفغانستان.
بعد مواجهة قانونية طويلة شهدت تطورات كبيرة، سمح القضاء البريطاني رسميا في 20 نيسان/أبريل بتسليم أسانج إلى القضاء الأميركي. لكن الأمر ترك لوزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل للتوقيع على مرسوم التسليم وهو ما فعلته الجمعة.
وأكدت ستيلا أسانج زوجة الاسترالي في مؤتمر صحافي “هذه ليست نهاية الطريق. سنواصل الكفاح وسنستخدم كل وسائل الطعن”.
من جهتها، أكدت المحامية جينيفر روبنسون التي تدافع عن جوليان أسانج أنه سيقدم استئنافا إلى القضاء البريطاني خلال 14 يوما “وإذا لزم الأمر أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”.
وتعارض منظمات للدفاع عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان تسليمه.
وقالت أنييس كالامار الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية إن تسليم جوليان أسانج قد يعرضه “لخطر كبير ويوجه رسالة مخيفة إلى الصحافيين في جميع أنحاء العالم”.
“يوم مظلم للصحافة”
أدان موقع ويكيليكس الجمعة توقيع وزيرة الداخلية البريطانية قرار تسليم مؤسسه جوليان أسانج للولايات المتحدة معتبرا أنه “يوم مظلم لحرية الصحافة”.
وكتب “ويكيليس” على تويتر “وافقت وزيرة الداخلية البريطانية (بريتي باتيل) على تسليم ناشر ويكيليكس جوليان أسانج إلى الولايات المتحدة حيث قد يواجه حكما بالسجن لمدة 175 عاما”.
وأضاف أنه “يوم مظلم الصحافة وللديموقراطية البريطانية وسيتم استئناف القرار”.
من هو أسانج وما هي ويكيليكس؟
فيما يلي مقتطف من البرقية الحمراء رقم 13 التي يصدرها معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي، كان “مدار” نشرها سابقا:
جوليان أسانج هو صحفي وناشر أسترالي، شارك في تأسيس موقع “ويكيليكس” سنة 2006، والذي تم إنشاؤه من أجل نشر الوثائق التي يتم تسريبها من قبل مسؤولين في حكومات وشركات، ولكن في نفس الوقت يرغب هؤلاء المسؤولون أن لا يتم ذكر أسمائهم.
استلهمت “ويكيليكس” أسلوب اشتغالها من قيام دانييل إلسبرغ سنة 1971 بتسريب أوراق تخص البنتاغون، وهي وثائق داخلية للحكومة الأمريكية أظهرت تلاعبا وخداعا في ما يخص مجريات الحرب في فيتنام.
خلال الفترة ما بين 2006 و2009، قام موقع “ويكيليكس” بنشر سلسلة من الوثائق المهمة، تضمنت معلومات حساسة، مثل قائمة أعضاء الحزب الوطني البريطاني الفاشي (2008) وفضيحة “بتروغيت” حول فساد في قطاع النفط في البيرو (2009)، وتقرير عن الهجوم السيبراني الأمريكي الإسرائيلي على منشآت الطاقة النووية الإيرانية (2009).
سنة 2013، وصف الاتحاد الدولي للصحفيين “ويكيليكس” بـ”سلالة جديدة من المؤسسات الإعلامية القائمة على حق الجمهور في المعرفة”.
في 2010، وفي الفترة التي كانت تشيلسي مانينغ، محللة استخبارات الجيش الأمريكي، متواجدة في العراق، قامت بتنزيل مئات الآلاف من المستندات بما في ذلك مقاطع فيديو من خوادم الحكومة الأمريكية، وقامت بإرسالها إلى “ويكيليكس” مع إرفاقها بملاحظة تقول :”ربما تكون هذه المستندات واحدة من أكثر الوثائق أهمية في عصرنا، وتهدف إلى تسليط الضوء على الحرب والكشف عن الطبيعة الحقيقية للحرب غير المتكافئة في القرن الواحد والعشرين”.
وفي نونبر/ تشرين الثاني من السنة نفسها، تعاون “ويكيليكس ” مع مجموعة من الصحف الكبرى (دير شبيغل، إل باييس، ذي غارديان، لوموند، نيويورك تايمز) من أجل نشر الوثائق الدبلوماسية (كابلغيت) والتي كانت من ضمن الوثائق التي أرسلتها مانينغ، كما الموقع أيضا بنشر سجلات تخص حرب العراق ومذكرات الحرب الأفغانية والتي تضمنت مواد تشير إلى ارتكاب الولايات المتحدة جرائم حرب في كلا البلدين.
ومن ضمن هذه الوثائق كان هناك فيديو سري تعود أحداثه إلى عام 2007، يوثق قيام القوات الأمريكية بقتل مدنيين، بما في ذلك موظفو وكالة “رويترز” للأنباء، وكان لهذا الفيديو تأثير هائل على الرأي العام حول طبيعة الحرب الأمريكية.
في نونبر/ تشرين الثاني، وبعد هذه التسريبات، أعلن المدعي العام الأمريكي إريك هولدر، أن مكتبه فتح “تحقيقا جنائيا مستمرا” ضد “ويكيليكس”.
لماذا تم إيداع جوليان أسانج في سجن بيلمارش (لندن، المملكة المتحدة)؟
مع حلول الأول من دجنبر/ كانون الأول 2010، دعا كبار السياسيين الأمريكيين في حكومة الولايات المتحدة إلى محاكمة أسانج بموجب قانون التجسس (1917)؛ كانت ادعاءات الاعتداء الجنسي في السويد حلقة في سلسلة طويلة من المتابعات القانونية، وبالرغم من ذلك كان أسانج مستعدا للعودة إلى السويد من أجل مواجهة هذه الادعاءات، شريطة أن تقدم له ضمانات بعدم تسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث يمكن أن يواجه هناك عقوبة السجن مدى الحياة بتهم التجسس، لكن السويد ونظرا للعلاقات الوثيقة التي تربطها بالولايات المتحدة، رفضت تقديم هذا الالتزام.
سنة 2012، حصل أسانج على حق اللجوء في سفارة الإكوادور في لندن، لكن وبعد سبع سنين، ومع حلول أبريل/ نيسان 2019 قامت الحكومة الإكوادورية – مقابل ما اعتبر بصفقة تفضيلية مع صندوق النقد الدولي – بتسليم أسانج إلى السلطات البريطانية، ليتم بعد ذلك نقله إلى سجن بيلمارش في انتظار جلسات الاستماع لتسليمه ليس إلى السويد، التي أسقطت تحقيقها، وإنما إلى الولايات المتحدة.
وجهت الحكومة الأمريكية لأسانج 18 تهمة متعلقة بالحصول على وثائق سرية ونشرها، مما قد يؤدي به إلى عقوبة تصل إلى 175 عام في السجن في حال تسليمه، ويبقى أن 17 من هذه التهم وجهت لأسانج مباشرة بعد دخوله الحجز البريطاني.
في البداية، كانت التهمة الوحيدة ضد أسانج هي التآمر مع مانينغ لتجاوز كلمة المرور واختراق النظام المعلوماتي في البنتاغون، والتي تصل عقوبتها إلى 5 سنوات. لكن من الواضح أن الحكومة الأمريكية ليس لديها أدلة كافية على أن أسانج تواطأ مع مانينغ من أجل اختراق الخوادم الأمريكية، خصوصا وأن مانينغ سبق وقالت إنها تصرفت بشكل فردي من أجل الحصول على الوثائق وتسليمها إلى “ويكيليكس”.
وتسعى حكومة الولايات المتحدة إلى إحضار أسانج إلى الولايات المتحدة قصد محاكمته بموجب قانون التجسس نظير حصوله على معلومات سرية ونشرها – بعبارة أخرى، بسبب عمله كصحفي استقصائي.
وبالتالي، فإن السبب من وراء محاكمة أسانج هو عمله كصحفي وليس شيء آخر.