واصلوا عزف الروك في العالم الحر: المراسلة 21 (2024)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الإجتماعي + مدار: 07 حزيران/ يونيو 2024*

فيجاي براشاد

صعد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، مساء الـ 14 أيار/ مايو، إلى خشبة المسرح في بارمان ديكتات في كييف، أوكرانيا، ليلتقط غيتارًا كهربائيًا وينضم إلى فرقة البانك الأوكرانية “19.99”، وقال إن الأوكرانيين “لا يقاتلون من أجل أوكرانيا حرة فحسب، بل من أجل عالم حر”. ثم قام بلينكن وفرقة “19.99” بعزف أغنية “Rockin’ in the Free World” (عزف الروك في العالم الحر) لنيل يونغ، متجاهلاً تماماً ما تحمله كلماتها من دلالات – على غرار دونالد ترامب الذي استخدم هذه الجوقة في حملته الرئاسية 2015-2016، مما أثار غضب يونغ.

إيري وتوشي ماروكي، ناغازاكي الخامسة عشرة، 1982، من لوحات هيروشيما.

صاغ يونغ كلمات الأغنية، في شباط/ فبراير 1989، في اليوم التالي لتلقيه خبر فشل جولة فرقته في الاتحاد السوفييتي، مستندًا إلى انتقاداته لسنوات ريغان والشهر الأول من رئاسة جورج بوش الأب. وفي حين تبدو الأغنية وطنية في ظاهرها، إلا أنها – مثل أغنية بروس سبرينغستين “وُلد في الولايات المتحدة الأمريكية” (1984) – تنتقد بشدة الهرمية والإذلال في المجتمع الرأسمالي.

ترسم الأبيات الثلاثة لأغنية “عزف الروك في العالم الحر”، صورة لليأس (“الناس تترنح أقدامها/ الناس ينامون بأحذيتهم”) الناتج عن وباء المخدرات الذي يعاني منه الفقراء (امرأة “تضع الطفل بعيداً/ وتذهب لتجلب المخدرات”، وانهيار فرص التعليم (“هناك طفل آخر/ لن يذهب إلى المدرسة أبداً”)، وتزايد عدد السكان الذين يعيشون في الشوارع (“لدينا ألف نقطة ضوء/ للرجل المشرد”). كما صورت أغنية سبرينغستين التي كتبها في ظل الحرب الأمريكية على فيتنام (“لذا وضعوا بندقية في يدي/ وأرسلوني إلى أرض أجنبية/ لأذهب وأقتل الرجل الأصفر”)، خنق العمال في الولايات المتحدة، الذين لم يتمكن الكثير منهم من الحصول على وظيفة بعد عودتهم من حرب لم يريدوها (“في ظل السجن/ في ظل نيران الغاز في المصفاة/ أنا أحترق عشر سنوات في الطريق/ لا مكان للهرب، ليس لدي مكان للذهاب إليه”).

هذه أغاني عن الألم وليست أناشيد حرب. إن ترديد “وُلدت في الولايات المتحدة الأمريكية” أو “واصلوا عزف الروك في العالم الحر” لا يثير شعوراً بالفخر في الشمال العالمي بل انتقاداً عنيفاً لحروبه القاسية. فعبارة “واصلوا عزف الروك في العالم الحر” مبطّنة بالسخرية. لم يفهمها بلينكن ولا ترامب. إنهم يريدون جاذبية موسيقى الروك آند رول، لكنهم لا يريدون مرارة كلماتها. إنهم لا يفهمون أن أغنية نيل يونغ لعام 1989 هي الموسيقى التصويرية لمقاومة الحروب الأمريكية التي تلت ذلك ضد بنما (1989-1999)، والعراق (1990-1991)، ويوغوسلافيا (1999)، وأفغانستان (2001-2021)، والعراق (2003-2011)، وغيرها الكثير.

إيري وتوشي ماروكي، الموت الثالث عشر لأسرى الحرب الأمريكيين، 1971، من لوحات هيروشيما.

وقد ذهب بلينكن إلى كييف للاحتفال بتمرير ثلاثة مشاريع قوانين في مجلس النواب الأمريكي، تخصص 95.3 مليار دولار لجيوش إسرائيل وتايوان وأوكرانيا والولايات المتحدة. هذا بالإضافة إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار تنفقها الولايات المتحدة على جيشها كل عام. ومن البذاءة أن تستمر الولايات المتحدة في تزويد إسرائيل بالذخائر القاتلة من أجل الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك مبلغ 26.4 مليار دولار الذي وعدت به إسرائيل في مشاريع القوانين الجديدة بينما تتظاهر بالقلق على تجويع الفلسطينيين وذبحهم. ومن المروع أن تستمر الولايات المتحدة في منع محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا في الوقت الذي تمول فيه الجيش الأوكراني المنهار (بما في ذلك 60.8 مليار دولار للأسلحة في القوانين الجديدة وحدها) حيث تسعى الولايات المتحدة إلى توظيف الصراع “لإضعاف روسيا”.

استخدمت الولايات المتحدة، على الطرف الآخر من أوراسيا، على نحو مماثل، قضية تايوان في جهودها الرامية إلى رؤية الصين “ضعيفة”. وهذا هو السبب في أن هذا الاعتماد التكميلي يخصص 8.1 مليار دولار لـ “أمن المحيطين الهندي والهادي”، بما في ذلك 3.9 مليار دولار في مجال التسلح لتايوان و3.3 مليار دولار لبناء غواصات في الولايات المتحدة. تايوان ليست وحدها كدولة محتملة في خط المواجهة في حملة الضغط هذه ضد الصين: فالفرقة المشكلة حديثاً والمكونة من أستراليا واليابان والفلبين والولايات المتحدة الأمريكية تستغل النزاعات القابلة للحل بين الفلبين والصين كفرصة للإقدام على مناورات خطيرة على أمل إثارة رد فعل من الصين يعطي الولايات المتحدة ذريعة لمهاجمتها.

إيري وتوشي ماروكي، الغربان الرابعة عشرة، 1972، من لوحات هيروشيما.

يحاجج ملفنا الجديد بعنوان “الحرب الباردة الجديدة تبث الاضطرابات في شمال شرق آسيا“، الذي نُشر بالتعاون مع مركز الاستراتيجية الدولية (سيول، كوريا الجنوبية) ومنظمة “لا حرب باردة“، بأن “الحرب الباردة الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين تزعزع استقرار شمال شرق آسيا على طول خطوط الصدع التاريخية في المنطقة، كجزء من حملة عسكرة أوسع نطاقاً تمتد من اليابان وكوريا الجنوبية، مروراً بمضيق تايوان والفلبين، وصولاً إلى أستراليا وجزر المحيط الهادئ”. إن البعبع المبرر لهذا الحشد في ما تسميه الولايات المتحدة “المحيطين الهندي والهادي” (وهو مصطلح تم تطويره لجر الهند إلى التحالف لتطويق الصين) هو كوريا الشمالية، التي تستخدم برامجها النووية والصاروخية لتبرير التعبئة غير المتكافئة على طول حافة المحيط الهادي في آسيا. إن كون الميزانية العسكرية لكوريا الجنوبية في عام 2023 (47.9 مليار دولار) كانت أكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الشمالية (20.6 مليار دولار) في العام نفسه هو مجرد مثال واحد يسلط الضوء على هذا الخلل في التوازن. يجادل الملف بأن هذا الاستغلال لكوريا الشمالية “لطالما كان ستارا لاستراتيجيات الاحتواء الأمريكية – أولاً ضد الاتحاد السوفيتي واليوم ضد الصين”. (يمكنكم قراءة الملف باللغة الكورية هنا).

إيري وتوشي ماروكي، الفوانيس العائمة الثانية عشرة، 1968، من لوحات هيروشيما.

في السنوات الأولى من تطوير الولايات المتحدة لـ “استراتيجية المحيطين الهندي والهادي”، جادل باحثون صينيون مثل هو بو وتشن جيمين وفينغ تشن زنان بأن التعبير كان مجرد مصطلح مفاهيمي محدود بسبب التناقضات بين الدول المشاركة في تطوير استراتيجية الاحتواء الصينية. ولكن على مدى السنوات القليلة الماضية، تطورت وجهة نظر جديدة مفادها أن هذه التحولات في المحيط الهادئ تشكل تهديدًا خطيرًا للصين وأنه يجب على الصينيين الرد بحزم لمنع أي استفزاز. إن هذا الوضع، الذي يتسم بإنشاء الولايات المتحدة لتحالفات مصممة لتهديد الصين (الرباعية، وأوكوس، وجاكوس، والفرقة) إلى جانب رفض الصين الانحناء أمام الفرطإمبريالية للشمال العالمي، هو ما يخلق تهديدًا خطيرًا في آسيا.

يقدم القسم الأخير من الملف، “طريق إلى السلام في شمال شرق آسيا”، نافذة على آمال الحركات الشعبية في أوكيناوا (اليابان) وشبه الجزيرة الكورية والصين في إيجاد طريق للسلام. ويرتكز هذا المسار على خمسة مبادئ بسيطة: إنهاء التحالفات الخطيرة والمناورات الحربية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة والتدخل الأمريكي في المنطقة، ودعم الوحدة بين النضالات في المنطقة وكذلك النضالات في الخطوط الأمامية لإنهاء العسكرة في آسيا. هذه النقطة الأخيرة يخوضها على عدة جبهات أولئك الذين يعيشون بالقرب من قاعدة كادينا الجوية في أوكيناوا وخليج هينوكو وكذلك منشأة الدفاع عن المناطق المرتفعة في كوريا الجنوبية وقاعدة جيجو البحرية، على سبيل المثال لا الحصر.

إيري وتوشي ماروكي، العريضة الخامسة، 1955، من لوحات هيروشيما.

زرت قبل عدة سنوات معرض ماروكي خارج مدينة هيغاشي ماتسوياما في سايتاما، حيث شاهدت الجداريات الرائعة التي رسمها إيرا ماروكي (1901-1995) وتوشي ماروكي (1912-2000) لتذكر العنف الرهيب للقنابل النووية التي ألقتها الحكومة الأمريكية على هيروشيما وناغازاكي. تصور هذه اللوحات الجدارية، بأسلوب غسل الحبر الياباني التقليدي “سومي-إي”، الخسائر البشرية الهائلة لبشاعة الحرب الحديثة. وبفضل كبير أمناء المعرض يوكينوري أوكامورا والمنسقة الدولية يومي إيواساكي، تمكنا من إدراج بعض هذه الجداريات في ملفنا وفي هذه المراسلة.

اعتقلت الديكتاتورية العسكرية في كوريا الجنوبية، سنة 1980، كيم نام جو (1945-1994) وخمسة وثلاثين يساريًا آخر بدعوى مشاركتهم في اللجنة التحضيرية لجبهة التحرير الوطني. كان كيم شاعرًا ومترجمًا نقل كتاب فرانتز فانون “بشرة سوداء، أقنعة بيضاء” وكتابات هوشي منه إلى اللغة الكورية. وأثناء وجوده في سجن غوانغجو لمدة ثماني سنوات، كتب كيم مجموعة من الأشعار القوية التي تمكن من تهريبها للنشر. إحدى تلك القصائد، “لقد تغيرت الأشياء حقًا“، عن اختناق طموحات الشعب الكوري في شبه الجزيرة الكورية.

في ظل الإمبريالية اليابانية، إذا شعب جوسون
هتفوا “يحيا الاستقلال!”،
جاء رجال الشرطة اليابانية وأخذوهم بعيدًا،
استجوبهم المدعون اليابانيون،
قدمهم القضاة اليابانيون للمحاكمة.
انسحبت اليابان وتدخلت الولايات المتحدة.
إذا كان الكوريون الآن
يقولون “أيها الأمريكيون عودوا إلى دياركم”
تأتي الشرطة الكورية وتأخذهم
المدعون الكوريون يستجوبونهم
القضاة الكوريون يحاكمونهم
لقد تغيرت الأمور حقًا بعد التحرير.
لأنني صرخت “اطردوا الغزاة الأجانب!”،
أشخاص من بلدي
اعتقلوني واستجوبوني وقدموني للمحاكمة.

*نشرت هذه المراسلة لأول مرة باللغة بالإنجليزية بتاريخ 23 أيار/ مايو 2024.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة

العالم

جوليان أسانج يسترجع حريته

مدار + وكالات: 25 حزيران/ يونيو 2024 أُطلق سراح جوليان أسانج من السجن في بريطانيا ومن المقرر بأن يمثل أمام محكمة للمرة الأخيرة بعدما توصل