هناك العديد من المصائد الواجب تحطيمها في العالم (عدد 12. 2022)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 07 نيسان/ أبريل 2022

فيجاي براشاد

جايدر إسبيل/ البرازيل، الكيانات عبر المجرّات تتحدث لتقرير المستقبل العالمي للبشرية، 2021.

شن الجيش البرازيلي في 31 مارس/ آذار 1964 انقلابا ضد الحكومة التقدمية للرئيس جواو جولارت، المنتخبة ديمقراطياً. وتم عزلُ جولارت في اليوم التالي، وبعد عشرةِ أيام، سلم أعضاء المجلس الوطني البالغ عددهم 295 عضوًا السلطة للجنرال كاستيلو برانكو والمجلس العسكري. لقد حكم العسكر البرازيل واحداً وعشرين عاماً.  

إن الجيش البرازيلي مؤسسة لها جذور عميقة في المجتمع، وتشكل ثاني أكبر قوة عسكرية في الأمريكتين بعد الولايات المتحدة. ولم يكن انقلاب العام 1964 المرة الأولى التي يغادر فيها الجيش الثكنات، ويستولي على السلطة في الدولة؛ فإلى جانب دوره في الإطاحة بالإمبراطورية البرازيلية (1822-1889)، دخل لإزالة الرئيس واشنطن لويس في ثورة 1930، واستبداله بــ جيتوليو فارغاس، ومن ثم التدخل في 1945 من أجل القضاء على الدولة الجديدة لفارغاس، التي تعرف أيضاً باسم الجمهورية البرازيلية الثالثة. لقد كان من بين الرؤساء التسعة الذين أعقبوا الحقبة المدنية في البرازيل جنرال واحد هو يوريكو جاسبار دوترا (1946-1951)، وعودة فارغاس، وهما رجلان بزي مدني يؤيدان مصالح النخب وحلفاءهم المقربين في الولايات المتحدة.

حاول جولارت كَسْر جزء من الميثاق القديم، ودفع أجندة اجتماعية ديمقراطية لصالح الجماهير البرازيلية، ما أثار غضب حكومة الولايات المتحدة التي شعرت بأنه سيسلم البرازيل إلى الشيوعية.

تُظهر نظرة خاطفة إلى أرشيف وكالة الاستخبارات المركزية للولايات المتحدة تورطها العميق في انقلاب العام 1964؛ فبعد أقل من عام من تولي جولارت منصبه في سبتمبر/ أيلول 1961، التقى رئيس الولايات المتحدة آنذاك جون كينيدي بمستشاره ريتشارد جودوين، والسفير الأمريكي في البرازيل لينكولن جوردون، في يوليو/ تموز 1962، لنقاش مخاوفهم بشأن الرئيس البرازيلي. أخبر جوردون كينيدي وجودوين أن جولارت كان يسعى إلى تغيير الجيش، بعد أن استبدل العديد من القادة العسكريين وهدد باستبدال آخرين. “إن مُضيَّه قدماً في هذه التغييرات يعتمد إلى حد ما على مقاومة الجيش. أعتقد أن إحدى وظائفنا المهمة هي تقوية العمود الفقري للجيش، لنوضح أننا لسنا بالضرورة معادين لأي عمل عسكري”. لماذا على الولايات المتحدة التحرك ضد جولارت؟ “إنه يعطي البلد اللعين لـ…… بدأ (جوردون) يقول، عندما قاطعه كينيدي: “الشيوعيين”. وقال السفير جوردون: “أستطيع أن أرى أن الجيش ودود جداً لنا، مناهض جداً للشيوعية، ومرتاب جداً من جولارت”.

 كان الانقلاب جزءاً مما أطلقت عليه الحكومة الأمريكية “عملية الأخ سام”، لضمان بقاء البرازيل مطيعة لأهداف الشركات متعددة الجنسيات.

سلمت الولايات المتحدة مساعدات للجيش البرازيلي، مع رسالة واضحة تفيد بأن واشنطن سوف تدعم انقلاباً عسكرياً. وعندما غادر الجيش البرازيلي ثكناته في 31 مارس/ آذار، حذرت برقية من القنصلية الأمريكية في ريو دي جانيرو البحرية الأمريكية لوضع أسطول من السفن الحربية قبالة الساحل البرازيلي. وتظهر لنا الوثائق التي رفعت عنها السرية اليوم التنسيق الدقيق بين الرئيس الأمريكي ليندون جونسون ووكالة الاستخبارات المركزية والجيش البرازيلي في تنفيذ الانقلاب. 

لقد استمد جنرالات الجيش الذين حكموا البرازيل للسنوات الواحد والعشرين التالية “إستراتيجيتهم الجغرافية” من الكلية الحربية رفيعة المستوى في البرازيلEscola Superior de Guerra (ESG)) (أو المدرسة العليا للحرب)، وهو منظور تأسس على الرأي القائل إن الولايات المتحدة والبرازيل ستسيطران بشكل مشترك على الأمريكتين.

 فتح الجنرالات الأبواب أمام الاقتصاد البرازيلي، ورحبوا بالبنوك وشركات التعدين في أمريكا الشمالية للاستثمار وترحيل أرباحهم للولايات المتحدة. عام 1978 كانت 20% من أرباح “سيتيكورب” من البرازيل، وهو أكثر مما حققته في الولايات المتحدة.

 وشكلت الامتيازات الممنوحة للشركات متعددة الجنسيات أساس حكم الجنرالات، إذ ظلت الأجور أقل من نمو إنتاجية العمال، وازداد التضخم من 30% في 1975 إلى 109% في 1980. كان لدى البرازيل أعلى مستوى من الديون (55 مليار دولار) في الجنوب العالمي، وبحلول العام 1980 قال الرئيس جواو فيغيريدو (1979-1985) إنه “لم يتبق شيء للتنمية”.

 إن النضالات الجماهيرية للعمال والطلاب، ومجتمعات السكان الأصليين، والمجتمعات الدينية، ومجموعة من القطاعات الأخرى، ضغطت على النظام العسكري المنحل لتسليم السلطة الحكومية عام 1985؛ ومع ذلك فقد تمت إدارة عملية الانتقال بعناية من قبل الجيش، ما ضمن عدم وجود استنزاف جدي في سلطته. وقد صدت الحركة الديمقراطية جمود البنية الطبقية البرازيلية التي عززها الجيش، وحققت مكاسب كبيرة، وذلك بقيادة حزب العمال (1980) وحركة “فلاحون بدون أرض” (1984) وغيرهما. وكانت ذروة هذه الحركة الديمقراطية في المجال الانتخابي هي رئاسة حزب العمال (لولا دا سيلفا) و(ديلما روسيف) من 2003 إلى 2016.

 وقادت الدولة خلال هذه الفترة برنامجاً ضخماً لإعادة توزيع الثروة، متمركزاً على القضاء على الجوع والفقر المذقع، عبر برنامج الإعانة العائلية “Bolsa Família”، وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية؛ والزيادة في الحد الأدنى للأجور، وتجديد نظام الرعاية الصحية، ودمقرطة التعليم العالي. وبدأ كل هذا التقدم في التآكل مع انقلاب حرب القوانين المدعوم من الولايات المتحدة ضد ديلما في العام 2016.

كان باحثونا في معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي يدرسون بعناية دور الجيش البرازيلي في فترة ما بعد العام 2016، وتحديداً خلال رئاسة جاير بولسنارو. لم يكتف بولسنارو بتمجيد الديكتاتورية العسكرية وحسب (1964-1985)، بل قام أيضاً ببناء “حزب عسكري” لحكم البلاد.

  يقيم إصدارنا الأخير “عودة العسكر إلى السياسة البرازيلية” (ملف رقم 20 مارس/ آذار 2022) عن كثب عسكرة السياسة والمجتمع البرازيليين. الحجة الرئيسة في هذا الملف هي أن الجيش البرازيلي قد نما، ليس لمواجهة أي تهديد خارجي، ولكن لتعميق سيطرة الأوليغارشية البرازيلية، وحلفائها متعددي الجنسيات، على المجتمع، حيث تستخدم القوات المسلحة بشكل روتيني العنف ضد “الأعداء الداخليين”، وهي مجموعات ملتزمة بشدة بإضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمع والاقتصاد والجيش البرازيلي.

ويشكل الانقلاب ضد ديلما والحرب القانونية ضد لولا جزءاً من الاستنزاف المتفاقم للديمقراطية في البرازيل والانزلاق نحو العسكرة؛ وفيما ستواجه البلاد في غضون أشهر قليلة انتخابات رئاسية مهمة، تظهر الاستطلاعات الحالية أن لولا (40%) يتقدم على بولسونارو (30%)، وبالتالي تهب الرياح في اتجاه أشرعة لولا.

 يحاول ملفنا فهم الأرضية الاجتماعية الكامنة وراء النقاشات السياسية الجارية حالياً في البلاد. إنها دعوة للحوار حول دور الجيش في العلن، سواء داخل البرازيل أو على مستوى العالم.

ويعكس الفن الموجود في الملف وفي هذه المراسلة الحجة القائلة إن القوات المسلحة البرازيلية موجهة أكثر إلى القمع الداخلي، وليس الدفاع عن حدود البلاد؛ لهذا السبب تستحضر الصور الأشخاص الشجعان الذين حاربوا من أجل دمقرطة بلادهم وواجهوا غضب الجيش.

مات جولارت عام 1967 قبل أن يتمكن من العودة من منفاه في الأرجنتين إلى البرازيل. ولاحقاً، قال مسؤولون رفيعو المستوى في البرازيل إن جولارت تعرض للاغتيال كجزء من عملية “كوندور” التابعة للحكومة الأمريكية. يأتي من مكتبنا في بوينس آيرس، وبالتعاون مع منصة (Batalla de Ideas)، منشور جديد بعنوان “خطة كوندور الجديدة: الجغرافيا السياسية والإمبريالية في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي”، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات حول أحدث مظاهر عملية “كوندور” في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

ينتهي ملفنا بالفقرات التالية:

إن ماضينا هو أيضاً جزء أساسي من مستقبلنا؛ وبدون تسوية حسابات مع ماضٍ تميز بالعبودية والديكتاتورية لن يكون من الممكن بناءُ مستقبل ديمقراطي، تكون فيه القوات المسلحة خاضعة كلياً لسيادة الشعب ومؤسساته ومخصصة حصرياً للدفاع الخارجي، ولم تعد مستخدمة ضد الشعب؛ وهذا يتطلب مواجهة الجرائم التي ارتُكبت خلال دكتاتورية عام 1964، بالإضافة إلى إرثها الاستبدادي الذي شكل الدولة والثقافة السياسية حتى يومنا هذا. ويجب إعطاء معانٍ جديدة للرموز الوطنية، مثل العلم البرازيلي، بوصفه جزءًا من هذه العملية.

وأخيراً، يجب أن نقاوم فكرة أن الاستعداد للحرب ضروري لبناء السلام؛ على العكس من ذلك، من أجل بناء السلام يجب إعطاء الأولوية لبرنامج يركز على رفاهية الجنس البشري والكوكب من خلال القضاء على الجوع، وضمان السكن، الحماية والأمن؛ فضلاً عن الرعاية الصحية الجيدة والشاملة، والدفاع عن الحق في الحياة الكريمة.

تذكرنا هذه الكلمات بكلمات كتّاب مثل الشاعر الشيوعي فيريرا جولار (1930-2016)، الذي يحلم شعره ببرازيل اشتراكية، إذ كتب  في ديوانه “هناك العديد من المصائد في العالم”، الذي نُشر عام 1975:

في العالم العديد من المصائد

وما هو مصيدة قد يكون ملجأً

وما هو ملجأٌ قد يكون مصيدةً

…….

النجمة تكذب

البحر سفسطائي

في الحقيقة

البشر مرتبطون بالحياة 

ويحتاجون إلى العيش

البشر جوعى

ويجب أن يأكلوا

البشر لديهم أطفال

ويحتاجون لتربيتهم

في العالم العديد من المصائد

ومن الواجب تحطيمها

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة