مدار: 15 تشرين الثاني/ يناير 2025
تطرح الولايات المتحدة، في أروقة مجلس الأمن الدولي، مسودة قرار تهدف إلى إقرار “خطة سلام شاملة” لغزة، تبدو في ظاهرها خطوة نحو “الاستقرار”، لكن تحليلاً قانونياً يكشف أن هذه الخطة، تمثل “مخططاً لاستمرار الاحتلال العسكري الطويل الأمد، والهيمنة الاستعمارية، ونظام الفصل العنصري”.
وفقاً لموجز سياساتي أنجزته منظمة “القانون من أجل فلسطين”، فإن مسودة القرار التي تسعى واشنطن لتمريرها لا تستند إلى إطار قانوني دولي، بل تهدف إلى خلق “نظام موازٍ” قائم على الأمن والسيطرة الأجنبية.
وتحذر الوثيقة، التي اطلع عليها “مدر”، من أن تبني مجلس الأمن لهذه المسودة سيقوض بشكل جدي مصداقية النظام القانوني الدولي بأكمله، عبر تطبيع جريمة الإبادة وإضفاء الشرعية على شكل جديد من الاحتلال، مستحضراً السوابق الكارثية في العراق وكوسوفو.
هياكل استعمارية
وتقترح الخطة الأمريكية إنشاء هيئتين رئيسيتين: “مجلس السلام”، وهو إدارة مدنية انتقالية ذات صلاحيات واسعة في قطاع غزة تشمل الإشراف على الحكم وإعادة الإعمار وتنسيق المساعدات الإنسانية، و”قوة دولية للاستقرار” ذات طابع عسكري.
ويرى التحليل أن هذه الهياكل، التي يُفترض أن يرأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليست مصممة لإنهاء الاحتلال غير القانوني أو تحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، بل لإدارة شؤونه تحت الاحتلال والتحكم حتى في المساعدات الدولية المقدمة له.
ويشير التقرير إلى أن الخطة صيغت مع استبعاد كامل للشعب الفلسطيني، وفي ظل اختلال هائل في موازين القوى، مؤكدا أنه حتى لو وافقت السلطة الفلسطينية على هذه الخطة، فإن هذه الموافقة ستكون باطلة قانوناً، لكونها انتُزعت تحت الإكراه المتمثل في التهديد باستئناف “الإبادة الجماعية على نطاق واسع”.
ويشدد التحليل على أن مشاركة شخصيات فلسطينية غير منتخبة في “مجلس السلام” المقترح لا ينفي طابعه الأجنبي المفروض، فكل قوى الاحتلال عبر التاريخ تعاونت مع ممثلين محليين.
وبحسب المنظمة فإن هذا المنهج ينبع من “فرضية استعمارية” مفادها أن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى وصاية دولية بدلاً من الحكم الذاتي الذي يكفله له القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة لعقود.
بدلاً من الإعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره كحق قانوني ملزم، كما أكدت فتوى محكمة العدل الدولية لعام 2024 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 10/24، تقدمه الخطة على أنه مجرد “تطلعات للشعب الفلسطيني”، مرهون بإعادة الإعمار والإصلاح وفق تقييم جهات فاعلة خارجية.
وبهذا الشكل يتحول تقرير المصير من حق أصيل إلى “جائزة قد تُمنح” في نهاية عملية طويلة، مما يؤجل تحقيقه إلى أجل غير مسمى ويُكرّس الحرمان المنهجي من حق يتمتع به الفلسطينيون منذ عقود، توضح الوثيقة.
الاحتلال والفصل العنصري
لا تعترف الخطة ومسودة القرار بوجود نظام الفصل العنصري الاستعماري الإسرائيلي أو وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومن خلال الغياب التام لأي إشارة إلى الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، تعمل الخطة على ترسيخ تقسيم الشعب الفلسطيني، كما أنها تتجاهل تماماً حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، مما يقضي على أي احتمال لتحقيقه.
ورغم أن الخطة تؤكد أن إسرائيل لن تحتل غزة أو تضمها، فإنها تسمح لها عملياً بالاستيلاء على الأراضي عبر إنشاء “مناطق عازلة”، وتضمن استمرار سيطرتها من خلال إقامة “طوق أمني” يبقي لها السلطة على حدود قطاع غزة ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية.
والأخطر من ذلك، أن الخطة تجعل الانسحاب الإسرائيلي مشروطاً بـ”نزع سلاح حركة حماس”، دون تقديم أي ضمانات أو جداول زمنية، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع قرارات محكمة العدل الدولية التي نصت على أن انسحاب إسرائيل يجب أن يكون غير مشروط و”بأسرع ما يمكن”.
ويرى التحليل أن أي خطة تدعو إلى نزع سلاح الفلسطينيين دون أن تضعه في سياق إنهاء الاحتلال أو نزع سلاح المستوطنين، تثير شكوكاً جدية حول حسن نيتها تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف، بما في ذلك الحق في مقاومة الهيمنة الأجنبية والاستعمارية.
شرعنة الإبادة
ويوضح الموجز أن الخطة ومسودة القرار لا تتضمنان أي ذكر للمساءلة عن “الجرائم الإسرائيلية، بما فيها الإبادة الجماعية”، أو التزام إسرائيل القانوني بتقديم التعويضات.
ومن خلال هذا الإغفال، تمنح الخطة الكيان المحتل مزيداً من الحصانة وتقوض الالتزامات الناشئة عن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي تُلزم الدول باتخاذ كل الوسائل المعقولة لمنعها والمعاقبة عليها.
بل إن المسودة تذهب إلى المطالبة بأن يتم عمل “قوة الاستقرار الدولية” بـ “التشاور والتعاون الوثيقين” مع إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال والمسؤولة عن إبادة مستمرة، ووفق التحليل فإن هذا الشرط يسعى إلى “تطبيع الإبادة الجماعية” وتصوير السيطرة غير المشروعة لإسرائيل على أنها مسألة “أمنية”، وليست انتهاكاً صارخاً لحق تقرير المصير.
مسؤولية باقي الدول
يؤكد الموجز أن الخطة لا تعفي الدول الأخرى من التزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الالتزامات القانونية تجاه الكافة (erga omnes) الناشئة عن انتهاكات إسرائيل للقواعد الآمرة للقانون الدولي، ويحذر من أن الدول التي تدعم هذه الخطة تنتهك بشكل مباشر هذه الالتزامات، وقد تكون في حالة انتهاك لالتزاماتها المتعلقة بمنع جريمة الإبادة والمعاقبة عليها.
ويشير التقرير إلى أن بعض الدول لم تكتفِ بتأييد الخطة، بل استخدمتها “ذريعة لتعليق المناقشات حول العقوبات والإجراءات الملموسة الأخرى”، متهربة بذلك من المساءلة عن تواطئها في الاحتلال غير القانوني والإبادة الجارية.
وتدعو الوثيقة الدول والدبلوماسيين والمحامين والنشطاء إلى الفحص الدقيق للخطة لضمان توافقها الكامل مع القانون الدولي، كما تؤكد أن أي طريق للمضي قدماً يجب أن يتمحور حول مركزية الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير وإنهاء الاستعمار، مع خطوات واضحة تشمل الانسحاب الإسرائيلي الكامل والفوري، من قطاع غزة، ودخول المساعدات دون عوائق، وآليات للمساءلة والتعويضات، وفرض حظر شامل على الأسلحة وعقوبات موجهة ضد الكيان الصهيوني.

