مدار: 01 تشرين الأول/ أكتوبر 2021
من الأمور التي ساهمت في تولي أول رئيس منتخب لغينيا، ألفا كوندي، السلطة منذ أكثر من عقد من الزمن الوعود التي أطلقها حول الوقوف في وجه عمالقة التعدين العالميين، وتحسين حياة الفقراء في الدولة الغنية بالموارد الواقعة غرب إفريقيا.
لكن الأسابيع الماضية كانت شاهدة على احتفال الناس في شوارع غينيا بإسقاط المنفي السياسي ذات مرة ألفا كوندي في انقلاب عسكري.
وفي تعليق سيلو دالين ديالو، زعيم المعارضة الذي خسر أمام كوندي في ثلاث انتخابات، وكانت حسبه مليئة بالمخالفات، لوسائل الإعلام قال: “لقد كان إسقاطه مسألة وقت فقط، لكنني شعرت بخيبة أمل منذ توليه الحكم، عندما رأيت كيف تصرف لأنه كان عكس ما كنت أتوقعه”.
وأضاف ديالو: “تسبب ألفا كوندي بنفسه في الأزمة التي أطاحت به”، مردفا بأنه “لم تكن لتتحقق الظروف المثالية لمثل هذه النهاية المأساوية لو لم يغير الدستور العام الماضي من أجل الترشح لولاية ثالثة”.
لكن ما يثير الاستغراب هو التغطية الدولية التي واكبت هذه التطورات السياسية، عكس العديد من الدول التي شهدت الأحداث نفسها، بسبب وضع غينيا باعتبارها مساهما أساسيا في إنتاج الألمنيوم.
الألومنيوم الغيني
لم يكن الاهتمام الذي خصت به وسائل الإعلام الدولية الانقلاب الغيني نابعا من اهتمامها بالأوضاع الديمقراطية الغينية، ولا بالرئيس المخلوع ألفا كوندي، ولا حتى بتزايد وتيرة الانقلابات في القارة السمراء مؤخرا بعد أن شهدت فترة سكون خلال العشرين عاما الأخيرة، بل من المؤكد حسب مختلف المطلعين أن هذا الاهتمام نابع من دوافع اقتصادية، تعتبر بيت القصيد في هذا الترقب المفاجئ.
من الأمور التي أكدت السبب من وراء هذا الاهتمام أن الأسعار العالمية للألمنيوم مباشرة بعد الانقلاب الغيني قفزت إلى أعلى مستوياتها خلال العشرة أعوام الأخيرة، فحسب تقرير حديث لصحيفة “الفاينانشيال تايمز” صعدت عقود الألمنيوم بشكل قياسي في بورصة لندن للمعادن بـ 1.6%، لتبلغ 2771.00 دولارا للطن، بعد أن لامست أعلى مستوى لها منذ مايو/أيار 2011 عند 2782 دولارا، كما تخطت أسعار العقود الآجلة 3400 دولار للطن.
وتقف المخاوف من تأثر الإمدادات الغينية جراء الانقلاب العسكري وراء هذا الارتفاع الكبير في الأسعار، لاسيما أن غينيا تنتج نحو ربع البوكسيت (المادة المستخدمة في إنتاج الألومنيوم) في العالم، وهو الأمر الذي أدى إلى صعود أسعار الألومنيوم المستورد من غينيا في الصين إلى أعلى مستوى لها في حوالي 18 شهرا؛ في حين تعد الصين واحدة من أكبر المستوردين للخام الغيني، إذ تستورد 55% من احتياجاتها من البوكسيت الغيني.
وكان مسؤول تنفيذي في مجال التعدين قال للصحيفة ذاتها: “بالنسبة لصناعة الألمنيوم العالمية، يمكن أن يكون لانقطاع إمدادات البوكسيت من غينيا تأثير مدمر، سواء على الاقتصاد الغيني أو الأسعار الدولية”، مضيفا: “قد يكون الاضطراب في الإمدادات محفوفا بالمخاطر بشكل خاص بالنسبة لروسيا والصين، اللتين تعتمدان بشكل كبير على البوكسيت الغيني”.
النظام العسكري و الأزمة المستفحلة
أعلن المجلس العسكري الحاكم في غينيا منع أعضائه من الترشح بالانتخابات العامة أو المحلية، مشيرا إلى أنه سيتفق مع المجلس الانتقالي على مدة الفترة الانتقالية المؤدية للانتخابات.
هذا وعبر متحدث باسم المجلس العسكري، عبر الإذاعة الحكومية، عن أن “ميثاق المرحلة الانتقالية ينص على أن يكون مامادي دومبويا رئيسا، قائد انقلاب الخامس من شتنبر/ أيلول، إلى جانب حكومة مؤلفة من رئيس وزراء وحكومة من المدنيين، على ألا يجوز لأي من أعضاء المجلس العسكري الترشح في الانتخابات”.
وقابلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) هذه القرارات بفرض عقوبات على مامادي دومبويا، قائد انقلاب الخامس من سبتمبر، كتجميد أصوله وحظر سفره بهدف للضغط عليه من أجل الانتقال سريعا إلى الحكم الدستوري في غينيا.
ورغم إبداء القادة العسكريين أن “إيكواس” عاجزة عن أن يكون لقراراتها أي تأثير، خصوصا في ظل قراراتها الأخيرة التي اعتبرت دون المستوى في ما يخص الانقلابات الأخيرة، إلا أن ما يقلق النظام الجديد في غينيا هو قدرة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على أن تكون لقراراتها تبعات اقتصادية، نظرا للعلاقات التي تربطها بكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومختلف الهيئات المانحة: بنك التنمية الإفريقي (AfDB) والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية.
ويزيد الأمر سوءا إذا ما عرفنا أنه لأسباب مالية، وأيضاً بسبب نقص الموارد البشرية، فإن جميع المشاريع الجارية في غينيا هي في أيدي المانحين، فبحسب الخبراء الغينيين الذين كانوا ينتقدون كوندي، تم استخدام خزائن الدولة بكثافة خلال الانتخابات التي نُظمت في 2020 (استفتاء وانتخابات رئاسية)، ما ساهم في إفراغ خزائن الدولة؛ كما يعاني ميزان المدفوعات الجارية من عجز، وهو ما يبرر الاتفاقيات المختلفة التي أبرمت مع صندوق النقد الدولي في الداخل.
وتعيش غينيا على وقع مشاكل متعددة. ولعل أبرز دليل على تردي الوضع في البلاد هو توفرها على 5% فقط من الطرق المعبدة، ما يجعل الحياة صعبة، خصوصا في ظل الأحوال الجوية التي تؤثر بشكل كبير على الطرق، ما يعني أن الوضع المستجد من الممكن أن يفقد البلاد حتى هذه الـ5%، لانعدام الصيانة بسبب الركود الذي أصاب مختلف المجالات.