غلوب تروتر + مدار: 14 أيار/ مايو 2024*
فيجاي براشاد
المهمة الأولى هي منع الهجوم على رفح وإنهاء الإبادة الجماعية، على أن تكون المهمة التالية المستعجلة هي التغلب على الضيق السياسي الذي أصاب الشعب الفلسطيني.
أجرى ممثلو حماس مفاوضات غير مباشرة في القاهرة مع الوفد الإسرائيلي في سبيل التوصل إلى اتفاق لإطلاق النار. كانت النقطة الشائكة في العديد من الجولات هي ترتيب الأحداث، بحيث تريد إسرائيل إطلاق سراح الرهائن قبل أن توقف القصف، بينما تتمسك حماس بأن يتوقف القصف قبل أي شيء. كما تدعو إسرائيل إلى أن يتم نزع سلاح حماس وتفكيكها، وهو مطلب متطرف من غير المرجح أن يتحقق. في الوقت ذاته لا ترغب حماس في وقف إطلاق النار فحسب، بل في إنهاء الحرب. وتبادل الجانبان إلقاء اللوم على بعضهما البعض، ما جعل مهمة المفاوضين المصري والقطري أكثر صعوبة.
إن أفضل المخرجات الممكنة في محادثات القاهرة تتلخص في إنهاء حرب الإبادة الجماعية الحالية ضد الفلسطينيين في غزة. هذا واكتسبت المفاوضات لإنهاء الحرب طابعاً أكثر إلحاحاً في ظل قصف إسرائيل أجزاء من مدينة رفح، المدينة الوحيدة في غزة التي لم تدمرها إسرائيل بعد. ومع عدم وجود مكان للفرار إليه، لا يمكن للمدنيين الفلسطينيين في رفح أن يكونوا محميين من أي هجوم، حتى وإن كان أقل عنفا من ذلك التي تشنه إسرائيل ضد مدينة غزة وخان يونس. لقد تسبب القصف الذي تعرض له قطاع غزة في 37 مليون طن من الركام، وهي مليئة بالملوثات وعدد هائل من القنابل غير المنفجرة (التي سوف يستغرق التخلص من آثارها حوالي 14 عاماً). وتعتقد إسرائيل أن آخر مجموعات حماس المنظمة موجودة في رفح، وأنها إما أن تقصف الملايين الذين يعيشون هناك لتدميرها، أو أن تضطر حماس إلى الموافقة على تدمير نفسها من خلال المفاوضات، وكلا الأمرين غير مقبول بالنسبة للفلسطينيين، الذين لا يريدون المزيد من الضحايا بين المدنيين، ولا تفكك واحد من أشرس المدافعين عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
ورغم موافقة حماس على اقتراح وقف إطلاق النار إلا أن إسرائيل شنت هجمات عنيفة على رفح وسيطرت على معبر رفح إلى مصر (وبالتالي قطعت الطريق الرئيسي لوصول المساعدات إلى غزة)، في وقت تستمر المحادثات؛ لكن إسرائيل ببساطة غير مستعدة لأخذها على محمل الجد.
الوحدة الفلسطينية
يمكن قياس تجاهل إسرائيل المفاوضات ومستوى العنف الذي تمارسه على أساس حقيقتين سياسيتين، بحيث لا تأخذ المفاوضات مع الفلسطينيين على محمل الجد وتشعر بأن بإمكانها القصف دون عقاب، وذلك لأنها، أولاً، تحظى بدعم كامل من دول الشمال العالمي (الولايات المتحدة وأوروبا بشكل رئيسي)، وثانياً لأنها لا تعتبر وجهات النظر السياسية الفلسطينية حيوية، لأنها نجحت في كسر الوحدة السياسية بين الفلسطينيين، وقد نجحت في إرباك الفصائل المختلفة سياسياً من خلال اعتقال قيادتها الرئيسية. لكن هذا لا ينطبق تماما على حماس، التي تمكنت قيادتها من إقامة عمليات في دمشق ثم في وقت لاحق في الدوحة، بقطر. في وقت يظهر واضحا أنه من المستحيل تصور تحول سريع من دول الشمال العالمي، فقد أصبح من الواضح تمامًا للفصائل الفلسطينية أنه في غياب وحدتها لن تكون هناك طريقة لإجبار إسرائيل على إنهاء حرب الإبادة الجماعية، ومن ثم بالطبع احتلالها الأراضي الفلسطينية، إلى جانب سياسات الفصل العنصري التي تنتهجها.
التقت في أواخر نيسان/أبريل 2023 حماس مع فتح، القوة السياسية الفلسطينية الرئيسية الأخرى، في الصين، كجزء من سيرورة طويلة لإيجاد أرضية مشتركة بينهما. انهارت العلاقات بين هذين المكونين السياسيين الرئيسيين خلال الفترة ما بين 2006-2007، عندما فازت حماس بالانتخابات البرلمانية في غزة، لكنها لاقت اعتراضا من فتح – المسؤولة عن السلطة الفلسطينية – على هذه النتائج، والواقع أن الفصيلين قاتلا بعضهما البعض عسكرياً في غزة قبل أن تنسحب فتح إلى الضفة الغربية. أثناء حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل سعت كل من فتح وحماس إلى سد الفجوة وعدم ترك خلافاتهما تسمح بطرد الفلسطينيين من غزة وهزيمة الأهداف السياسية الفلسطينية بشكل عام، بحيث التقى ممثلون رفيعو المستوى من هذين الفصيلين في موسكو في وقت سابق من هذا العام، ثم مرة أخرى في الصين في شهر مايو/أيار.
أرسلت فتح إلى اجتماع الصين كبار قادتها، بمن فيهم عزام الأحمد (عضو اللجنة المركزية الذي يقود فريق المصالحة الفلسطينية)، في حين أرسلت حماس قادة كبارا بالقدر نفسه، ومن ضمنهم موسى أبو مرزوق (عضو اللجنة السياسية للحركة ووزير خارجيتها الفعلي). ولم تسفر المفاوضات عن اتفاق نهائي، لكنها – كجزء من سيرورة طويلة – عمقت الحوار والإرادة السياسية بين الطرفين للعمل معًا ضد حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية والاحتلال. هذا ويجري التخطيط لعقد المزيد من الاجتماعات على هذا المستوى الرفيع، مع صدور بيان مشترك في وقت لاحق بشأن الدعوة ــ التي شجعها الرئيس الصيني شي جين بينغ ــ لعقد مؤتمر دولي للسلام لإنهاء الحرب وأرضية فلسطينية مشتركة بشأن الطريق إلى الأمام.
فجوات
تأسست حركة فتح، العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، عام 1959 على يد ثلاثة رجال، اثنان منهم من جماعة الإخوان المسلمين (خليل الوزير وصلاح خلف) وواحد من الاتحاد العام لطلبة فلسطين، الذي أصبح في ما بعد الزعيم الرئيسي (ياسر عرفات). لقد أثبتت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها باعتبارها جوهر النضال الفلسطيني ضد كارثة عام 1948 التي فقد خلالها الفلسطينيون أراضيهم، وجعلتهم مواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل، وأرسلت مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى المنفى لعقود. لم تتشكل بصمة الإخوان المسلمين داخل منظمة التحرير الفلسطينية، التي تبنت خطابا تحرريا وطنيا شحذته مختلف الفصائل اليسارية، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (التي تشكلت عام 1967) والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (التي تشكلت عام 1968).
أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية هي المهيمنة في النضال الفلسطيني، إذ قامت بتنسيق العمل السياسي في مخيمات المنفيين والكفاح المسلح للفدائيين، وواجهت فصائلها هجوماً منسقاً من إسرائيل، التي غزت لبنان لنفي قيادتها ونواتها إلى تونس. ومع سقوط الاتحاد السوفييتي بدأت منظمة التحرير الفلسطينية التفاوض بجدية مع الإسرائيليين والولايات المتحدة، وكلاهما فرض شكلاً من أشكال الاستسلام على الفلسطينيين أو ما تسمى اتفاقيات أوسلو لعام 1993. تولت فتح مسؤولية السلطة الفلسطينية، التي عملت جزئياً على الحفاظ على الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية وغزة والضفة الغربية.
وبسبب غضبها مما بدا وكأنه استسلام فلسطيني في أوسلو قامت ثمانية فصائل بتشكيل تحالف القوى الفلسطينية عام 1993. وكانت أكبر المجموعات في هذا التحالف تنتمي إلى تقاليد الإخوان المسلمين، ومن بينها حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية (التي تشكلت عام 1981) وحماس (التي تشكلت عام 1987). وانضمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في البداية إلى هذا التحالف لكنهما انسحبتا عام 1998 بسبب خلافات مع الأحزاب الإسلامية. وتمكنت الأحزاب الإسلامية من الفوز في الانتخابات البرلمانية في غزة بفارق ضئيل (44% لحماس مقابل 41% لفتح)، وهي النتيجة التي أثارت غضب إسرائيل ودول الشمال العالمي، التي حاولت بعد ذلك تقويضها.
وعززت كل من حماس والجهاد الإسلامي أجنحتهما المسلحة، ودافعتا عن نفسهما ضد الإذلال والهجوم، بعد أن حرمتا من الوصول إلى السلطة السياسية عبر صناديق الاقتراع؛ ثم واجهتا الحصار والقصف الإسرائيلي المستمر لغزة. وقد قوبلت كل محاولة للاحتجاج السلمي – بما في ذلك مسيرة العودة الكبرى عامي 2018 و2019 – بالعنف الإسرائيلي. ولم تكن هناك لحظة شهد فيها شعب غزة عاما من السلام منذ عام 2007، لكن القصف الحالي يأتي على نطاق مختلف حتى عن أسوأ الهجمات السابقة التي شنتها إسرائيل عامي 2008 و2014.
وتشمل الخلافات السياسية الرئيسية بين الفصائل تباين تفسيرات كل واحدة منها لاتفاقيات أوسلو، وطموح كل منها إلى السيطرة السياسية، وتطلعاتها المنفصلة للمجتمع الفلسطيني. إن سجن القادة السياسيين لعقود من الزمن منعهم من ممارسة النشاط السياسي الطبيعي والديمقراطي (مثل الحفاظ على هياكلهم السياسية وحشد أصوات الشعب)، مع الوقوف في وجه تقريب المسافات بينهم. ومع ذلك، أجرت القيادة حوارات مستمرة حول هذه القضايا في السجن. مباشرة بعد الانتخابات البرلمانية في غزة كتب زعماء الفصائل الخمسة الرئيسية المسجونين في سجن هداريم الإسرائيلي وثيقة الأسرى الفلسطينيين للوفاق الوطني، وهم مروان البرغوثي (فتح)، عبد الرحيم ملوح (الجبهة الشعبية)، مصطفى بدارنة (الجبهة الديمقراطية)، عبد الخالق النتشة (حماس)، بسام السعدي (الجهاد الإسلامي).
ودعت وثيقة الأسرى، التي تم تداولها ومناقشتها على نطاق واسع، إلى الوحدة الفلسطينية و”نبذ كل مظاهر الفرقة والانقسام وما يقود إلى الفتنة”. ولم يضع النص أجندة سياسية فلسطينية جديدة، لكنه دعا الفصائل المختلفة إلى “وضع خطة فلسطينية للتحرك السياسي الشامل”. إن تطوير هذه الخطة، بعد مرور ما يقرب من 20 عامًا، يشكل هدفًا رئيسيًا للمحادثات بين مختلف المنظمات السياسية الفلسطينية.
هناك اتفاق على أن المهمة الأولى هي منع الهجوم على رفح وإنهاء حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، كما أنه هناك شعورا بأن الضيق السياسي الذي أصاب الشعب الفلسطيني يجب التغلب عليه، واستخدام مشروع سياسي جديد لتحفيز مناخ سياسي جديد بين الفلسطينيين داخل حدود إسرائيل، في الأرض الفلسطينية المحتلة والقدس الشرقية وغزة والضفة الغربية، وفي مخيمات اللاجئين في لبنان والأردن وسوريا، وفي الشتات الفلسطيني البالغ عدده 6 ملايين نسمة.
* نشر هذا المقال لأول مرة باللغة الإنجليزية بتاريخ: 08 أيار/ مايو 2024.